بسم الله الرحمن الرحيم،، حياكم الله سبحانه والسلام عليكم .. أهلا بكم في حلقة أخرى من برنامجكم أعلام الهدى وهي الخاصة بيوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة وقد شهد عدة وقائع إسلامية مباركة فهو يوم المباهلة ونزول آياتها وهو يوم نزول آية التطهير، وكذلك يوم تصدق أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بخاتمه في ركوعه ونزول آية الولاية، وكذلك في مثل هذا اليوم مساءً أي ليلة الخامس والعشرين من ذي الحجة نزلت سورة (الإنسان) المباركة في حق أهل بيت الرسالة صلوات ربي عليهم أجمعين.. فهذه الحلقة من البرنامج تختص بما ذكرناه.. نرجو متابعتكم الطيبة.
نبدأ أحباءنا بذكر واقعة المباهلة فنقول على نحو الإجمال:
إجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم يتدارسون أمر كتاب النبي (ص) الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام. ولم يتوصلوا إلى رأي قاطع إذ كانت في أيديهم تعاليم تؤكد وجود نبي بعد النبي عيسى (ع) وما ظهر من محمد (ص) فهو يشير إلى نبوته لكن تعصبهم كان يمنعهم من الإستجابة له – صلى الله عليه وآله -، ومن هنا قرروا أن يرسلوا وفداً يقابل شخص النبي (ص) ويحاوره.
واستقبل نبي الإسلام الوفد الكبير وقد بدى عليه عدم الرضا لمظهرهم الذي كان يحمل طابع الإستكبار والعلو في الأرض، فقد كانوا يرتدون الديباج والحرير ويلبسون الذهب ويحملون الصلبان في أعناقهم فرجعوا، ثم غدوا عليه ثانية وقد بدلوا مظهرهم فرحب بهم واحترمهم وفسح لهم المجال ليمارسوا طقوسهم.
ثم عرض عليهم الإسلام وتلا عليهم آيات من القرآن فامتنعوا وجادلوه فنزل أمر الله عزوجل لرسوله الأكرم أن يباهلهم فاتفقوا على اليوم اللاحق موعداً، وخرج إليهم رسول الله (ص) وهو يحمل الحسين (ع) وبيده الحسن (ع) وخلفه فاطمة وابن عمه علي بن أبي طالب (عليهما السلام) إمتثالاً لأمر الله تعالى الذي نص عليه الذكر الحكيم قائلاً: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) آل عمران – ٦۱،،، ولم يصحب سواهم أحداً من المسلمين ليثبت للجميع صدق نبوته ورسالته وهنا قال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني.
وحين أبوا أن يباهلوا النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، قال لهم الرسول: أما إذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لهم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: إني أناجزكم للقتال. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغرونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة، ألفاً في صفر وألفاً في رجب وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.
وروي أن السيد والعاقب من زعمائهم لم يلبثا يسيراً حتى عادا إلى النبي (ص) ليعلنا إسلامهما.
وعلى أي حال فقد اشتملت حادثة المباهلة على معطيات عقائدية مهمة تعرف الأجيال إلى يوم القيامة بالذين اختارهم الله لحفظ شريعة رسول الله – صلى الله عليه وآله – وهم خلفاؤه الحقيقيون وأوصياؤه في أمته، عن بعض هذه المعطيات العقائدية المهمة يحدثنا ضيفنا الكريم في هذا اللقاء سماحة السيد جعفر فضل الله
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على رسول الله محمد وآله الطيبين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
المباهلة في حد ذاتها تنشأ من واقع تكذيب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحدي لهذه الرسالة ولدعوته صلى الله عليه وآله وسلم فيتم هناك الإعلام للمباهلة وتستبطن اللجوء الى الله سبحانه وتعالى ليحدد من هو الكاذب الذي ينزل عليه العذاب واللعنة ومن هو الصادق في ذلك وهذا الأمر يمثل إعلاناً واضحاً وموقفاً قوياً من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثقته برسالته وفي إعلان هذه الثقة للناس من حوله حيث أنه لاينطلق في دعوته هذه إلا من خلال الوضوح الكامل والصدق التام لهذه الرسالة التي هي من عند الله سبحانه وتعالى. فهي إعلان واضح للموقف العملي الخطير لصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لايحتاج الى كثير من الإستدلال وهذا من شأنه أن يعزز حضور الرسالة في حياة الناس. الأمر الثاني هو نوعية الأشخاص الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين مثلوا بالنسبة اليه الأحب الى قلبه والأعز على نفسه. وعندما نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاينطلق في محبته وعاطفته من هوى ذاتي مما ينطلق فيه الكثير من الناس وإنما الرسالة هي كل همه والرسالة هي التي ملئت عليه شخصيته وعقله وفكره وروحه وأحاسيسه لذلك نفهم من خلال إختيار النبي لهؤلاء الذين هم اعز الناس الى قلبه أنهم من اعز الناس الى قلبه رسالياً وهم علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، الأعز على قلبه رسالياً لأنهم يمثلون في قيمهم وفي فكرهم وفي شخصياتهم وتوجهاتهم يمثلون الرسالة بأنصع معانيها فهم الامتداد الطبيعي له صلى الله عليه وآله وسلم لذلك أتى بهم ليعلن أمام الناس او ليصور الناس هذا المشهد الذي ينطلق في هؤلاء الثلة من اهل بيته معه صلى الله عليه وآله وسلم ليحدد من خلال ذلك الخط الحاسم والفاصل بين استمرار هذا النمط التكذيبي من أهل الكتاب او من هؤلاء الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين صدق الدعوة بالموقف الجلي الواضح من خلال خصوصية الأشخاص الذين هم الأقرب الى قلبه وبالتالي هم الأقرب الى الله وهذا ما نفهمه في عدة مواقف عندما تحدث النبي عن علي عليه السلام مثلاً فقال "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" هذا هو الحب الرسالي وليس الحب المنطلق من امور شخصية او ذاتية كما قلت وهكذا بالنسبة للزهراء وبالنسبة للحسنين عليهم السلام. لذلك مشهد المباهلة هو مشهد يمثل مشهداً ناصعاً وحداً فاصلاً في حركة الرسالة التي أورثت لدى الناس الثقة الكبرى فيها وأظهرت عجز الفئات المناوئة لها سواء إنطلقوا في خط اهل الكتاب او غيرهم بحيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكد من خلال هذه الثلة معه أنه يمتلك الثقة التامة والوضوح التام والصدق الجلي الناصع في مسئلة الرسالة وليست مسئلة تنطلق من اهواء شخصية ولا مسئلة تنطلق من واقع يتردد فيه القائد امام ضغوط الواقع وإنما هي مسئلة تنطلق من هذه الحركة الرسالية الممتدة البادئة من الله سبحانه وتعالى والممتدة في عمق الحياة والتي ستصل الى خواتيمها من خلال إمتداد الذرية الصالحة الرسالية التي مثلها هؤلاء وأولادهم عليهم الصلاة والسلام.
