البث المباشر

المشهد الحسيني في القرن الهجري الاول والثاني

الأحد 26 مايو 2019 - 09:51 بتوقيت طهران

لهيب بقلبي حين أذكر كربلا

فيهلكني بعد النحيب نحيب

السلام عليك يا ابا عبد الله يا مولاي، لا جعله الله آخر العهد منيّ لزيارتك، ورزقني العود اليك، والمقام في حرمك، والكون في مشهدك، آمين رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
يذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) في حوادث سنة ثمان وستين من الهجرة، أنّ عبيد الله بن زياد بعد قتله للإمام الحسين (عليه السلام)، جعل يتفقد أشراف الكوفة فلم يعثر على عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، حتى دخل عليه يوماً.
فسأله عبيد الله: أين كنت يا ابن الحرّ؟
قال: كنت مريضاً.
قال: كذبت، ولكنك كنت مع عدونا.
فقال ابن الحرّ: لو كنت معه لرأي مكاني.
وهنا غفل عنه ابن زياد فخرج راكباً فرسه، ثم طلبه ابن زياد فأرسل الشرطة خلفه، قالوا له: أجب الأمير.
قال: أبلغوه عنيّ أني لا آتيه طائعاً ابداً.
ثم خرج عبيد الله بن الحرّ الجعفي حتى أتى كربلاء، فنظر الى مصارع الحسين ومن قتل معه، فقال في ذلك:

يقول أمير غادر وابن غادرٍ:

ألا كنت قاتلت الحسين ابن فاطمة

ونفسي على خذلانه واعتزاله

وبيعة هذا الناكث العهد لائمه

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كلّ نفس لا تسدد نادمه

وإني، لأنيّ لم أكن من حماته

لذو حسرة ٍ ما إن تفارق لازمه

سقى الله أرواح الذين تبادروا

الى نصره سقياً من الغيث دائمه

وقفت على اجداثهم ومجالهم

فكاد الحشا ينقض والعين ساجمه

الى آخر قصيدته، حتى قال ابن الأثير: وأقام ابن الحرّ بمنزله على شاطئ الفرات الى أن مات يزيد.
نعم، وربمّا أقام هناك ليكون قريباً من قبر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، فيتسنى له زيارته، ولربما كان القبر قد اتخذ هيئة ً هو والقبور التي الى جنبه، بحيث تعرف فتزار.
إن المراجع لتأريخ أرض الحسين (عليه السلام) وما ذكرته الاحاديث الشريفة بشأنها يلاحظ بوضوح كامل أن الارادة الالهية شاءت أن تكون هذه البقعة المقدسة مناراً للهدى لايمكن لأي طاغية أن يطفأه؛ هذا أولاً وثانياً فإن تأريخ الانبياء (عليهم السلام) يشهد بأن لمنار الهدى الحسيني المبارك حضوراً مشهوداً حتى قبل ولادة الحسين فضلاً عن استشهاده (عليه السلام) فقد عرف الله عزوجل انبيائه بالملحمة الحسينية من قبل ولذلك شهدت كربلاء المقدسة عدة من المحطات الاساسية في تأريخ الانبياء (سلام الله عليه)، لنلاحظ معاً ما يقوله سماحة الشيخ علي الكوراني في الحديث الهاتفي التالي:
الشيخ علي الكوراني: بسم الله الرحمن الرحيم، عندنا نصوص ومن الامور الملفتة ان نبي الله ابراهيم اشترى هذه المنطقة، امير المؤمنين اشترى النجف مجدداً، نبي الله ابراهيم اشترى المقدس اشترى مكان قبره، النبي (صلى الله عليه وآله) اشترى مكان مسجده وقبره وبيوته كلها، هذا الاهتمام لشراء الانبياء لبعض البقاع وتوريثها لذريتهم ايضاً له معناً وله رمزية، وفي الاحاديث ان مريم وعيسى (سلام الله عليهم) سكنوا على شاطئ الفرات في تلك المنطقة وعندنا روايات عن المسيح في كربلاء، يعني من سن السادسة كان عمر عيسى (عليه السلام) عندما قامت عاصفة اليهود عليه مرة اخرى واتهموه وامه (سلام الله عليهما) فارادوا ان يقتلوه فهربت به مريم، فرت به مريم والله يقول: «آوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ»، يفسروها بالشام لكن فترة في الشام وفترة في مصر استقرت حياتهم في العراق، مريم وعيسى عاشوا فترة في العراق يمكن عشرين سنة وهذا فيه ربط لقداسة هذه البقاع، عندنا ظاهرة اشتغل عليها بعض العلماء الذين لديهم الخبرة بالعبرية عن ارتباط الاسماء الموجودة القديمة في العراق بالاسماء التي اطلقها نبي الله ابراهيم واولاده في فلسطين، يعني الطور والطارات وسين، وكذلك قد نجد كربلاء، اذن حتى بعض التسميات اطلقت على اسماء هناك، على هذا الاساس يمكن ان نقول بان ارض الكوفة وكربلاء وادي الرافدين، منطقة مقدسة من القديم وارضها مذكورة وهناك مجموعة قرائن على ان هذه الحركة سوف تعود، وهذا الربط الذي نلاحظه في حركة الامام المهدي (سلام الله عليه) من مكة الى العراق ثم الشام ثم القدس، في الواقع هذه عودة لربط هذه الاماكن، هذه المنطقة مسرح مهم ومكان مقدس عند الانبياء (سلام الله عليهم)، على هذا الاساس كربلاء مرتبطة بابراهيم وبعيسى، وبنبينا (صلى الله عليه وآله) وبالامام الحسين توجت لانها كانت مكاناً لشهادة الامام الحسين (سلام الله عليه).

