قال سيد المرسلين الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله -: "ألا وإن جبرئيل أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء.... ألا لعنة الله على قاتله وخاذله الى آخر الدهر".
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين، وأزكى الصلوات على الحبيب المصطفى خير النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أيها الإخوة الأعزة...، طابت أوقاتكم، وحياكم الله تعالى وأهلا بكم.
إن كلمات النبي – صلى الله عليه وآله – ركزت على محورين مهمين غاية الأهمية في الحديث حول حفيده وسبطه الحسين عليه السلام:
المحور الأول – أيها الأحبة الأكارم – هو ذكر فضائل أبي عبد الله، ومناقبه ومنازله السامقة، وخصائصه ومواهبه الفريدة..وذلك بالضرورة يدعو إلى الإقرار بإمامته – لاسيما وقد ورد النص عليه -، ويدعوكذلك إلى التسليم لولايته – وذلك أمر من إصول الدين الإسلامي وضرورياته -، وإلا فمن تولى غير أولياء الله من النبيين والمرسلين، والأئمة الوصيين، وأعماله هباء، وماله إلى وبال.
ويكفي في التعرف على المقام الفاخر للإمام الحسين عليه السلام هاتان الروايتان الشريفتان:- الأولى: رواها البخاري في (الأدب المفرد) وكذا في (التاريخ الكبير)، وأحمد بن حنبل في (المسند)، والحافظ ابن ماجه في (السنن)، والترمذي في (الصحيح)، وابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثر)، والزمخشري في (الفائق)، والحاكم النيسابوري في (المستدرك)، والمحب الطبري في (ذخائر العقبى).. وعشرات غيرهم من المحدثين، عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله عليه وآله اعتنق الحسين يوما وقال: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا". وقد عرفنا دلالات هذا الحديث في حلقة سابقة ولا شك – أيها الإخوة الأفاضل – أن الكلمة كبيرة، وكبيرة جدا، فمن عرف من هو رسول الله وما بلغه من المقام المحمود والدرجات العليا والخصائص المثلى، عرف من يكون الحسين عليه السلام.
والرواية الثانية - رواها الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، والمتقي الهندي في (كنز العمال).. وكلاهما من أعلام أهل السنة ومحدثيهم، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "لما استقر أهل الجنة، قالت الجنة: يارب، أليس وعدتني أن تزينني بركنين من أركانك ؟ قال: ألم أزينك بالحسن والحسين ؟! فماست الجنة ميسا كما تميس العروس " أي تبخترت واختالت.
إخوة الولاء.. أما المحور الثاني في الأحاديث النبوية عن سيد الشهداء – عليه السلام – هو الإخبار عن قتله ولعن قاتليه وخاذليه وإعلان البراءة منهم كما سنرى مفصلا في تتمة اللقاء ولكن بعد أن نستمع لإجابة سماحة (الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية) عن سؤالنا بشأن معنى ما ورد في الكلام النبوي الذي إفتتحنا به اللقاء من لعن مشدد لقتلة الحسين وخاذليه عليهم السلام – أبد الدهر، نستمع معا:
عباس: اعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وعلى اله بيته الطيبين الطاهرين
