سلام من الله عليكم مستمعينا الأطائب، وتقبل منكم جميل وفائكم لحبيبه النبي المصطفى – صلى الله عليه وآله – وأنتم تشاركون في تعظيم شعائر سبطه الشهيد ومصباح هداه الحسين – صلوات الله عليه -.
معكم بتوفيق الله وعلى بركته في الحلقة السادسة عشر من هذا البرنامج.. نعرفكم أولاً بالموضوع المحوري لفقراتها وهو: التحذير من عواقب هتك الحرمات الإلهية أو السكوت على هتكها.. أما الضيف الكريم الذي يشاركنا مشكوراً في هذا اللقاء فهو سماحة الشيخ عبدالمنعم الزين الباحث الإسلامي من لبنان.
ونبدأ أيها الأفاضل بالفقرات التالية من الزيارة الجامعة وهي تفتح لنا آفاق الحديث عن القيام الحسيني المقدس والحرمات الإلهية، فنخاطب وسائر أهل بيت النبوة المحمدية – عليهم السلام – قائلين:
"عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ، وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ، وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ، وَاَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهيراً، فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ، وَاَكْبَرْتُمْ شَأْنَهُ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ، وَاَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ، وَوَكَّدْتُمْ ميثاقَهُ، وَاَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ، وَدَعَوْتُمْ اِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فى مَرْضاتِهِ، وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فى جَنْبِهِ، وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ، وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ، وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ، وَنَشَرْتُمْ شَرايِعَ اَحْكامِهِ، وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ، وَصِرْتُمْ فى ذلِكَ مِنْهُ اِلَى الرِّضا، وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ، وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى"
إخوتنا الأعزة الأماجد.. إن الأهنأ للمؤمن أن يكون له نبي، أو وصي، يرشده الى أحكام الله، ويدله على سبيل مرضاة الله، فيصبح ويمسي ذلك المؤمن على هدى من ربه وبصيرة وكتاب منير، يقف عند المحجة البيضاء وهو يأخذ عن المعصوم الذي لا يتلقى إلا من الله، ولا يدعو إلا الى الله، لأنه الوصي المستحفظ على دين الله، فلا يحاجج ولا يعارض، ولا يعصى ولا يخالف، وكيف يكون ذلك من المسلم وهو الذي ينبغي أن يكون مسلّماً لله جل وعلا، وقد قال عز من قائل مخاطباً رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ"
(سورةرعد:۷)
وقد أجمع المفسرون أن النبي صلى الله عليه وآله تلا هذه الآية المباركة وقال: "أنا المنذر"، ثم أومأ بيده الشريفة الى منكب الإمام علي عليه السلام وقال له: "أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي"..
وكذلك – إخوتنا الأفاضل – أئمة الحق ومنهم الإمام أبوعبدالله الحسين صلوات الله عليه وعليهم، هم المهتدون الهادون، أرادوا للناس الخير والصلاح والفضيلة والنجاة والفوز، وقد دعا الإمام الحسين سلام الله عليه الى النهضة المباركة لا يريد بها حرباً، بل كانت نهضة لإعلام الحقائق غيرة على الإسلام من أن تطمس معالمه المقدسة، ولكن ظهرت قبال دعوته الإلهية آراء، وكأنها احتجاجات، وهل يحاجج إمام عينه الله، وبلغ به رسول الله، وهو مستقى العلم والمعرفة.. ومع ذلك أجاب الإمام الحسين بلقبه الرؤوف الرحيم يرد على تصورات وتوهمات خالجت العقول والنفوس، فرأت أن يتراجع – عليه السلام – حاشاه -، أو ينصرف الى نايحة من البلاد معتزلاً شؤون الناس، أو أن يبايع ظاهراً – حاشاه وألف حاشاه – طاغية الشام وفاسقها!
وكان لذلك كله منه صلوات الله عليه إجابات، هي – في واقع الأمر – حجج واحتجاجات. وكان من أهم الموضوعات التي أكدتها هذه الإحتجاجات القدسية التحذير من إنتهاك الحرمات الإلهية المقدسة وكذلك التحذير من السلوك على هتكها لأن في ذلك إستجلاب لغضب الله جل جلاله..
