السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج هي سادسة حلقاته نتناول فيها إحتجاجات سيد الشهداء – صلوات الله عليه – من زاوية مكافحتها للتعصبات الجاهلية التي اجتهد البغي الأموي في إثارتها؛ ليشاركنا في ذلك ضيف هذا اللقاء سماحة الشيخ امين ترمس من لبنان من خلال بيان آثار الملحمة الحسينية في مكافحة تلك التعصبات تابعونا على بركة الله.
أيها الإخوة والأخوات، تحكمت في طواغيت بني أمية عقدة جاهلية منذ ظهور الإسلام وبدء الدعوة المحمدية، عقدة تحاول الإطاحة بالدين الحنيف من خلال شن الحرب بأنواعها ضد البيت المطلبي – الطالبي، ثم ضد البيت المحمدي – العلوي، وأصل التنازع أمران:
الأول – الدين الحنيف الذي تمسك به بنو هاشم على ملة أبيهم إبراهيم الخليل سلام الله عليه. والثاني – الفضائل والمناقب التي عرف بها البيت الطالبي الشريف.. فكان الشرك من جهة، والحسد العائلي من جهة أخرى، قد خلقا تنازعاً أدى الى معارك وحروب، بعضها قتالية، وبعضها جدالية.. وهي قائمة ومستمرة، كما أنبأ رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث روى عنه ابن عباس أنه قال: "بعثني الله نبياً، فأتيت بني أمية فقلت: يا بني أمية، إني رسول الله إليكم، قالوا: كذبت! ما أنت برسول! ثم أتيت بني هاشم فقلت: إني رسول الله إليكم. فآمن بي علي بن أبي طالب سراً وجهراً، وحماني أبوطالب جهراً وآمن بي سراً، ثم بعث الله جبرئيل بلوائه فركزه في بني هاشم، وبعث إبليس بلوائه فركزه في بني أميه، فلا يزالون أعداءنا، وشيعتهم أعداء شيعتنا.. الى يوم القيامة".
وحول هذا كان تقي الدين المقريزي قد كتب مؤلفه (النزاع والتخاصم.. فيما بين بني أمية وبني هاشم).
إخوتنا الأكارم.. إن معاوية بن أبي سفيان، وقد استلب الخلافة النبوية وتزعّم غاصباً ظالماً على الشام، لم يهدأ حقده، فما التقى بأهل البيت إلا وحاول الطعن وتحين الوقعية، وتمنى الإنتقاص خائباً..
روى الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين عليه السلام) عن المنهال بن عمرو، أن معاوية دعا الإمام الحسن عليه السلام أن يصعد المنبر، عسى أن يلتقط شيئاً يتوهمه، فإذا بأبي محمد الحسن المجتبى يحمد الله ويثني عليه، ثم يتوجه الى الجمع وقد جمعوا أنفاسهم فيقول لهم وهو يسمع معاوية: "أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأبين له نفسي: بلدي مكة ومنى، وأنا ابن المروة والصفا، وأنا ابن النبي المصطفى، وأنا ابن من علا الجبال الرواسي، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياء، أنا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين".
ويبدو – أيها الإخوة الأعزة – أن معاوية تفاقهم طغيانه سنة بعد أخرى، وكأن الإمام الحسين سلام الله عليه أراد أن يذكره من هو ذاك معاوية وهو لا يزال يعادي أهل البيت ويتربص بهم الدوائر والفتن ومحاولات الإنتقاص، فلما دعاه معاوية الى صعود المنبر، لم يكتف سيد شباب أهل الجنة بتعريف نفسه وأهل بيت النبوة جواباً على من تساءل في المجلس: من هذا الذي يخطب؟ فقد أراد أن يكمل احتجاجه على معاوية، وحجته على أصحاب معاوية، ويعرفهم بطاغيتهم وقد عتّم عليهم الحقائق، فإذا بصوت الحسين يصدع في ذلك المجلس الأموي: "أحذركم الإصغاغء الى هتوف الشيطان بكم؛ فإنه عدو مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم) فتلقون للسيوف ضرباً، وللرماح ورداً، وللعمد حطما، وللسهام غرضاً، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا".