كانت هذه أعزاءنا المستمعين توضيحات سماحة السيد جعفر فضل الله الباحث الاسلامي من لبنان عن الدلالات العقائدية لأيات واقعة المباهلة فشكراً له وشكراً لكم أيها الأطائب وانتم تتابعون برنامج اعلام الهدى في هذه الحلقة الخاصة بيوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة المبارك الذي نحتفي فيه بعدة مناسبات اسلامية مهمة أولها واقعة المباهلة والثانية نزول آية التطهير.
أيها الأحبة.. تحدث رسول الله (ص)، ونطق لسان النبوة الصادق بمقام الإمام علي والسيدة الزهراء وإبنيهما الحسنين (عليهم السلام)، وما كان هذا المأثور عن الرسول (ص) إلا ترديداً لصدى الوحي وبياناً تفصيلاً لآياته المحكمات مثل آية التطهير والمباهلة والمودة وآيات سورة الإنسان وغيرها كثير من آيات الذكر الحكيم التي جمعها العلماء في كتب خاصة، ولم ينحصر ذلك بعلماء الإمامية، بل شمل علماء الجمهور أيضاً حيث جمع الحافظ الحسكاني الشافعي مجموعة من تلك الآيات وروايات نزولها في أهل البيت – عليهم السلام – في كتاب شواهد التنزيل.
وبالنسبة لآية التطهير فقد صرحت روايات السنة والشيعة نزولها في أهل الكساء – عليهم السلام – نذكر من هذه الروايات ما روى عن أبي هريرة عن أم سلمة قالت: (جاءت فاطمة – عليها السلام – إلى رسول الله (ص) ببرمة لها، قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه، فقال: أين ابن عمك وأبناك؟ فقالت في البيت. فقال: أدعيهم فجاءت علياً فقالت: أحب النبي (ص) أنت وأبناك، قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان من المنامة، فمده وبسطه، فأجلسهم عليه ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه (تعالى ذكره) ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فأنزل الله هذه الآية الكريمة، فصار – صلى الله عليه وآله – يمر على بيت الإمام علي والسيدة الزهراء وأبناهما الحسنان (عليهم السلام) ستة أشهر ثم يقف ببابهم ويردد قول الله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (سورة الأحزاب ۳۳)
جاء بحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس: أن النبي كان يمر ببيت فاطمة – عليها السلام – ستة أشهر، كلما خرج إلى الصلاة فيقول: "الصلاة! أهل البيت،،، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً".
وفي مثل هذا اليوم (الرابع والعشرين من ذي الحجة) تصدق أميرالمؤمنين علي بخاتمه الكريم لأحد السائلين.. جاء في تفسير العياشي بإسناده عن الحسن بن زيد، قال سمعت عمار بن ياسر يقول وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله (ص) فأعلم بذلك فنزل على النبي (صلى الله عليه وآله) جبرئيل الأمين بهذه الآية: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"(سورة المائدة ٥٥)
فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله) علينا، ثم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)
وأنشأ حسان بن ثابت يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي في المحبين ضائعاً
وما المدح في ذات الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً
فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيد
ويا خير شار ثم يا خير بائع
فأنزل فيك الله خير ولاية
وبينها في محكمات الشرائع
وفي هذا اليوم الشريف أيضاً نزلت فيه مساءً أي ليلة الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة سورة (هل أتى) في شأن أهل البيت عليهم السلام لأنهم كانوا قد صاموا ثلاثة أيام، وأعطوا فطورهم مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وأفطروا على الماء وعلينا هنا التأسي بأهل بيت الرسول (ص) الكرام بالتصدق على المساكين والأيتام وأن نجتهد في إطعامهم.
إذن يوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة يوم شريف وفيه أحداث هامة وعظيمة وفيه عدة أعمال كالغسل والصيام والإستغفار سبعين مرة وكذا دعاء المباهلة الذي ومسكاً للختام نقرأ المقطع الأول منه هدية عطرة لحضراتكم.. وسائلينكم الدعاء.
"اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهي، اللهم إني أسألك ببهائك كله. اللهم إني أسألك من جلالك بأجله وكل جلالك جليل، اللهم إني أسألك بجلالك كله. اللهم إني أسألك من جمالك كله وكل جمالك جميل، اللهم إني أسألك بجمالك كله. اللهم إني أدعوك كما أمرتني فاستجب لي كما وعدتني... "
تقبل الباري سبحانه أعمالكم وأعمالنا في هذا اليوم الشريف وفي أيام شهر ذي الحجة كلها وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين.