قال رسول الله- صلى الله عليه وآله-: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة …مع قميصٍ مخضوب بدم الحسين"… ثم تقول: "اللهم أشفعني فيمن بكى لمصيبته فيشفعها الله فيهم…"
إخوتنا وأعزّتنا الأكارم …السلام عليكم، طابت أوقاتكم، واهلاً بكم، في هذا الملتقى النافع لنا ولكم، إن شاء الله تبارك وتعالى.
أيّها الأعزّة…إنّ الصدّيقة الزهراء فاطمة هي سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين، ويكفي في الاطمئنان بذلك ما تواترت روايته عند العامّة والخاصّة من أن رسول الله صلّى الله عليه وآله عبّر عنها أنّها بضعته، وروحه التي بين جنبيه، فلمّا كان النبيّ هو سيّد الخلق، والبعض يأخذ حكم الكل، فتكون فاطمة البتول بالضرورة سيّدة النساء، في الدنيا وفي الآخرة، في عالمها والعوالم الأخرى.
وسيادتها صلوات الله عليها- أيّها الإخوة الأفاضل- لابدّ أن تكون في جميع شؤونها، ومنها عواطفها الطاهرة المتوجهّة بدليل العصمة الربّانيّة إلى ما يرضاه الله تبارك وتعالى، لذا عرفت بالحنان والحنو على أولادها، ومنهم فلذّة كبدها الحسين…لاسيّما وقد أخبرت بمحنته، وعظيم مصيبته، وشدّة فاجعته …صلوات الله عليه وعلى أهل بيته، وعلى الشهداء من صحابته. روى المجلسيّ أعلى الله مقامه في موسوعته الحديثية (بحارالأنوار) أنّ أميرالمؤمنين عليّاً سألها – وهي على فراش الشهادة: ما الذي تجدينه؟
فأجابته: "يا ابن العمّ، إنّي أجد الموت الذي لا بدّ منه ولا محيص عنه…"، ثمّ أوصته بأولادها، وخصّت الحسنين قائلةً: يصبحان يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما، واليوم يفقدان أمّهما، فالويل لأمّةٍ تقتلهما وتبغضهما.
ورحلت فاطمة الزهراء عليها السلام عن الدنيا ولكنّها بقيت تعيش لوعة مصاب ولدها الحسين سلام الله عليها، حتّى روي أنّها تجيء يوم القيامة وبيدها اليمنى تمسك الحسن وباليسرى تمسك الحسين، وعلى كتفها الأيمن قميص الحسن ملطّخاً بالسمّ، وعلى كتفها الأيسر قميص الحسين ملطّخاً بالدم! فتنادي: "ربّ احكم بيني وبين قاتلي ولديّ"، فيأمر الله تعالى الزّبانية قائلًا لهم: "خذوه فغلّوه".
والخبر الذي توارده الخطيب الخوارزميّ الحنفيّ في (مقتل الحسين)، وكذا ابن المغازليّ الشافعيّ في (مناقب عليّ بن أبي طالب)، وابن شيرويه الديلميّ في (فردوس الأخبار) يحظى بسلسلة رواةٍ ثقات ينتهون إلى الإمام عليٍّ عليه السلام ليروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: "تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثيابٌ مصبوغةٌ بالدم، فتتعلّق بقائمةٍ من قوائم العرش فتقول: يا عدل، أحكم بيني وبين قاتل ولدي" قال النبيّ بعد ذلك: "فيحكم لابنتي وربّ الكعبة".
وفي رواية العالم الحنفيّ الشيخ سليمان القندوزيّ في كتابه (ينابيع المودّة) أيّها الإخوة هكذا: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمّد مع قميصٍ مخضوبٍ بدم الحسين، فتحتوي على ساق العرش فتقول: أنت الجبّار العدل، إقض بيني وبين من قتل ولدي.
ثمّ أضاف النبيّ صلّى الله عليه وآله "فيقضي الله لبنتي وربّ الكعبة. ثمّ تقول: اللهمّ اشفعني فيمن بكى على مصيبته. فيشفّعها الله فيهم".