*******

نتابع الحديث عن الاشارات الواردة في الكتب التأريخية التي تفيد بأتضاح معالم المشهد الحسيني في القرن الهجري الاول والثاني وفي ظل حكم بني أمية وإذا أردنا أن نبقى مع ابن الأثير في (كامل تاريخه)، قرأنا تحت عنوان حوادث سنة اثنتين وعشرين ومئة هجرية، أن فيها استشهد زيد بن الامام عليّ الحسين (عليه السلام)، فسار ابنه يحيى نحو كربلاء، فنزل نينوى.
ومن هذه الاشارات التاريخية يبدو أن مرقد الامام الحسين (عليه السلام) كان معلوماً شاخصاً للزائرين، قد أحاطت به الابنية والدوّر والسكك فصارت كربلاء اشبه بمدينة تقصد، فجاء هذا الأمر مغايراً لمرامي بني أمية في محو معالم الاسلام وإبادة أعلامه وإذا بكربلاء عقداً بعد عقد تصبح مركزاً دينياً جديداً في قلب الامبراطوريات الحاكمة، تجثو على ضفة الفرات وحافة الصحراء، على مفترق الطرق من العالم القديم، لتمدد منها أنوار النبوّة المشعة من المدينة الى أقطار الدنيا.
ثم خطا الحائر الحسيني الشريف بعد ذلك في مستهل القرن الهجري الثالث بخطوةٍ أوسع نحو شرق العالم الاسلامي، حينما شمخ حرم الامام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في خراسان، مشرفاً على ابواب الهند والاقطار المجاورة لها.
فضرب آل أبي طالب قبابهم الذهبية العالية في أنحاء مهمة من العالم المعمور في الحجاز، وعلى ضفتيّ الفرات ودجلة في العراق، وعلى مشارف النيل والبحر المتوسط، وعلى ضفاف بردى في الشام، وفي خراسان.
قبر المصطفى وأمير المؤمنين وفاطمة، وقبور أئمة البقيع وبغداد وسرّمن رأى، وقبر السيدة العقيلة زينب، وتبقى كربلاء مهوى قلوب الملايين من أرجاء الدنيا وعلى مدى التاريخ، منذ آدم حتى قيام الساعة.
قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) لزائدة: بلغني ـ يا زائدة ـ أنك تزور قبر ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحياناً.
قال زائدة: قلت: إن ذلك لكما بلغك.
قال لي: فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا، والواجب على هذه الأمة من حقنا؟!
فقلت: والله ما أريد بذلك الا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.
فقال: والله إن ذلك لكذلك.
فقلت: والله إن ذلك لكذلك ـ يقولها ثلاثاً، وأقولها ثلاثاً.
فقال لي: ابشر، ثم أبشر، ثم أبشر.
وإذا دخلنا الى القرن الهجري الثالث، دلنا شائع الاخبار التي ذكرها الباحثون والمؤرخون، أنّ كربلا كانت فيه مملوءة بالاكواخ وبيوت الشعر، والتي كان المؤمنون يومها يشيّدونها لتكون محطة مزارهم، منها يفدون الى قبر الامام الحسين (عليه السلام)، وتلك كانت الى جانب بيوت المجاورين للحرم الشريف.
ولم يكن مرقد الامام الحسين (سلام الله عليه) قد تعرض خلال هذه المدّة الى التهديم أو التخريب في عهد المعتصم العباسيّ، والواثق العباسيّ، كما لم يتعرض الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) للاضطهاد الشديد، بسبب اضطراب الوضع السياسي في الحكومة العباسية، والتي كانت تتجنب إثارة حفيظة العلويين. الى أن جاء المتوّكل العباسيّ، فكان منه ما كان من امتداد يده على آثار أهل البيت النبويّ بالتخريب والمحو والمنع عنها وهذا ما سيكون حديثنا حوله في لقائنا القادم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة