لذكراك يضطرب المنبر
ويبكي لتاريخك المزبر
أبا جعفر يا سليل النجوم
بها الحق منكشف نير
بسم الله الرحمن الرحيم...
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
نقدم لكم تعازينا بمناسبة هذه الذكرى الأليمة التي يحملها يوم السابع من شهر ذي الحجة ذكرى استشهاد خامس الأئمة الأطهار الإثني عشر الإمام أبي جعفر الأول محمد الباقر (ع).
وبهذه المناسبة الأليمة نقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم (أعلام الهدى).
أعظم الله سبحانه أجوركم وأجورنا بهذا المصاب الأليم...
نقف عند الإمام الباقر (ع) بإجلال قائلين:
السلام عليك يا إمام الهدى، السلام عليك يا أهل التقوى والحجة على أهل الدنيا، السلام عليك أيها القائم في البرية بالقسط، السلام عليك يا أهل الصفوة، السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
لقد ازدهرت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام بهذا الإمام العظيم الذي التقت فيه عناصر الشخصية من السبطين الحسن والحسين –عليهما السلام- وامتزجت به تلك الأصول الكريمة والأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي تفرع منها.
فالأب هو الإمام سيد الساجدين وزين العابدين أحد أئمة الهدى الإثني عشر. والأم هي السيدة الزكية الطاهرة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وتكنى أم عبد الله وكانت من سيدات نساء بني هاشم وسماها الإمام السجاد (ع) بالصديقة.. وحسبها سمواً إنها بضعة من ريحانة رسول الله (ص) وإنها نشأت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ففي حجرها الطاهر تربى الإمام الباقر (ع).
أما كنية خامس أئمة الحق فهي أبو جعفر، ولا كنية له غيرها، ومن ألقابه الشريفة الدلالة على ملامح من شخصية العظيمة: الأمين والشاكر والهادي والصابر والشاهد.
وأحد ألقابه أيضاً هو الشبيه لأنه يشبه جده رسول الله (ص)، أما نقش خاتمه فهو (العزة لله جميعاً) وكان أيضاً يتختم بخاتم جده الإمام الحسين (ع) ونقشه (إن الله بالغ أمره) وذلك مما يدل على شدة تعلقه ببارئه الكريم الحميد رب العالمين.
ولقد عاش الإمام محمد الباقر (ع) معظم حياته في المدينة المنورة يفيض من علمه على الأمة الإسلامية متحملاً من ظلم الأمويين الشيء الكثير وتجرع من غصص الآلام ما ينفرد به، لكنه رغم ذلك استطاع أن يربي أعداداً كبيرة من الفقهاء والعلماء والمفسرين، حيث كان المسلمون يقصدونه من شتى بقاع العالم وقد دانوا له بالفضل فلم يعش منعزلاً عن أحداث الساحة الإسلامية وإنما ساهم بشكل إيجابي كبير في توعية الجماهير وتحريك ضمائرها وسعى لرفع شأنها وإحياء كرامتها بالبذل المادي والعطاء المعنوي كآبائه الكرام وأجداده العظام (عليهم السلام)، فكان قدوة شامخة للجيل الذي عاصره والأجيال التي تلته.
أدمي الحشا ألماً وكحل ناظري
بالحزن يوم عرى مصاب الباقر
هو باقر للعلم تعظيماً له
يُهدى سلام محمد من جابر
أجل.. لقد روي عن الإمام الباقر (ع) قال: دخلت على جابر بن عبد الله فسلمت عليه فرد علي السلام، قال لي: من أنت؟ فقلت: محمد بن علي بن الحسين.
قال: بني أدن مني، فدنوت منه، فقبل يدي، ثم قال لي: رسول الله يقرؤك السلام. فقلت: وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، فكيف ذاك يا جابر؟
فقال: كنت معه ذات يوم فقال لي: يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة، فاقرأه مني السلام.