مستمعينا الأكارم…ورد في حديث للإمام الصادق- عليه السلام- ما مضمونه بكاء المؤمنين على مصاب أبي عبد الله الحسين- عليه السلام- يسعد مولاتنا فاطمة - عليها السلام-، وقد لاحظنا في الحديث السابق أنها صلوات الله عليها تشفع للباكين على ولدها الحسين- عليه السلام- فكيف يكون في البكاء على الحسين إسعاد للصديقة الكبرى؟ نستمع لما يقوله في الإجابة عن هذا السؤال ضيفنا الكريم سماحة :
(الشيخ عبد الحميد النجدي الباحث الاسلامي من لندن) …
النجدي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبنا محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين وعلى اصحابه الغر المامين الذين ساروا بهديه وكان له كظله، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
بأعتبار ان الامام الحسين عليه السلام استشهد من اجل الحق ومن اجل نصرة المستضعفين في كل مكان ونصرة المظلومين واعادة الحق الى نصابه والزهراء سلام الله عليها هي تسعى من اجل هذه الاهداف والبكاء على الامام الحسين عليه السلام هو تعبير عن نصرة هذه الاهداف ودفع الظالمين ودفع اصحاب الشهوات والاهواء والمطامع الدنيوية عن المس بالحق فمسئلة البكاء على الحسين عليه السلام هو تعبير عن نصرة الحسين وتعبير عن المظلومية نالت الحسين واصحابه واهل بيته عليهم السلام جميعاً فالزهراء عليها السلام لاتختلف في الاهداف التي ثار من اجلها الحسين هي تتفق تمام الاتفاق مع كل هدف ثار من اجله الحسين وقد اعلن ذلك "اني لم اخرج أشراً ولابطراً وانما خرجت ...الى اخر الحديث الشريف، انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي" فأذن هذا الطلب للاصلاح يسعد الزهراء عليها السلام والبكاء على الحسين تعبير عن نصرة هذا الطلب انه طلب الاصلاح وطلب ابعاد المفسدين من اجواء الامة يعني هذه الامة المرحومة فهذا تعبير يعني البكاء هو تعبير عن حالة من الحزن، حزن عن ماذا؟ عن امر قد انتهى، الحزن على امر قد مضى والخوف من امر مستقبلي ان يحصل كذا فأستشهاد الحسين قد تم واستشهاد الحسين المظلوم الشهيد المطالب بحقوق المستضعفين في العالم، المطالب بـأن يحكم الاسلام لا كما في بني امية ان يحكموا بالاسلام اي ان يجعلوا الاسلام وسيلة للوصول الى الحكم وهذا فرق بين ان تحكم الاسلام اي ان تجعل الاسلام حاكماً على الامة وعلى المسلمين وان تحكم بالاسلام يعني ان تجعل الاسلام وسيلة للوصول للكرسي وللسلطة وللحكم فهذا فرق كبير اذن البكاء على الحسين عليه السلام هو من اجل ان يحكم الاسلام لا ان يبقى بعيداً عن ساحة الناس.
نشكرسماحة (الشيخ عبد الحميد النجدي الباحث الاسلامي من لندن) على هذه التوضيحات، ونواصل من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام).. ننتقل الآن أيها الأعزاء الى كلام مولانا الإمام المجتبى عليه السلام فهو أيضاً لم ينس فاجعة أخيه الحسين عليه السلام، فكان ينظر إليه، وقلبه يعتصر عليه، لما سيلقاه من مصيبةٍ عظمى في طفّ كربلاء، ظهيرة يوم عاشوراء … وقد وجدها أعظم المصائب، وهو الإمام المؤيّد بعلم الله جلّ وعلا، فصرّح بكلماتٍ استقرأ قبلها التاريخ من أوّله إلى آخره، فلم يجد نكبةً أشدّ على أحدٍ كالّتي ستقع في الغاضريّة.
ذكر الأمر أبومحمّدٍ الحسن الزكيّ عليه السلام وهو على فراش الشهادة يتقيأ كبده المقدّس في طستٍ أمامه ويقلّبه بعود، ولكنّه لم ينس- وهو في تلك الحالة ما سيجري غداً على أخيه….
روى الشيخ الصدوق في (المجلس الرابع والعشرين من: أماليه)، وعنه المجلسيّ في (الجزء الخامس والأربعين من: بحارالأنوار)، وكذا روى ابن شهرآشوب في (مناقب آل أبي طالب، والعالم الحنفيّ المذهب، إبن حسنويه الموصليّ في كتابه (درّ بحرالمناقب)…كلّهم عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّ الحسين بن عليٍّ عليهما السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلام، فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟! قال: أبكي لما يصنع بك، فقال له الحسن عليه السلام: "إنّ الذي يؤتى إليّ سمٌ يدسّ إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجلٍ يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودما، ويبكي عليك كلّ شيء….".
مستمعينا الأكارم…ستكون لنا بأذن الله وقفة أخرى مع كلام الإمام المجتبى عن أخيه الحسين- عليهما السلام- ولكن في لقاءات مقبلة فقد إنتهى الوقت لهذه الحلقة من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) لذلك نودعكم باعادة قراءة الحديث الذي افتتحنا به اللقاء وهو:
قال رسول الله- صلى الله عليه وآله-: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة … مع قميصٍ مخضوب بدم الحسين … ثم تقول: اللهم أشفعني فيمن بكى لمصيبته فيشفعها الله فيهم …