يا ابن الحسين الذي ترجى شفاعته
وشبه أحمد في خلق وفي خلق
أشبهت فاطمة عمراً، وحيدرة
شجاعة ورسول الله في نطق
أحبة الحق والإيمان
سلام من الله عليكم ورحمة منه وسبحانه وبركات، أجمل التحيات وأعطر الأمنيات وأطيب وأزكى التبريكات نقدمها لحضراتكم بالذكرى العطرة لميلاد شبيه رسول الله – صلى الله عليه وآله – خلقاً وخلقاً ومنطقاً علي الأكبر بن أبي الأحرار الإمام الحسين عليهما السلام...
تابعونا معنا حلقة هذه المناسبة السعيدة من برنامج أعلام الهدى...
ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان عام ٤۳ للهجرة وقيل غير ذلك...
أما مكان ولادته فهو مدينة جده المنورة، وفي بيت يتمتع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى...
بيت رحب الفكر واسع المعرفة مزدحم بالطاهرين والصالحين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، إنه بيت الحسين – عليه السلام – وهو من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ولكي تكون مناراً للهداية والهدى، إنه بيت الحسين – عليه السلام – البيت العامر بكل ما يمت للإسلام بصلة وللحق والحقائق بروابط وعلائق..
ومن شأن الوليد الطاهر الذي يفتح عينيه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهله المكرمين الذين أنيطت بهم حراسة القضية الإسلامية وصيانة الشرع المقدس الشريف وحفظ الدين المحمدي الأصيل.. وهكذا كان فتى الحسين مولانا علي الأكبر – عليهما السلام - :
جمع الصفات الغرو هي تراثه
من كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حيدر
بإبا الحسين وفي مهابة أحمد
وتراه في خلق وطيب خلائق
وبليغ نطق كالنبي محمد
من ذا الذي يجهل والد السيد علي الأكبر... وهو سبط الرسول – صلى الله عليه وآله - ... الإمام الحسين – عليه السلام - ... سيد شباب أهل الجنة الذي يقول عنه سيد المرسلين: "حسين مني وأنا من حسين"
أما والدته فهي المؤمنة الطاهرة الفاضلة ليلى الثقفية التي نالت من الإيمان لدى الله سبحانه وتعالى بحيث وفقت لأن تكون مع نساء أهل بيت النبوة، تعيش أجواء التقى والإيمان... تلك المرأة الرشيدة.. صاحبة الشرف الرفيع.. وقد شاركت زوجها سيد الشهداء – عليه السلام – وولدها علياً الأكبر والحوراء زينب في نهضة الفداء والإباء والسباء.
أما كنيته فهي أبو الحسن ونشأ علي الأكبر نجل الإمام الحسين – عليه السلام – على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء فتنزه جسده وروحه عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة...
ترعرع وهو ملء العين، فتخطى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً وأشهراً بل سنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فذاً في خصوصياته وثاباً خلاقاً في ربيع حياته، فرجلاً بطلاً متربياً في حجر الإمامة وشمساً مضيئة في سماء الخلق الرفيع السامي...
علوي الشعاع قد أطلعته
من سماها الصديقة الزهراء
سبط طه يحكيه خلقاً وخلقاً
فله منه منطق وبهاء
ووليد الحسين حاز معاليه
وبالورد تعرف الأشذاء
أحبة الخير والصلاح:
المسلمون إذ يمجدون عظمائهم فليس من باب الزهو بهم وإنما من باب التأثر والإقتداء بهم لندرك أسرار سيرتهم وأبعاد أعمالهم القيمة وأمرهم المستصعب...
وقد تمتع آل الرسول – صلى الله عليه وآله – بأوصاف بديعة جميلة وصفات جليلة قديرة... تمتعوا بتجمع الكمالات لديهم دون افتقار... تحلوا بكبريات المواصفات وحسنيات الصفات النبيلة الساميات، فلم يتركوا جميلاً جليلاً، حسناً مرضياً للباري تعالى إلا ولهم فيه خصوصية... وما من قبيح مسخط للرب العظيم إلا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية...