عن أهم هذه الحرمات الإلهية يحدثنا ضيفنا الكريم سماحة الشيخ عبدالمنعم الزين الباحث الإسلامي من لبنان، نستمع معاً لما يقوله:
الزين: موضوع الفساد بشكل عام وهتك الحرمات التي خرج من أجلها او من أجل إصلاحها الامام الحسين صلوات الله عليه من أهمها فساد السلطة، السلطة كانت فاسدة لدرجة بأن يزيد في هذا الظرف كان منهمكاً في ملذاته ومنصرفاً عن ادارة شؤون الدولة مما ساعد على فساد المجتمع وإبعاد الناس عن التدين والالتزام بالشرع المقدس وحتى الالتزام بالتعاطي والتعامل بما يرضي الله عزوجل. أصبح التعاطي والتعامل على حسب الأهواء والمصالح وانتصر في ذلك الظرف الظلم الى درجة أن المسلمين خاصة أهل المدينة أن يرشقهم الله بحجارة من السماء لذلك الامام الحسين خرج وأعلن صراحة في كلامه يوم خروجه حينما قال "والله ماخرجت أشراً ولابطراً ولامفسداً وظالماً أريد أن آمر بالمعروف وأنه عن المنكر" لذلك الامام الحسين خرج طالباً للإصلاح فيما يجري او لما حصل من انواع الفساد وأشار الى ذلك "لامفسداً ولاظالماً". الفساد والظلم الذي انتشر في ذلك الظرف انتشر حتى في أكثر المناطق حساسية مثل مكة والمدينة. معروف أن معاوية كان قد أرسل الى مكة والمدينة مجموعة من الموسيقيين والمغنين مما أثار موجة فساد عارمة في مكة والمدينة بحيث أن الناس تركوا حتى صلواتهم، كانوا يعمرون تلك المجالس، كل حفلة غناء وموسيقى كانت تمتد لمدة اثني وسبعين ساعة يعني ثلاثة أيام بلياليها لايصلون ولايعبدون الله عزوجل وإنما هم منهمكون في شؤون الطرب. هذا الوضع هو الذي ادى الى الخروج الى كربلاء وبدون أي ردة فعل مباشرة يعني ليس من العجيب أن الأمة الاسلامية التي فيها الامام الحسين عليه السلام سبط النبي يقتل بهذا الشكل الفضيع ولاتحدث أي ردة مباشرة كما نقول اليوم لامظاهرة ولااعتراض والى أي شيء مباشر. اول ردة فعل كانت ثورة التوابين في الكوفة عندما خرجوا من الكوفة وقتلوا في عين الوردة وهذه حصلت بعد أربعة سنوات، يعني عجيب من الأمة الاسلامية يقتل فيها الحسين ولاتتحرك ولاتستنفر إلا بعد أربع سنوات، وكم كان عدد هؤلاء؟ ثلاثة آلاف، ثلاثة آلاف من أصل الملايين من الناس أمر غير طبيعي. كل هذا يكشف عن الفساد الذي كان منتشراً في الأمة الاسلامية في ذلك الظرف إضافة الى ذلك أن يزيد وأعوانه كانوا قد ملئوا قصورهم بألوان الفساد من الحيوانات والاهتمام بهم وكان يزيد قد أقفل شؤون الدولة لمدة أسبوع حداداً على أبي قيس، أبي قيس الذي حدت عليه الأمة الاسلامية كان عبارة عن قرد. كان يعلمه ركوب الخيل ويسابق الفرسان فتصور أن دولة اسلامية زعيم هذه الدولة وخليفة هذه الدولة وملك هذه الدولة يأمر بالحداد لمدة أسبوع لموت قرد والناس يطيعونه. هذا من أبشع الوان الفساد الذي حصل في ذلك الوقت.
شكراً لسماحة الشيخ عبد المنعم الزين الباحث الاسلامي من لبنان على هذه المشاركة الطيبة في حلقة اليوم من برنامج الاحتجاجات الحسينية نتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
إخوتنا الأكارم.. إن أهل البيت عليهم السلام يعلمون نوايا الناس وحالاتهم، ذلك مما ألهمهم الله تبارك وتعالى، ويعرفون سلام الله عليهم كيف يجيبونهم على أسئلتهم واعتراضاتهم، كلاً حسب شاكلته، وقد عظم على بعضهم أن يخرج الإمام الحسين من المدينة، حيث توجسوا الخطر، وارتابوا وقلقوا وهم لا يحسنون ظناً ببني أمية أبداً فضلاً عن طاغيتهم يزيد! وإذا حدث حادث للحسين صلوات الله عليه فتلك مصيبة عظمى.. وقد حدثت!!