وهنا لم يتحمل معاوية ما يسمعه من الحسين في محفله الأموي، فنادى:
- حسبك يا أباعبدالله، قد بلغت.
أيها الإخوة والأخوات، وشكلت نظائر هذه الإحتجاجات من سيد الشهداء – عليه السلام – أحد مظاهر محاربة الملحمة الحسينية لمكافحة التعصبات الجاهلية التي سعى بها طواغيت بني أمية لتمزيق المجتمع الإسلامي ليسهل عليهم التسلط عليه؛ وهنا تتجلى إحدى المعالم البارزة لهذه الملحمة الخالدة، إذ أصبحت مناراً ينطلق منه لنبذ التعصبات الجاهلية والإلتفاف على محور القيم الإلهية.
نتلمس معاً هذه الحقيقة في الحديث التالي لسماحة الشيخ امين ترمس الباحث الاسلامي من لبنان
ترمس: بسم الله الرحمن الرحيم ما سعى اليه الامام الحسين عليه السلام من خلال ثورته كان يريد أن يؤكد هذا المفهوم الذي حاول الحكام الأمويون أن يزرعوه في أذهان الأمة. أن النزاع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع بني هاشم كان نزاع ملك ونزاع حكم، لم يكن نزاعاً على الدين او نزاعاً على الرسالة السماوية وهذا ما ظهر بشكل واضح في كلمات هؤلاء الحكام خصوصاً قاتل الامام الحسين عليه السلام يزيد عندما تفوه بهذه الكلمات أمام الرأس الشريف للإمام عليه السلام عندما قال "لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل" هم كانوا يريدون تأكيد هذا المفهوم في أذهان الناس أن مافعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم او بتعبير محمد بن عبد الله هو ضحك على الناس ونصب نفسه حاكماً عليهم تحت غطاء ديني. الامام عليه السلام اراد أن يرجع البوصلة الى حقيقتها، الى واقعها، أراد أن يعيش المؤمن الذي كان في تلك المنطقة في أجواء الرسالة المحمدية الأصيلة وأنما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وحياً من قبل الله عزوجل ولم يكن كما يزعم هؤلاء الكاذبون. فعلى كل حال الامام من خلال ثورته كان دائماً شعاره شعاراً دينياً وكانت اهدافه أهدافاً دينية ولم يطلب الملك ولم يطلب الحكم ولم يرد المال ولو أراد هذا الأمر لبقي في المدينة المنورة وإنما ضحى بكل شيء لكي يرسخ هذا المفهوم أن هذا الدين هو دين عزيز ينبغي أن نبذل في سبيل تثبيته وتأكيده والدفاع عنه كل غال ونفيس، وهذا ما أراده الامام عليه السلام وهذا ما وصل اليه في الواقع.
شكراً لسماحة الشيخ امين ترمس من لبنان على مشاركته الطيبة في سادسة حلقات برنامج (الإحتجاجات الحسينية) تستمعون لها أيها الأطائب من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، وحديثنا فيها عن محور مكافحة سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين – عليه السلام – للتعصبات الجاهلية التي سعى طواغيت البغي الأموي لإحيائها بين المسلمين.
إخوتنا الأحبة الأكارم.. لم يدع البيت الأموي وسيلة من الوسائل، ولا أسلوباً من الأساليب في محاربة النبي وآل النبي إلا استخدمها، فقد شن أبوسفيان حروبه في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى عجز وخاب واستسلم، فبدأ بطعونه اللسانية، وتشكيكاته وتحريكاته القبلية، فلما سأله: ويحك يا أباسفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟
فأجابه: أما هذه، فإن في النفس منها شيئاً! هذا بعد أن غلب في بدر، فلما ذهب عنه الخوف واستشعر الأمان، بدأ يسلق بلسانه، ويصرح لأعوانه، ينادي عليهم: يابني أمية! تلاقفوها تلاقف الصبيان للكرة، فوالذي يحلف به أبوسفيان، لا جنة ولا نار.
