اللهم إني أشهد أنه وليك وابن وليك، وصفيك وابن صفيك، الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة وحبوته بالسعادة، واجتبيته بطيب الولادة، وجعلته سيدا من السادة، وقائداً من القادة، وذائداً من الذادة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجّة علي خلقك من الأوصياء، فأعذر في الدّعاء، ومنح النّصح وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة، وحيرة الضّلالة، وقد توازر عليه من غرّته الدنيا، وباع حظّه بالأرذل الأدني، وشري آخرته بالثّمن الأوكس، وتغطرس، وتردّي في هواه، وأسخطك وأسخط نبيّك، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين النار، فجاهدهم فيك صابرا محتسبا حتي سفك في طاعتك دمه، واستبيح حريمهً!.
إخوتنا المؤمنين المصابين حزناً علي أبي عبد الله الحسين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، آجركم الله وأحسن لكم العزاء، وعظّم لكم الثواب بمصابكم بالمولي سيّد الشهداء، صلوات الله وسلامه عليه، خامس أهل بيت النبيّ، الذين أذهب الله تعالي عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، وجعل مودّتهم واجبةً، وأجراً إلهياً علي تبليغ الرسالة العظمي رسالة الإسلام، والذين أوصي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بمحبّتهم وموالاتهم وطاعتهم، وما زال يوصي بهم إلي آخر عمره الشريف حتي ساعة وفاته ورحيله، (صلي الله عليه وآله).
أجل، والإمام الحسين (عليه السلام) قد قتلوه أفظع قتلة، ومثّلوا بجسده الطاهر، وتركوه علي رمضاء كربلاء موزّع الأشلاء، ورفعوا رأسه علي رمح طويل جالوا به أسابيع في البلدان ينكلون به وهم يعلمون يقيناً أنّه سبط رسول الله وريحانته من الدنيا، وأنّه من أهل بيته، وأنّه هو وأخاه الحسن المجتبي سلام الله عليهما سيّدا شباب أهل الجّنة، وحبيبا سيّد الرسل وكم رووا أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: (حسين منّي وأنا من حسين)، فهم بقتلهم الحسين كانوا قد قتلوا في الحقيقة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن هنا حق للشاعر أن يقول في عاشوراء:
اليوم حقّ محمد في آله
ما بين ناكثة العهود أضيعا
اليوم قد قتلوا النبيّ وغادروا
الإسلام يبكي ثاكلاً مفجوعاً
اليوم منه أميّة ٌ في كربلا
كالت له في صاع بدر صوعا
*******
المحاورة: في يوم عاشوراء تجلت أسمي مصاديق العبودية الحقة لله جل جلاله في جميع حركات وسكنات وأدعية ومواقف الإمام الحسين (عليه السلام)، وبذلك خلداً مشهداً توحيدياً يعرف المسلمين علي مدي التأريخ بالعبودية الحقة لله عزوجل.
المزيد من التوضيحات نستمع اليها اعزاءنا من سماحة الشيخ بلال شعبان الامين العام لحركة التوحيد الاسلامي من لبنان:
الشيخ بلال شعبان: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسين مني وانا من حسين، احب الله من احب حسيناً» ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة» وان كان احد يريد ان يبحث عن تربية حقة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي تربية ذلك السبطين اللذين تربياً في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم قد نشأوا على العزة وعلى الاسلام وعلى الدين وعلى الالتزام وعلى رفض الظلم لذلك كان ما يقوم به الحسين (عليه السلام) هو سنة من السنن ويقتدى به لأنه قد اخذها من معين النبوة ومن معين جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعندما خرج على الظلم انما خرج على الظلم ليقول للجميع بأن الظلم لا يجوز السكوت عليه وبأن مبرر وجودنا جميعاً في هذه الدنيا هي اقامة العدل الالهي، هي اقامة العدل فيما بين الناس فكان يرفض كل