قال الصادق –عليه السلام -: "كلنا سفن النجاة وسفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع".
السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله …كانت لنا في الحلقة السابقة من هذا البرنامج وقفة عن الحديث النبوي الشهير: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، نستكملها في هذا اللقاء ببيان خصوصيات الهداية الحسينية وخصوصيات سفينته المنجية من أشكال الضلال والفتن على ضوء ماورد في الحديث الصادقي الذي إفتتحنا به هذا اللقاء …. أيها الأخوة.. كما أن النبوّة لطفٌ إلهي، إذ هي هادية مرشدةٌ للناس، كذلك الامامة لطف إلهي، إذ تتّصل بالنبوّة منهجاً وغايةً وهدفاً، بل إذا كان دور النبوّة إنذاراً وإبلاغاً، فإن دور الإمامة بنيانٌ وإفهام وإعمال وهداية وكلاهما: النبوة والإمامة، رحمةٌ فياضةٌ بالإيمان والعلم والتقوى والعمل الصالح، وسببٌ حقٌّ في معرفة الطريق إلى الله عزوجل. وقد كان من الناس في الإمامة والإمام تصوّرات ضالة خاطئة فكان من الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام حديث مفصَّل في توضيح الأمر، جاء فيه قوله: (الإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذُبُّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة.. الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدُّجى وأجواز البلدان والقفار، ولُججِ البحار. الإمام الماء العذب على الظَّمأ، والدّالُّ على الهدى، والمنّجي من الرَّدى...والدليل في المهالك، من فارقه فهالك..الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأمُّ البرّةُ بالولد الصغير، ومفزع العباد، في الداهية النَّآد. الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذّاب عن حُرم الله....
وفي حديث للإمام جعفر الصادق عليه السلام من خطبةٍ له جاء فيها قوله: "إن الله عزوجل أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا عن دينه وأبلج بهم عن سبيل منهاجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه"..(إلى ان قال عليه السلام) فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارُهم لخلقه من وُلد الحسين عليه السلام من عَقِب كلَّ إمام، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلَّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً عَلَماً بينا، وهادياً نيراً، وإماماً قَيماً، وحجةً عالما، أئمةً من الله يهدون بالحق وبه يعدلون، حُجج الله ودُعاتُه ورُعاتُه على خُلقه، يدين بهديهمُ العباد، وتستَهل بِنورِهم البلاد، وينمو ببركتهم التَّلاد، جعلهم الله حياةً للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائما للإسلام...
أجل..إخوتنا الأعزة الأفاضل، فالنصوص الشريفة مؤكدَّة أن هداية الناس مرهونة – بعد النبوّة – بالإمامة، لأن الإمام يدعو إلى دين الله الحق، بالحجة البالغة والبرهان القاطع، إذ هو نورٌ ساطع، ونجم هادٍ في الظلمات وصحارى الحياة الشاسعة، ولجج البحار الرهيبة، فيكون الإمام مرشداً إلى ساحل الأمان، ومنجياً من التَّيه والضياع والهلاك، ودليلاً منقذاً من مواضع الزلّات، ومواطن العثرات المردية في مهالك الدنيا والآخرة. هكذا الإمام، وهكذا الأئمة الهُداة الكرام، ومنهم أبو عبد الله الحسين عليه السلام، وقد أراده الله جل وعلا ً ولياً له، وبلّغ به وأوصى نبيُ الرحمة بذلك كما ورد ذلك منه في عشرات الروايات، سننقل لكم بعض نماذجها ولكن بعد الإستماع لما يقوله ضيف البرنامج سماحة (الشيخ اديب حيدر) عضو المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى باحث اسلامي في لبنان، عن مصاديق كون الإمام الحسين عليه السلام – سفينة للنجاة نستمع معاً:
حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