ولو قمنا باستقصاء النظر في مميزاتهم، واستقرأنا مواصفاتهم وأخص خصوصيات شخصياتهم، لما عدونا علياً الأكبر عنهم فيما كانوا عليه وما قولنا بأنه شبيه جده رسول الله – صلى الله عليه وآله – مأخوذ من راو أو مؤرخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنما هو عن شاهد دقيق النظر، صادق صدوق حيث صرح والده الإمام الحسين – عليه السلام – بذلك وعنه روى الراوي وأرخ المؤرخ يقول الإمام الحسين – عليه السلام – مخاطباً ربه الرحيم في كلام له وهو يتحدث عن إبنه الأكبر:
"...أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك وكنا إذا اشتقنا الى نبيك نظرنا الى وجهه"
مستمعينا الأفاضل عن الدلالات التي نستفيدها من هذا الوصف فيما يرتبط بمعالم شخصية مولانا علي الأكبر يحدثنا مشكوراً الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من بيروت، فلنستمع معاً:
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. عندما نقف عند مقولة الامام الحسين سلام الله تعالى عليه في كربلاء "أللهم إشهد أن هؤلاء القوم فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك، كنا اذا إشتقنا لنبيك نظرنا الى وجهه" أي الى وجه علي الأكبر. عندما ننظر الى هذه المعاني العظيمة التي وردت على لسان الامام الحسين سلام الله عليه بحق إبنه علي الأكبر فإننا ولاشك نتحقق من هذه الشخصية العظيمة، شخصية علي الأكبر. هذه الشخصية كانت شبيه برسول الله على مستوى الجسد وايضاً على المستوى الخلقي ومضافاً الى ذلك أن منطقه كان منطق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. أولاً كان يريد الامام الحسين أن يظهر هذه الأبعاد الخلقية والخلقية والمنطقية في شخصية علي الأكبر والأمر الثاني كان يريد أن يحتج على القوم الذين يعملون ويعمدون الى مقاتلة الامام الحسين واهل بيته سلام الله تعالى عليهم، كان يريد أن يحتج عليهم بأنكم إنما تقاتلون شخص رسول الله ونفس رسول الله بقتلكم لعلي الأكبر، عندما توجهون السهام لعلي الأكبر فإنما توجهون السهام الى رسول الله، هذه الشخصية التي تشبه رسول الله في هذه الأبعاد الروحية المعنوية المنطقية الجسدية الجسمانية، هذه الشخصية كانت تقف قبالة العدو وتسترجع هذه الذكريات لمن عايش وعاصر صلوات الله وسلامه عليه فكأنما هناك حالة إثارية لبعض الناس ليستفيقوا من هذا الفعل الشنيع الذي يرتكب بحق علي الأكبر وبحق اهل البيت سلام الله عليهم. في الخلاصة نريد القول إن شخصية علي الأكبر شخصية مثالية، شخصية كمالية، شخصية تتمتع بالمواصفات والمزايا الحميدة والمعنوية التي كانت في رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لذلك عندما كان ينظر الى علي الأكبر فكأنما ينظر الى رسول الله وعندما كان يتحدث علي الأكبر فكأنما كان يتحدث رسول الله. وعندما نريد أن نعثر على المزايا والصفات التي كان يتحلى بها رسول الله فإننا نجدها في علي الأكبر لذلك كانت بحق شخصية مثالية وصدق الامام الحسين صلوات الله تعالى عليه عندما قال "كان أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسول الله".
أيها الأخوة والأخوات نشكر سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من بيروت على هذه التوضيحات ونتابع معاً تقديم برنامجكم أعلام الهدى في حلقته الخاصة بمولد الفتى الحسيني الأغر مولانا علي الأكبر عليه السلام.
كان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً هذا ما اتفق عليه المؤرخون فضلاً عن اتفاقهم وإجماعهم على مضمون تصريح إبنه الإمام الحسين – عليه السلام – من كونه مثيل الرسول – صلى الله عليه وآله – من حيث الخلقة والأخلاق والنطق...
وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر تجسيده العملي لمواقف جده الكريم ذي الخلق الرفيع العظيم، في جميع سلوكياته وصفاته، فمثلاً لقد دعا أهل الشام (حسب قول البخاري) علياً الأكبر الى الأمان.
وهذا ما أشار إليه الزبيري أيضاً في كتاب نسب قريش ولم يقل أهل الشام أو إن القائل هو شامي وإنما عراقي... فما موقف علي الأكبر من ذلك العرض؟
لقد اقتدى – عليه السلام – بموقف جده المصطفى – صلى الله عليه وآله – عندما عرضت عليه قريش أن يترك الدعوة للتوحيد والإسلام مقابل أن يعطوه امتيازات كثيرة، فأجابهم "والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه..."
وكان الأكبر قد استجاب من قبل لعرض لا يدانيه عرض آخر، من رجل عظيم هز مهده جبرائيل، سبط سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله – ونجل سيد الوصيين – عليه السلام – وابن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين عليها السلام .. أجل .. إن لعلي الأكبر عهداً ووعداً بالمصادقة على ميثاق وقعه حول ما قدم له.. حيث أطروحة الإمام الأبي الحرة... ولهذا أجاب أهل العرض الرخيص بجواب حدي بقوله: "لقرابة رسول الله – صلى الله عليه وآله – أحق أن ترعى من قرابة يزيد بن معاوية.. نعم مستمعين .. الأفاضل فلا رحم ولا قرابة أقدس مما وصى القرآن الكريم بها وحرص بشدة عليها...
ومن مناقب الأكبر – عليه السلام – مرّ ركب الإمام الحسين – عليه السلام – قبل كربلاء بعدة مناطق في الطريق، وفي الثعلبية من شدة التعب والنصب فأخذ الإمام الحسين – عليه السلام – الكرى، فرأى في نومه المؤقت رؤيا أزالت عنه ذلك، وفتح عينيه على أثرها، أخذ يسترجع ويقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" فانتبه نجله الأكبر الذي كان يسير على مقربة منه فالتفت حالما سمعه، ليستفسر من والده العظيم عما عما دعاه للإسترجاع، فأجابه الأب القائد: "رأيت فارساً وقف عليّ، وهو يقول أنتم تسيرون والمنايا تسرع بكم الى الجنة". فعلمت أن أنفسنا قد نعيت إلينا.
فبادر الولد الصالح الصابر سائلاً بإيمان وتقوى وأدب: يا أبة أفلسنا على الحق؟ قال إمام الحق بلى يا بني، والذي إليه مرجع العباد "فرد عليّ بكلمة نابعة من العزة والإباء: يا أبة إذن لا نبالي أن نموت محقين".
فعقب الإمام – عليه السلام – بكلمة التقدير العالية الرفيعة، التي جاءت بصيغة الدعاء "جزاك الله يا بني عني خير ما جزى به ولدا عن والده".
هكذا هي تحية الإجلال لموقف الصلابة الشجاع..
أكرم بهذه الأبوة وتلك البنوة الممتدين من أصول الأنبياء وخاتم النبوة.
ولدته الشموس حتى تسامى
كوكباً منه تزهر الأجواء
واشرأبت له العيون اندهاشاً
أهو وجه أم كوكب وضاء
جاء يختال بالجمال وللحسن
ازدهار تزهو به الكبرياء
نبارك لحضراتكم أيها الأطياب – مرة أخرى – هذه الذكرى السعيدة الخالدة ألا وهي ميلاد حفيد أميرالمؤمنين علي – عليه السلام – مولانا علي الأكبر، ونأمل أن تكونوا قد قضيتم أطيب الأوقات مع فقرات لقائنا الخاص بهذه المناسبة من برنامجكم (أعلام الهدى).
نهنئكم وكل عام وأنتم بخير
وأسعد الباري تعالى أوقاتكم
وسدد خطاكم نحو الخير والبر والصلاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.