اشكال الظلم بل وكان يدعو للقيام ضدها والانقضاض عليها لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصحبه وسلم: «اذا لم تقل الامة للظالم يا ظالم فقد تودع منها» وفي الاية الكريمة يقول ربنا تبارك في علاه في حق كل اولئك القامعين الخامعين بكل مشاريع الظلم «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» يعني كان مصير اولئك الذين يسكتون على الظلم هو نفس الفراعنة الذين ظلموهم لأن الانسان عندما لا ينتفض في وجه الظلم وفي وجه الظالمين فأنما يميت هذا الدين، يميت هذا الدين بشكل كلي لأن يرضخ لمشروع الظلم ويستلب لب هذا الدين الذي هو اقامة العدل ورفض الظلم لذلك نحن مأمورون ان ننتفض على الظلم بشكل دائم ولا يجوز في حال من الاحوال ان يركن الانسان لحاكمه لأن الحاكم انما هو مستأجر اجير لتسيير امور الخلق والعباد فلا يصبح في مرتبة اعلى من مرتبة المحكومين ومن مرتبة العباد وفي المقابل لا يجوز للانسان عندما يختار خليفة او يختار اماماً ان يتركه دون ان يحاسبه لأن وظيفة الانسان التسديد، وظيفة الامة التسديد فالامة لا تجتمع على ضلالة ووظيفتها ان تسدد للرئيس وللحاكم فتصلح حالها بيدها فأن لم تستطع فبلسانها فأن لم تستطع فبقلبها وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل، ما قام به الامام الحسين (عليه السلام) ورضي عنهم هو تأصيل المعارضة في قلب كل انسان مسلم مؤمن الى يوم القيامة وكأني به (رضوان الله عليه) يقول للامة من بعده بأنه سيكون من بعده ائمة فسقة و جورة لا يجوز في اي حال من الاحوال ان يسكت عنهم لأنه سيكون اذ ذاك انحراف في هذا الدين العظيم لذلك خروجه رضي الله عنه هو مشروع خروج على كل من وضع يده بيد المحتل الامريكي اليوم، خروجه قدوة في خروج كل من وضع يده بيد المحتل الصهيوني او البريطاني ان في لبنان او في العراق او في افغانستان او في كل دولة من دول العالم تقيم الظلم وتخضع للظالمين لذلك مشروعنا اليوم ان نقتدي بهذه الثورة الحسينية لنقول للجميع لاالكثرة ولا القلة يقام لها قيمة في مرحلة من المراحل، يجب ان يكون المرء مع الحق ولو كان وحيداً، يبعث النبي يوم القيامة فرداً ويبعث النبي ومعه الرجل والرجلين ويبعث النبي ومعه الرهط ، ويبعث النبي ومعه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يبعث ومعه امته وقد سدت الخاطقين فلا يعني بحال من الاحوال ان النبي عندما يبعث فرداً يعني انه قد فشل في تأدية وظيفته وتحقيق مشروعه لأن الصمود والثبات على مشروع الحق ومقارعة الظلم والوقوف في وجه كل مشاريع الظلم والظالمين انما هو الانتصار الحق وانما هو الانتصار بحد ذاته لذلك «كن مع القلة المؤمنة ولا تكن مع الكثرة الكافرة ولو اعجبتك وارغبتك وارهبتك وارعبتك» لأن الله ينصر مستضعفاً كموسى عليه الصلاة السلام ويهزم طاغية مستكبراً كفرعون مهما جمع من بأس وقوة فالحشد والقوة والجمع لا يعني بحال من الاحوال انه يدور في دائرة الحق بل ان الحق في القرآن الكريم لطالما ذكر الكثرة في معرض الذم عندما قال: «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ» وعندما قال تبارك في علاه «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ» لذلك نحن مأمورون ان نكون من الطليعة، من القلة التي تسعى صوب التبديل وتسعى صوب التغيير وتسعى صوب اعادة الحق الى نصابه ليعود عدل الاسلام وعدل رسول الاسلام محمد صلوات ربه وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه بأحسان وخير الى يوم الدين.
*******
وقد تقدم الحديث عن أن حرمة النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) هي التي أنتهكت بما جري في كربلاء يوم عاشوراء.