طبعاً لسان السفينة في الاحاديث وردت بلسانين، اللسان الاول هو مايشمل اهل البيت جميعاً "مثل اهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى" طبعاً الدور الشهادي للامام الحسين هو معبر تعبيراً حقيقياً عن هذا الامر لأننا نعلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقسمت الامة الى قسمين، قسم قال بالخلافة عن طريق الشورى وقسم قال بالامامة وكل هذه المصائب التي وقعت وادت الى استشهاد امير المؤمنين وبعد ذلك استشهاد الامام الحسن ثم جاءت الثورة الكبرى لأستشهاد الامام ابي عبد الله الحسين الذي استطاع الامام ابي عبد الله الحسين من خلال ثورته ان يسقط اخر مايمكن ان يتستر به الحكم الاموي لكن اراد الامام الحسين ان يثبت ان الامامة هي تواصل مع خط الرسول وشرع الرسول ولذلك عندما اقدمت السلطات اليزيدية على قتل الامام الحسين هنا لسان الحال يقول ان الامام الحسين هو امتداد للنبوة وهو بضعة النبي وهو عين النبي وهو ريحانة النبي فكيف اذا كانت هذه الجريمة تطال رمزاً من رموز الشريعة وعماد من اعمدة الشريعة كالامام الحسين عليه السلام والذي قال فيه رسول الله "الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة".
نشكر سماحة (الشيخ اديب حيدر) على هذه المساهمة في برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام) ونتابع تقديمه أعزاءنا من إذاعة طهران بنقل مارواه الحافط الحموينيُّ الشافعي في (فرائد السمطين) عن ابن عبّاس، أنّ نعثل اليهودي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسى بن عمران وصيه يوشع بن نون، فأجابه صلّى الله عليه وآله قائلاً: "إنّ وصييّ عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعةُ أئمةٍ من صُلب الحسين...".
أما الگنجيُّ الشافعي، فقد روى في كتابه (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب) عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ جندل بن جُنادةً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني عن أوصيائك من بعدك لأتمسك بهم، فأجابه النبي صلى الله عليه وآله بقوله: أوصيائي الأثنا عشر أوّلهم سيد الأوصياء أبو الأئمة عليّ، ثم ابناه الحسن والحسين..، فقال جندل: وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء: إيليا وشبرّاً وشُبيراً، فهذا اسمُ عليّ والحسن والحسين، فمن بعد الحسين؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وآله بأسمائهم وألقابهم، إلى المهدي خاتمهم، صلوات الله وسلامه عليهم.
نعم، هؤلاء – ايها الأخوة الأحبة – هم هُداة البشر، أولياء النَّعم، قادةُ الأمم، أئمة الهدى ومصابيح الدُجى وكهف الورى، الدُّعاة إلى الله، والأدلّاءُ على مرضاة الله، القادةُ الهداة، والسادةُ الولاة، السبيلُ الأعظم، والصراط الأقوم، بموالاتهم يعلّمنا الله معالم ديننا، ويصلح ماكان فسد من دُنيانا، وبموالاتهم تتم الكلمة، وتعظم النَّعمة، وتأتلف الفرقة، وتقبل الطاعة المفترضة..أُولئك هم، ومنهم الإمام الحسين سلام الله عليه، الذي عرَّفه جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله من حديث الإسراء والمعراج بأنّه (مصباح ُ الهدى، و سفينةُ النجاة). نعم أيها الأخوة والأخوات فالحسين ـ عليه السلام ـ باب من أبواب الهداية الإلهية من الضلالة والجهالة وهو ـ عليه السلام ـ من سفن النجاة المحمدية، لكن وسيلته في الهداية والإنقاذ تمتاز بمظلومية فريدة جعلتها أشد تأثيراً كما ينبه لذلك مولانا الصادق في الحديث الذي إفتتحنا به هذا اللقاء من برنامج (الحسين في كلام المعصومين عليه السلام) وبالحديث نفسه نودعكم، قال الصادق – عليه السلام -: "كلنا سفن النجاة وسفينة جدي الحسين أوسع وفي لجج البحار أسرع".