هكذا روى ابن عبد البر في (الإستيعاب)، فيما روى المؤرخ المسعودي في (مروج الذهب) أنه قال: فوالذي يحلف به أبوسفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن الى صبيانكم وراثة!
أما الطبرسي فقد روى في كتابه (الإحتجاج) عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري، احتجاجاً للإمام الحسن المجتبى عليه السلام في مجلس معاوية وهو بين أصحابه وزمرته الحاقدة: عمروبن العاص، وعمرو بن عثمان، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان من ردّ الإمام الحسن سلام الله عليه على اولئك أن قال لهم: "وأنشدكم بالله، أتعلمون أن أباسفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان، وقال: يا ابن أخي، أخرج معي الى بقيع الفرقد. فخرج، حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته:
- يا أهل القبور، الذي كنتم تقاتلونّا عليه، صار بأيدينا وأنتم رميم!
فقال الحسين بن علي: قبح الله شيبك، وقبح وجهك. ثم نتر يده وتركه. فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده الى المدينة لهلك".
أجل – إخوتنا الأكارم – كانت حرباً أموية تفجرت مراراً، حتى إذا بلغت يزيد بن معاوية أعلنها حرقاً للكعبة المشرفة، وهتكاً لمدينة رسول الله بقتل الأنفس وهتك الحرمات، وأما كربلاء فقد شهدت له أعظم الجنايات وأفظعها، وما بعدها كانت له فصول في التشفي من أسرى حرم رسول الله، وقد أنشد أبيات ابن الزبعرى، وأضاف إليها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً
ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من سادتهم
وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
وأما بيتاه اللذان حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى الموصلي، والتفتازاني، والحافظ السيوطي، حكموا بكفره، فهما قوله أشرف الركب الحسيني الأسير على جيرون:
لما بدت تلك الحمول وأشرقت
تلك الرؤوس على شفا جيرون
نعب الغراب.. فقلت: قل أو لا تقل
فقد اقتضيت من الرسول ديوني
وقد حاججه الحسين ببياناته وبراهينه، وحاججه بجهاده ودمائه، وما يزال يحاجج وما زال ينتصر.. وهو كأبيه مع الحق والحق معه.
أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، وقد جاءت النصوص المأثورة عن أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – لزيارات الحسين – صلوات الله عليه – لتؤكد هذه الحقيقة في الملحمة الحسينية وترسيخ الإنتماء الى الحسين باعتباره إنتماء الى الله ورسوله – صلى الله عليه وآله – والبراءة من أعدائه – عليه السلام – لكونهم أعداءً لله ورسوله – صلى الله عليه وآله – بعيداً عن جميع أشكال التعصبات الجاهلية.
نختار نموذجاً واضحاً في بيان الحقيقة المتقدمة من زيارة عاشوراء المباركة وبه نختم حلقة اليوم من برنامجكم (الإحتجاجات الحسينية)؛ جاء في هذا النص مخاطبة سيد الشهداء – عليه السلام – بالقول:
"يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّى اَتَقَرَّبُ اِلى اللهِ وَ اِلىٰ رَسُولِهِ ، وَاِلىٰ اميرِالْمُؤْمِنينَ وَ اِلىٰ فاطِمَةَ ، وَاِلَى الْحَسَنِ وَ اِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَرائَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَ نَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَ بِالْبَرائَةِ مِمَّنْ اَسَّسَ اَسٰاسَ الظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ عَلَيْكُمْ وَ اَبْرَءُ اِلَى اللّهِ وَ اِلى رَسُولِهِ، مِمَّنْ اَسَسَّ اَسٰاسَ ذٰلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ وَجَرىٰ فى ظُلْمِهِ وَجَوْرِه عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ اَشْيٰاعِكُمْ ،بَرِئْتُ اِلَى اللَّهِ وَ اِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَاَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ ثُمَّ اِلَيْكُمْ بِمُوٰالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ، وَبِالْبَرائَةِ مِنْ اَعْدائِكُمْ وَ النّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ وَبِالْبَرائَةِ مِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ، اِنّى سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَ وَلِىٌّ لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عادٰاكُمْ".