وإذا كان القوم يفرّون من حقيقة النبوّة الحسينية منتسبةً لرسول الله، أو الأبوّة النبوية الحانية علي الحسين. فأين يولّون عيونهم عن عشرات الروايات النبوية التي نقلوها، وعشرات التصريحات التي تحدّثوا بها، في المحبّة العجيبة التي كانت تشدّ قلب المصطفي إلي سبطه الحسين، حتي قال (صلي الله عليه وآله) - كما رووا -: (اللهم إنّي أحبّه، فأحبّه، وأحبّ من يحبّه)، وكان (صلي الله عليه وآله) يدخل فاه في فم الحسين ويقول ذلك، ويمتصّ لعابه كما يمتصّ الرجل التمرة، هكذا روي ابو هريرة وغيره في عشرات المصادر، وتعاهد بعض الصحابة إجلال الحسين والحسين لما رأوا وسمعوا من رسول الله ما يحكي شدّة محبّته لهما، فأخذ ابن عبّاس يوماً بركابهما، فعوتب، فقال: إنّ هذين ابنا رسول الله، أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما. (رواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق)، وروي بعد ذلك ايضاً: أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن دم البعوض يكون في الثوب، أفيصلّي فيه؟
فقال للسائل: ممّن أنت؟
قال: من أهل العراق.
فالتفت عبد الله إلي أصحابه وقال مستهزئاً: إنّ هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله.
وقد سمعت رسول الله يقول: "هما ريحانتاي من الدنيا" أي الحسن والحسين (عليهما السلام).
والإمام الحسين (صلوات الله عليه) في نهضته المباركة طالما ذكر في بياناته الشريفة بأمرين: نسبه النبوي وهدفه النبويّ، فيوم أراد والي المدينة أن يأخذ منه البيعة ليزيد بالتهديد والإجبار هو ومروان بن الحكم، جابهما الحسين (سلام الله عليه) بقوله: (إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم)، وحين أراد (عليه السلام) الخروج من المدينة زال ليلتها قبر جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله)، فسطع له نور من القبر، فخاطبه: (السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين ابن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنّهم خذلوني ولم يحفظوني).
وفي وصيّته (عليه السلام) وقد كتبها وأودعها أخاه ابن الحنفيّة، قال فيها: (إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلي الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي). كما جاء في كتابه الذي بعثه (عليه السلام) لأهل البصرة أنّه كتب إليهم: (وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ الّنّة قد أميتت). أمّا في خطبته الشريفة في مكة قبل أن يغادرها إلي كربلاء، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده).
وإذا كان لكلّ ناهض بيان، فقد كان للإمام الحسين (عليه السلام) بيانات كثيرة عاطرة بنفحات النبوّة، ومشرقة بهداية الإسلام، ودالّة إلي طريق مرضاة الله تبارك وتعالي وكان (سلام الله عليه) يطمئن الناس بأنّه من أهل البيت النبوي نسباً وسلالة، ووراثة ورسالة، فممّا روي عنه كما في (الفصول المهمّة) لابن الصبّاغ المالكيّ، أنّه (عليه السلام) قال:
أنا ابن عليّ الطّهر من آله هاشم
كفاني بهذا مفخراً حين أفخر
وجدّي رسول الله أكرم من مشي
ونحن سراج الله في الأرض نزهر
وفاطم أمّي من سلالة أحمد
وعمّي يدعي ذا الجناحين جعفر
وفينا كتاب الله أنزل صادقاً
وفينا الهدي والوحي بالخير يذكر
ولكنّ القوم بدل أن ينصروه، خذلوه وأسلموه، بل غدروا به وقتلوه، فقال (عليه السلام) قبيل شهادته، كما يروي الحضرميّ:
غدر القوم وقدماً رغبوا
عن ثواب الله ربّ الثقلين
من له جدّ كجدّي في الوري
وكشيخي، فأنا ابن القمرين
خيرة الله من الخير أبي
ثمّ أمّي، فأنا ابن الخيرتين
وخلاصة ما تقدم هو أن سيد الشهداء (عليه السلام) حرص في كلماته طوال ملحمته علي بيان أن ما جري في كربلاء يوم عاشوراء كان المستهدف الأول فيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ورسالته المحمدية ولكن أبي الله الا أن يتم نوره بدم الحسين وآهات سبايا آل الرسول.
*******