فديتك من صامد في الخطوب
وقد ثار طوفانها يهدر
ففي كربلاء رأيت الحسين
وحيداً يحاربه العسكر
ونسوته ثكل ذعر
وأصحابه جدل جزر
لقد عاش الإمام الباقر (ع) في ظل جده الإمام الحسين أبي الضيم وأبي الأحرار منذ ولادته وحتى الرابعة من عمره الشريف وشهد في مقتبل عمره مقتل جده، ثالث أئمة الهدى (ع) وكذلك مصرع ثلة من أهل بيته الكرام وشاهد بأم عينيه ملحمة عاشوراء وأخذ مأسوراً إلى طواغيت الكوفة والشام وشارك سبايا أهل البيت (عليهم السلام) فيما جرى عليهم من المحن والمصائب الأليمة التي تتصدع لها القلوب.
مستمعينا الكرام.. وفي هذا النطاق يحدثنا ضيف البرنامج سماحة (الشيخ هادي العقيلي الباحث الإسلامي من العراق) عن الأعمال التي قام بها الإمام الباقر (ع) طوال حياته الكريمة والتي ترتبط بإيصال رسالة جده سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) وملحمة عاشوراء التي كان (ع) حاضراً فيها وفي مسيرة السبي.. لنسمتع معاً .
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين. بداية السلام عليكم وعلى مستمعيكم الكرام ونشكر لكم إهتمامكم وتواصلكم مع سيرة الأولياء الصالحين الذين هم الامتداد الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. بالنسبة للامام الباقر عليه السلام كان يوم الطف طفلاً صغيراً لكنه ليس أي طفل، ذلك الذي إحتضنه بين النبوة والامامة وهو يفهم ويعي ما يدور حوله من التحديات منذ نعومة اظفاره وأن لهذا البيت ولهذا الشخص منزلة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى من أنهم سيكونون الوراث الحقيقيين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تميزت حياة الامام الباقر عليه السلام من ثلاث نواحي عمد اليها وأوصل صوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو منهج وسيرة المعصومين والامتداد الشرعي لسنة محمد صلى الله عيه وآله وسلم حيث إمتازت الفترة التي تولى فيها الخلافة وولاية الأمر الشرعية الامام الباقر عليه السلام تميزت بثلاثة نواحي وإلا أن المعصومين صلوات الله عليهم تارة مارسوا ادواراً عامة كتلك التي يمارسها أي شخص وأدوار خاصة تميزت بالمرحلة التي واجهته والتي عاصرته والتي استطاع من خلالها أن ينفذ الأمر الشرعي ويوصله الى القاصي والداني. الأولى أنه كيف عمد الى علاقته بالحكام والتقليل من مخاطر وإنحراف الحكام نظراً لما عاناه ورآه وماحصل في زمنه وفي الأزمنة قبله من قبل خلفاء بني امية وبني العباس. الشيء الثاني الذي عمد اليه وحاول أن يطبقه في حياته الشريفة الامام الباقر عليه السلام هو إنقاذ العلوم الاسلامية الشرعية التي نهلت عن رسول الله صلى الله عليه وآله والمعصومين وإيصالها الى القاصي والداني من أبناء المجتمع ومن أبناء العالم الاسلامي في مشارق الأرض ومغاربها للحفاظ على الاسلام. وأضرب على ذلك مثالاً واحداً، التحدي الذي واجه هشام آنذاك من الروم وأرادوا أن ينتصروا به على الاسلام وأن يخذلوا ويعجزوا الاسلام وأن لايستطيع أن يجاريهم اقتصادياً، هذا الذي عمد اليه الامام الباقر عليه السلام آنذاك بأنه نصر الاسلام وأشار الى هشام بسك العملة النقدية وهو اول من كتب عليها الآيات القرآنية وبذلك أعطى العزة والمنعة للمسلمين في مواجهة الروم. والحالة الثالثة التي عمد اليها الامام الباقر عليه السلام في حياته الشريفة هي كيف إحتضن شيعته وإحتضن مواليه وإحتضن