"السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم وقادة الأمم، وأولياء النعم وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الإيمان، وأمناء الرحمان، وسلالة النبيين وصفوة المرسلين، وعترة خيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.
السلام على أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى، وأولي الحجى، وكعف الورى، وورثة الأنبياء والمثل الأعلى، والدعوة الحسنى، وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى، ورحمة الله وبركاته".
والسلام عليكم – يا محبي أبي عبدالله الحسين – ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في هذا الملتقى الطيب معكم، ونفحة حسينية أخرى تنعش قلوبنا وأرواحنا.
أيها الإخوة الأعزة.. لقد دأب الخط الجاهلي الأموي بعد رحيل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله على طمس معالم الرسالة الإسلامية، بتحريف الكتاب، وعزل أهل بيت النبوة عن الأمة، فمنعت رواية الحديث الشريف بمدعيات واهية حتى جمع ما كتب منه فأحرق مرة واحدة، لأغراض عديدة، منها – إخوتنا الأفاضل – تغييب الإسلام عقيدة وشريعة، ومنها رفع الإحراج عن المستسلمين مؤخراً والمتصدين باسم الخلافة في الشام وغيره، ومنها – وهو سبب مهم ومهم جداً: محاولة محو فضائل أميرالمؤمنين والصديقة الزهراء، وأبنائهما الأئمة الهداة الميامين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. تلك الفضائل التي وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وما تثبت لأئمة الحق أفضلياتهم، وكذلك أولوياتهم، فهم الأفضل من جميع الصحابة، وهم الأولى بخلافة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأمر يحرج البيت الأموي حيث تصدى وتزعّم وتسلط بالغصب والإغواء والظلم والإرهاب.. وهو يرى أهل البيت هم أهل المناقب والخصائص والمزايا، شهد لهم الله تعالى في آياته، ورسول الله في بياناته.. فكيف يهنأ معاوية مع هذا كله، وماذا يفعل قبال هذا كله؟! وبأي شيء يحاجج، ومن عسى أن يحاجج؟! لنسمع الى ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأكارم.. في كتابه (الإحتجاج) روى أبومنصور أحمد بن علي الطبرسي عن موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني أنه قيل لمعاوية: إن الناس قد رموا أبصارهم الى الحسين، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب، فإن فيه حصراً – أي عجزاً حاشاه – أو في لسانه كلالة – أي إعياء، حاشاه وألف حاشاه وهو ابن سيد البلغاء! فقال لهم معاوية يذكر لهم تجربة فاشلة له كانت مع الحسن المجتبى صلوات الله عليه: قد ظننا ذلك بالحسن، فلم يزل حتى عظم في أعين الناس وفضحنا! كيف ومتى؟
روى الجاحظ في (المحاسن والأضداد)، والبيهقي في (المحاسن والمساوئ)، والإربلي في (كشف الغمة) وغيرهم، أن معاوية فخر يوماً بنفسه، فقام إليه الحسن الزكي ابن أميرالمؤمنين عليهما السلام فقال له: (أعليّ تفخر – يامعاوية؟! أنا ابن عروق الثرى، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا، بالفضل السابق، والحسب الفائق، أنا ابن من طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله. فهل لك أب كأبي تباهيني به، وقديم كقديمي تساميني به؟! قل: نعم أو لا. فقال معاوية: بل أقول لا، وهي لك تصديق. فقال الإمام الحسن عليه السلام:
الحق أبلج ما تحيل سبيله
والحق يعرفه ذوو الألباب
مستمعينا الأطائب، هذا الحق الأبلج الواضح الذي أشار إليه إمامنا السبط المحمدي الأكبر الحسن المجتبى – صلوات الله عليه – إنما هو بيان حقائق الإسلام المحمدي الخالص من التحريفات؛ وهذا ما تجلى في جميع خطابات السبط المحمدي الشهيد إمامنا الحسين – صلوات الله عليه – وخاصة خطابه المشهور الذي وجهه في مكة المكرمة لعلماء الإسلام.
فقد كانت اهم محاور هذه الخطابات ومعالمها مواجهة التحريفات الأموية لحقائق الاسلام الحقة. المزيد من التوضيحات لهذه الحقيقة نستمع لها من ضيف لقاء اليوم من برنامجكم الاحتجاجات الحسينية سماحة الشيخ سعيد درويش الباحث الاسلامي من بيروت، نستمع معاً.
درويش: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليكم اخوتي وأخواتي.
مايمكن أن نراه في رسالة الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه بإلقاء المسؤولية على مناصرته وعلى ضرورة أن يتبعه قادة العالم الاسلامي في عملية الاصلاح هي مسؤولية عالمية تستمر منذ ثورته الى خروج صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. فقد رود عن النبي صلى الله عليه وآله "إثنان إن صلحا صلحت الأمة، العلماء والأمراء" بالتالي لما يكون العالم والقائد في عصر الحسين عليه السلام هو الامام المعصوم فقد اعطى درساً لكافة علماء العالم الاسلامي بضرورة عملية الاصلاح ومناصرة الحق لأنه لايجوز للانسان عندما يرى سبيلاً لإستحقاق الحق ودفع الظلم أن يبقى جالساً بعيداً عن المواجهة وعن عملية التغيير. لذلك قال علي عليه السلام "لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجوب الناصر لما ألقيت حبلها على قاربهم" فقام علي عليه السلام بإحقاق الحق عندما اعيدت السلطة اليه صلوات الله وسلامه عليه ولو كلفته دمه. وقال عليه السلام "ماجعل ليّ الحق من صديق". بالتالي حتى لو تخلى عنا جميع الناس من اجل عملية الاصلاح كعلماء او كمؤيدين لنهج ورسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته فأن المسؤولية تكون أكبر عندما يشتد الظلام. ونحن في هذا الواقع المعاصر عندما ينحرف الناس او يعلن بعض الأشخاص بأسماء العلماء أنهم يصلحون الأمة وهم يفتعلون الكثير من المشكلات حتى يتقربون بعملية قتل الناس بأنه اسلام محمد فنحن يجب علينا أن نوضح التعاليم الرحيمة التي من أجلها خرج رسول الله برسالته النبوية بأمر الله "يا أيها المدثر قم فأنذر" ومن أجلها قام الامام الحسين عليه السلام من أجل عملية الاصلاح وإعادة الحق للاسلام بالممارسة الطبيعية البعيدة عن كل الانحرافات. من هنا فإن ما قاله الحسين صلوات الله وسلامه عليه لأفراد العالم الاسلامي ولعلماء العالم الاسلامي جارية الى خروج صاحب العدل المطلق الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ولاتبرير لأنفسنا عن دفع ضريبة المواجهة والتضحية طالما أن الاسلام في واقعنا المعاصر والحاضر يتعرض الى هجمات أعداءنا ولم يبق شيئاً إلا ويحاول فيه تدمير الاسلام وإزاحته عن ساحة الوجود، مسؤوليتنا في هذا العصر ونحن كعلماء أكبر لذا علينا أن نضحي بالغالي والنفيس وأن نقدم كل شيء بوقائعه وحقائقه ولو كلفنا ذلك ما كلف الحسين وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم الذين يقول عنهم الامام الباقر عليه السلام "شيعتنا قتلوا تحت كل حجر" حتى لو كلفنا ذلك من أجل عظمة الاسلام وعدالته وتعاليم رسول الله وأهل بيته.
جزيل الشكر لسماحة الشيخ سعيد درويش على مشاركته في خامس حلقات برنامج الاحتجاجات الحسينية ولكم مستمعينا الأطائب أطيب الشكر على متابعتكم والاستماع لهذه الحلقة ونتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
نعود – أيها الإخوة الأحبة – الى معاوية وقد ألح عليه جلاوزته أن يدعو الإمام الحسين الى خطبة يتوقع أو يتمنى أن يرى فيها عياً أو تلجلجاً، يمنيه ذلك حقده على أهل البيت، فقال للحسين سلام الله عليه:
- يا أباعبدالله، لو صعدت المنبر فخطبت..
فصعد لسان الحق منبر الضالين المضلين، ليعرّف من هم آل الله، ومن هم أعداء الله، فقال صلوات الله عليه:
"نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله صلى الله عليه وآله ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا يبطئنا تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا؛ فإن طاعتنا مفروضة، أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة".
وهكذا يثبت الإمام الحسين عليه السلام من خلال حديث الثقلين المتواتر لدى جميع المسلمين، أن أهل البيت هم عدل القرآن، وهم مفسرو كتاب الله وحدهم، وأنهم العالمون المعصومون، عندهم تفصيل الكتاب العزيز، وهم متصفون به إذ لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم. كذلك يثبت أبوعبدالله الحسين سلام الله عليه وجوب طاعة أهل البيت والرجوع إليهم لا إلى غيرهم بدليل قرآني واضح، حيث لا هاتين الآيتين الملزمتين على معاوية وأصحابه، يحاجج بها المغتصبين للخلافة النبوية الشريفة، قال: قال الله عزوجل:
"أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ" (سورة النساء:٥۹ ).
أجل.. وقد تنازعوا في أمر الخلافة، فشهدت الآيات الإلهية القرآنية، وكذلك الأحاديث المحمدية النبوية، أنهم الأئمة بالحق، والأولياء بالحق، والأوصياء بالحق..
روى الحسكاني الحنفي المذهب في (شواهد التنزيل)، والقندوزي الحنفي المذهب في (ينابيع المودة) – عن (مودة القربى) للهمداني، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال علياً بعدي، وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده [أي ومنهم أبوعبدالله الحسين صلوات الله عليه]، فإنهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على خلقه بعدي، وسادات أمتي، وقادات الأتقياء الى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان!".
وأما الآية الثانية التي قرأها الإمام الحسين عليه السلام في مجلس معاوية – أيها الإخوة الأعزة – يحاجج بها المتزعمين المبطلين، فهي قوله تعالى:
"ولو ردوه الى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " (سورة سورة النساء:۸۳ )
نعم، ولكنهم لم يردوا الأمر لا إلى الرسول، ولا الى أولي الأمر، فمن اتبع الأكثرون يا ترى؟!
وتلك إحدى حسرات النبي صلى الله عليه وآله يرويها ابن أبي عاصم أحد علماء أهل السنة في كتابه (السنة) بإسناده عن عبدالله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قال: نعيت إلي – والله – نفسي.. فسأله ابن مسعود: يقوم بالناس فلان أو فلان؟ قال: فسكت، قال: فقلت: يقوم بالناس علي؟ فقال: "لا يفعلون، ولو فعلوا دخلوا الجنة أجمعين".
أجل.. وكذلك لم يدع يزيد أن يقوم الحسين بالناس، كما لم يدع أبوه معاوية الحسن المجتبى أن يقوم بالناس، فحرم الناس من أن يدخلوا الجنة أجمعين، لأن أئمة الهدى صلوات الله عليهم أرادوا أن يأخذوا بأيدي العباد الى المحجة البيضاء، إذ هم - سلام الله عليهم - السبيل الأعظم، والصراط الأقوم، والحانون على الخلق أن ينجوهم وينقذوهم، ويخلقوا لهم أسباب النجاة والفوز والسعادة الأبدية، لكنهم صلوات الله عليهم، كان لهم من الناس الصدود، وليس ذلك فحسب، بل كان لهم من الناس المخالفة والعناد، والمحاججات الباطلة، ثم المحاربة حتى القتل، بل وحتى الغدر والمثلة بالأبدان المقدسة العابدة.
مستمعينا الأفاضل.. ونخلص من فقرات حلقة اليوم من برنامج (الإحتجاجات الحسينية) الى أن مكافحة التحريفات طواغيت بني أمية لحقائق الإسلام المحمدي النقي شكلت أحد أهم الدروس التي نستفيدها من خطابات سيد الشهداء وملحمته المقدسة – صلوات الله عليه -.
وبهذه النتيجة نختم لقاء اليوم من هذا البرنامج إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لكم منا خالص الدعوات دمتم في رعاية الله.