في حقيقة الامر كما تفضلتم وردت الكثير من الروايات التي تبين ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعن قتلة الحسين وجاء اللعن ايضاً بصور متعددة حول من شايعهم وبايعهم وتابعهم على ذلك، يبدو لي ان المراد الاساسي لذلك هو تحديد فكرة الانتماء، ماذا تعني فكرة الانتماء؟ الاسلام في حقيقة الامر يريد من الانسان ان ينتمي للصالحين وان يقطع علاقته على نحو المقاطعة مع الفاسدين والظالمين وفائدة هذا الانتماء هو انه يجعل الانسان في ضمانة من اجل الحفاظ على دينه وعلى عقيدته بالاضافة الى انه يجعل هذا الانتماء انتماءاً استمرارياً دائمياً لأن المسئلة ليست معاداة، للاسف البعض يثير ان اتباع الحسين صلوات الله وسلامه عليه دائماً مايطالبون بالثأر ولكن هذا ليس مطالبة بثأر في زمن معين والا سلالة الذين قتلوا الحسين عليه السلام ربما لم يبق منهم احد ولكن هو من اجل هذه المسئلة، من اجل تحديد الانتماء واتخاذ الموقف على مر الزمن، بأن يكون الانسان في خانة الصالحين الذين تصل امتداداتهم الى الائمة عليهم السلام والى الصالحين وان يكون في الضفة الاخرى التي يقف عليها اولئك الظالمون فالمسئلة ليست من اجل ايجاد اشباع رغبة نفسية بأن الانسان يلعن احداً او ان يتحدث عنه بهذا اللفظ الذي جاء ذكره في القرآن الحكيم مراراً وانما من اجل تحديد الانتماء، من اجل ان يبين الانسان لنفسه انه ينتمي لأي اتجاه وكما تعلمون فأن الصراع بين الحق والباطل صراع ازلي وابدي ايضاً يعني صراع ازلي في الماضي وابدي في المستقبل ففي الحقيقة مسئلة اللعن هي من اجل ايجاد الوازع النفسي والبغض النفسي. في بعض الروايات اللطيفة عندنا عن امير المؤمنين انه قال "امرنا ان نلقى اصحاب المعاصي بوجوه مكفهرة" بمعنى ان الانسان اذا نظر الى انسان يعصي الله عزوجل لايحق له ان يضحك في وجهه او ان يبتسم في وجهه بعد المعصية وانما ينبغي عليه ان يبين له عدم رضاه لا اقل تبيان عدم الرضا عن الفعل الذي فعله، هنا ايضاً الانسان اذا لعن احداً في حقيقة الامر يصنع حاجزاً بينه وبين اولئك الظالمين، يصنع حاجزاً بينه وبين اولئك الذين يقتلون الصالحين ولاينضمون الى المؤمنين فاللعن له فوائد كثيرة تتجلى تارة في الحالة النفسية حيث يقرر الانسان بينه وبين نفسه انه يكون مع الصالحين ثم يدفعه ذلك الى الانتماء ثم يدفعه بعد ذلك الى قراءة الواقع الجديد حتى يتعرف اين يقع الحق واين يقع الباطل وبالتالي يتخذ ذات الموقف الذي اتخذه الحسين صلوات الله وسلامه عليه تجاه زمانه وانا لااشك ان في كل زمان هنالك حق وهنالك باطل، يجب على الانسان ان يقرأ الواقع الاجتماعي حتى يتعرف على الحق وينتمي اليه ويتعرف على الباطل ويعمل بأزاءه. الله عزوجل يقول "قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً" لايمكن للباطل ان يفنى من تلقاء نفسه وانما يجب على اهل الحق واصحاب الحق واتباع الحق ان يتقدموا خطوة حتى يكون بأمكانهم زهق الباطل اما الباطل سوف لن يزهق لوحده ومن تلقاء نفسه، هنا تأتي فلسفة الانتماء وايجاد الحاجز النفسي وحمل الاهداف الكبرى من اجل الوصول الى الاهداف الاسلامية والانسانية ايضاً حيث ان العدل تطلع شامل للديانات وتطلع شامل للعقل المستنير البعيد عن الاهواء والشهوات.
إستمعنا آنفا أيها الأعزاء لتوضيحات سماحة (الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية) بشأن اللعن المحمدي لقتلة وخاذلي سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين – عليه السلام – فشكرا له.. كما نشكر لكم حسن إصغائكم لتاسعة حلقات برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) نقدمها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران.. وقد عرفنا أن المحور الأول في الأحاديث النبوية عن الحسين – عليه السلام – هو التأكيد على عظيم منزلته عند الله عزوجل. أما المحور الثاني – أيها الإخوة الأعزة – في
أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله حول سبطه وريحانته الحسين ابن فاطمة عليهما السلام، فهو يدور حول الإخبار بشهادته صلوات الله عليه.. وهذا الإخبار الذي هو أحد معاجز النبي صلى الله عليه وآله، كما هو أحد دلائل نبوته وصدق رسالته.. هو في الوقت ذاته – أيها الإخوة المؤمنون – بيان لمظلومية سيد شباب أهل الجنة، ودعوة إلى التعاطف معه وتوليه والإنتصار له، وحكم عقائدي قاطع بالتبري من أعدائه وقتلته، والممهدين لقتاله وقتله. ويتضح هذا جليا – إخوتنا الأعزاء – إذا تأملنا في هذه الأخبار والروايات:
الأولى – رواها ابن أعثم الكوفي في كتابه (الفتوح)، والخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين عليه السلام)، كلاهما عن الصحابي المعروف ابن عباس، قال: لما أتت على الحسين سنتان من مولده، خرج النبي صلى الله عليه وآله في سفر.. ولما قفل من سفره كان مغموما، فصعد المنبر وقد حمل حفيديه الحسن والحسين، وقال رافعا رأسه إلى السماء: هذان أطائب عترتي، وخيار ذريتي وأرومتي، ومن أخلف في أمتي. "اللهم وقد أخبرني جبرئيل بأن ولدي هذا – وأشار إلى الحسين – مقتول مخذول. اللهم بارك له في قتله، واجعله من سادات الشهداء إنك على كل شيء قدير. اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله". قال ابن عباس: فبكى الصحابة، فقال لهم النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟ (ثم نقل ابن عباس كلاما وحديثا كان آخره قول رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا وإن جبرئيل أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلا.. ألا لعنة الله على قاتله، وخاذله، إلى آخر الدهر).
قال ابن عباس: لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا استيقن أن الحسين مقتول! والعجيب أن الخوارزمي ينقل عن ابن عباس أيضا أن النبي قال مصرحا، وموضحا، ومبينا أفضل تبيين: (مالي وليزيد! لا بارك الله في يزيد، فإنه يقتل ولدي وولد ابنتي، الحسين بن علي. فو الذي نفسي بيده، لا يقتل ولدي بين ظهراني قوم فلا يمنعونه (أي فلا يحمونه) إلا خالف الله بين قلوبهم وألسنتهم. أي صاروا منافقين، يتظاهرون بالإسلام ويحاربونه أشد الحرب في أولياء الله، وأوصياء رسول الله!
ونبقى – أيها الإخوة الأماجد – مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يحدثنا حول حبيبه وحبيبنا الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، في جانب البراءة من مبغضيه ومناوئيه.. حيث كتب المحدث الحافظ محمد خان بن رستم البدخشي في كتابه (مفتاح النجا في مناقب آل العبا) قال: أخرج الطبراني (أي في معجمه) عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "يزيد.. لا بارك الله في يزيد! نعي إلي حسين وأتيت بتربته، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده، لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعا!" …فيما روى المتقي الهندي في (منتخب كنز العمال) أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "يزيد.. لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان! أما إنه نعي إلي حبيبي حسين، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه إلا عمهم الله بعقاب!".
نسأله تعالى نصرة الحسين بقلوبنا ومآقينا، وألسنتنا وأقلامنا، حتى ظهور الطالب بثأره الإمام المهدي المنتظر الموعود صلوات الله عليه.
أحبتنا مستمعي اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران وها نحن نختم تاسعة حلقات برنامجكم (الحسين في كلام المعصومين عليهم السلام) بعودة للكلام النبوي الذي إفتتحنا به هذا اللقاء وبه نودعكم وهو: قال سيد المرسلين الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله -: (ألا وإن جبرئيل أخبرني بأن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء.. ألا لعنة الله على قاتله وخاذله الى آخر الدهر).