من يقول بصوت وصدى المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بإعتبارهم المؤمنين الحقيقيين، بإعتبارهم الذين نفذوا وطبقوا والذين ساروا على منهج المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأضرب على ذلك رؤوس أقلام فقط، ما الذي عمد اليه الامام في تلك الفترة، معايشة آلام الأمة والاهتمام لمايجري للقاصي والداني وتحذير الأمة من الممارسات الخاطئة في تطبيق الاسلام. عمد الى فتح بعض المدارس لتوفير الخريجين من هذه المدارس الذين يمثلون الامتداد الشرعي والحقيقي من الفقه والعقائد وغيرها من احكام الاسلام. وتربية الأمة على اخلاق الاسلام وتعاليمه وقيادة الحركة الاصلاحية التي تستهدف تغيير الواقع الفاسد وتوظيف الأمة وإنتماءها نحو مسيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتنظيم شؤونهم الداخلية من خلال عدة أمور ونشر التقية ومقاومة التيارات الفكرية والى ما هنالك من الأشياء التي عمد اليها الامام الباقر عليه السلام في حياته الشريفة.
عظم الله أجورنا واجوركم بهذا المصاب الجلل بمناسبة ذكرى إستشهاد الامام الباقر عليه السلام ومشكر ضيفنا الكريم سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق على هذه الإلمامة ونتابع تقديم برنامح اعلام الهدى في حلقته الخاصة بهذه المناسبة شهادة الامام الباقر عليه السلام.
مستمعينا، مستمعاتنا،، إن من أهم الأسباب التي أدت بالأمويين إلى اغتيال الإمام الباقر (ع) هي سمو شخصيته وملكه لعواطف الناس وتقديرهم له فهو العلم البارز من الأسرة النبوية في عصره وقد أثارت منزلته الإجتماعية غيظ الأمويين وحقدهم فأرادوا التخلص منه باغتياله فسموه وسرى السم في بدنه الطاهر العطر وأثر فيه تأثيراً بالغاً، وأخذ يدنو من الشهادة سريعاً فرزق الشهادة في سبيل الله عز اسمه، ولسانه مشغول بالذكر فارتفعت روحه المباركة إلى خالقها، تلك الروح التي أضاءت الحياة الفكرية والعلمية في الإسلام وهو الذي عرض لنا صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية أمدت المجتمع الإسلامي بعناصر الوعي والإزدهار.
وقام ولده وخليفته من بعده الإمام الصادق (ع) بتجهيز الجثمان المقدس فغسله وكفنه وهو يذرف أحر الدموع على فقد أبيه الإمام الهمام ونقل الجثمان الطاهر محفوفاً بملائكة الله المقربين وخواص المؤمنين، إلى بقيع الغرقد فحفر له قبراً بجوار أبيه الإمام السجاد (ع) وبجوار الإمام الحسن المجتبى (ع).
أجل.. أحبة الإيمان،، إن فقد الإمام أبي جعفر الباقر (ع) من أفجع المصائب التي أصابت المسلمون فهو الموجه الذي بذل جهداً عظيماً في نشر العلم وبلورة الوعي الفكري والثقافي بين المسلمين والمشهور بين الرواة أنه سلام الله عليه إستشهد في السابع من شهر ذي الحجة الحرام سنة ۱۱٤ للهجرة، فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد بالعلم والعمل ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
مرة أخرى نقدم لحضراتكم أحبة الحق أحر التعازي بهذا المصاب الجلل ألا وهو ذكرى استشهاد خامس أئمة الهدى الإمام محمد باقر علم الأولين والآخرين.. نعم، نعزيكم جميعاً من خلال هذه الحلقة من برنامج أعلام الهدى التي قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. جعلنا الباري عزوجل من السائرين على نهج وخطى الثقلين القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.