جاء في (علل الشرائع) للشيخ الصدوق أن الإمام الصادق عليه السلام سئل:
"يا ابن رسول الله، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء، دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السلام، واليوم الذي قتل فيه اميرالمؤمنين عليه السلام، واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسم؟ فأجاب عليه السلام قائلاً: "إن يوم الحسين عليه السلام مصيبة من جميع سائر الأيام؛ وذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى، كانوا خمسة: فلما مضى النبي صلى الله عليه وآله بقي أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضت فاطمة عليها السلام كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة، فلما مضى أميرالمؤمنين عليه السلام، كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلما مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عليه السلام عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة!".
ومن هنا – إخوتنا الأحبة – كان الإمام الحسين عليه السلام يشد برحمته على قلوب المحبيين المعذورين، ويحاججهم برقة ورفق، كما كان ذلك منه سلام الله عليه مع أم المؤمنين أم سلمة، ومع أخيه محمد بن الحنفية، ومع ابن عمه عبدالله بن جعفر، الذي كتب الى الحسين عليه السلام على ديد ولديه عون ومحمد كتاباً فيه: إني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا؛ فإني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، ولا تعجل بالسير، فإني في أثر كتابي، والسلام.
فكان جواب الإمام الحسين صلوات الله عليه: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام، وأمرني بما أنا ماض له".
فسئل عليه السلام: ما تلك الرؤيا؟ فأجاب عليه السلام: "ما حدثت أحداً بها، ولا أنا محدث بها أحداً حتى ألقى ربي عزوجل".
فلما يئس منه ابن عمه عبدالله بن جعفر أمر إبنيه عوناً ومحمداً بلزم الإمام الحسين والمسير معه والجهاد دونه، ورجع هو مع يحيى بن سعيد الى مكة، فيما توجه أبوعبدالله الحسين الى العراق.
هذا – أيها الإخوة الأكارم – في احتجاج الإمام الحسين عليه السلام مع المشفقين، وإن وجدهم التاريخ أنهم محبون، وكانوا معذورين عن القتال، لكنهم قد أربكهم خروج الإمام الحسين الى العراق، فتكلموا كلاماً يبعد عن المعرفة أن الإمام أكبر من أن يعلم أو ينصح، وأنهم أقل أقل من أن يعلموا الإمام أو ينصحوه، ولكنهم قالوا شيئاً كأنهم يطلبون به حجة فأتتهم الأجوبة حججاً.
أما جيش عمر بن سعد، وقد قدموا شاكين في السلاح يريدون قتالاً في كربلاء، فقد كان من الإمام الحسين معهم خطاب آخر.. نعم هو – أيها الإخوة الأعزة – جواب واحتجاج، ولكنه جاء بأسلوب آخر فيه توبيخ ووخز منبه، وتأنيب وتذكير مقرع، حيث خطب فيهم – كما يذكر ابن عساكر في (تاريخ دمشق) والخوارزمي في (مقتل الحسين عليه السلام) – فقال لهم:""تباً لكم أيتها الجماعة – وترحاً! أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلا – لكم الويلات – تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها! فسحقاً لكم – يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب، ومحرمفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان ومطفئي السنن!"."
وهكذا عرفهم الإمام الحسين – أيها الإخوة – بأنفسهم وأعمالهم وما قدموا عليه، ووبخهم، ثم أخبرهم بما سيكون، فيكتمل بذلك احتجاجه، وتطبق عليهم حججه.. حيث قال عليه السلام لهم:"أما – والله – لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم المحور، عهد عهده إلي أبي عند جدي رسول الله، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.. والله لا يدع أحداً منهم إلا انتقم لي منه، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، وإنه لينتصر لي ولأهل بيتي، وأشياعي"
أجل.. وكان ذلك الإنباء قد تحقق على يد المختار، وتلك حجة تاريخية أخرى بعد احتجاج قاطع حازم آخر.
وهكذا مستمعينا الأفاضل يتضح أن سيد الإباء والشهداء – صلوات الله عليه – قد بيّن للعالمين بقيامه المقدس أن هتك الحرمات الإلهية والسكوت على هتكها من أهم العوامل التي تقود الناس الى حياة الذل والفساد والظلم والجور والإنحطاط.
وبهذه النتيجة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم جميل المتابعة وفي أمان الله.