البث المباشر

قدسية أرض كربلاء وارتباطها بتأريخ الانبياء (عليهم السلام)

الأحد 26 مايو 2019 - 09:24 بتوقيت طهران

سأهدي للائمة من سلامي

وغرّ مدائحي هديّ

لطيبة والبقيع وكربلاء

وسامرّا وفيدٍ، والغريّ

وزوراء العراق وأرض طوس

سقاها الغيث من بلدٍ قصيّ

فحيا الله من وارته تلك

القباب البيض من حبر نقيّ

اللهم قد ترى مكاني، وتسمع كلامي، وترى مقامي، وتضرعي وملاذي بقبر وليك، وحجتك وابن نبيك وقد توجهت اليك بابن رسولك، وجدتك وأمينك، وأتيتك متقرباً به اليك والى رسولك، فاجعلني عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين.
أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) وأنبأ الملأ أن لولده الحسين شأناً من الشأن، ومنزلة خصّه الله تعالى بها، ودرجة يغبطه عليها الاولون والآخرون. كما ان للحسين تربة مقدسة طاهرة زكية، جاء جبرئيل الامين بشيء منها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره أنها ستكون حمراء كعلقة الدم يوماً ما، يوم يستشهد الحسين سيد شباب اهل الجنة في كفّ كربلاء، تلك الارض التي زارها الانبياء والمرسلون، وكانت لهم فيها وقائع ومواقف وذكريات أدمت قلوبهم، وبعثت فيها الحزن والعبرة والكآبة، حين أخبروا أن فيها يقتل ابن لحبيب الله وحبيبهم محمد (صلى الله عليه وآله).
ويُفهم من الروايات الشريفة التي نقلنا بعضها في حلقات سابقة من برنامجكم هذا (ارض الحسين) ان الله تبارك وتعالى قد حكم بقدسية هذه الارض وعرّف الانبياء عليهم السلام بذلك لأنها ستكون مشهداً للملحمة الحسينية وستضم قبر سيد الشهداء (عليه السلام) وأصحابه، ولذلك اختارها الله عزوجل لمحطات مهمة من حياة الانبياء (عليهم السلام) وتأريخ الرسالات السماوية قبل استشهاد الحسين (عليه السلام) فما هو السر في ذلك؟

*******

الاجابة عن هذا السؤال نتلمسها في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة السيد محمد الشوكي في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: احبائنا المستمعين يفهم من الروايات الشريفة التي نقلنا بعضها في حلقات سابقة من برنامج "ارض الحسين" ان الله تبارك وتعالى قد حكم بقدسية ارض كربلاء وعرف الانبياء (عليهم السلام) بذلك، لانها ستكون مشهداً للملحمة الحسينية وستضم قبر سيد الشهداء (عليه السلام) واصحابه، ولذلك اختارها الله عز وجل لمحطات مهمة من حياة الانبياء (عليهم السلام) وتاريخ الرسالة السماوية قبل استشهاد الحسين (عليه السلام) فما هو السر في ذلك، الاجابة عن هذا السؤال نتلمسها في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة السيد محمد الشوكي في الحديث الهاتفي؟
السيد محمد الشوكي: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، الحقيقة توجد لدينا نصوص تتحدث عن اهمية كربلاء وحضور كربلاء في الازمنة السابقة وعلى السنة الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، فهذه الارض الطيبة المباركة منذ قديم الازمان كانت محل اهتمام الانبياء والاوصياء بل في بعض الاخبار انه ما من نبي الا وزار هذه الامكنة، طبعاً هذه الامكنة كلها هي اماكن مباركة وهي الكوفة والسهلة وكربلاء، النجف الاشرف منذ القدم كانت محط رحال الانبياء والاوصياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، السر في هذا الاهتمام النبوي والرسالي بهذه البقعة المباركة منذ قديم الازمان ربما لا نعرفه بتفصيله، لكن ما نعرف ان هذه البقعة اهتم بها منذ القدم من اجل انها سوف تشهد صراع الحق مع الباطل في اكبر تجلياته، ونحن نعرف ان تاريخ الانبياء سلام الله عليهم هو تاريخ الصراع بين الحق والباطل بين التوحيد والشرك، كربلاء ثورة الحسين (سلام الله عليه) يوم عاشوراء الذي جرت احداثه على تلك البقعة الطيبة المباركة، الحقيقة ان هذه الواقعة العظيمة كانت حداً مفصلياً في تاريخ الصراع بين الحق والباطل، وهو صراع ممتد منذ زمان الانبياء سلام الله عليهم، لهذا الامر نجد هناك اهتمام كبير جداً بهذه الارض المباركة من قبل الانبياء سلام الله عليهم والاوصياء، وكانت معروفة لهم وبعض الاسرار، لانها تضمنت اطهر الاجساد المباركة والتي اريقت عليها تلك الدماء الزكية، فصارت مهبط الاملاك تهبط اليها ليلاً ونهاراً، اذن هناك حتماً اسرار وقضايا ربما نعرف بعضها ونجهل الكثير منها، الا انه مما هو واضح من النصوص الشريفة ان للانبياء وللاوصياء في تاريخهم كما تتحدث الروايات، ولكن نأخذ ذلك من روايات اهل البيت سلام الله عليهم التي تحدثت عن ذلك الاهتمام بكربلاء وبهذه البقعة المباركة.

*******

حديثنا فيها عن قدسية أرض كربلاء وارتباطها بتأريخ الانبياء (عليهم السلام) وقد نقلنا في حلقات أحاديث نقلتها المصادر المعتبرة عن ائمة العترة المحمدية (عليهم السلام) بهذا الشأن، فكان لآدم وابراهيم وموسى (عليهم السلام) حضور وارتباط بهذه البقعة المقدسة كما عرفنا وكان لعيسى المسيح وأمه البتول مريم صلوات الله عليهما أيضاً ذكريات شريفة في كربلاء، بل وعند البقعة التي يُقتل عليها الحسين ويُدفن (سلام الله عليه). فقد ذكر الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في كتابه (تهذيب الاحكام ـ باب الزيارات) راوياً عن ابي حمزة الثمالي أن الامام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) في قوله تعالى حول مولد عيسى (عليه السلام): فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (سورة مريم) قال: "خرجت [اي مريم عليهما السلام] من دمشق حتى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام)، ثم رجعت من ليلتها".
وفي (الكافي) الشريف للكليني أعلا الله مقامه، عن أبي الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) في حديث طويل قال فيه: "وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال، وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الامين، وليس للمسلمين عيد كان اولى منه. وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء لأربع ساعات ونصف من النهار، والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هو الفرات، فحجبت لسانها، ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه، وأخرجوا آل عمران لينظروا الى مريم، فقالوا لها ما قصّ الله في كتابه".
وفي رواية أتمّ قال (عليه السلام) لأحدهم: والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى هل تعرفه؟
قال: لا.
قال (عليه السلام): هو الفرات، وعليه شجر النخل والكرم، وليس يساوى بالفرات شيء للكروم والنخيل.
قال أصحاب التحقيق: إن المخاطب في هذه الرواية هو نصرانيّ وردّ على الامام الكاظم، فأرشده (عليه السلام) على الاسلام.
أما الشيخ المجلسي رضوان الله عليه، فله على هذه الرواية بيان وتعليق علميّ عقائدي، حيث كتب في مؤلفه (مرآة العقول) هذه العبارات، قال: وكون ولادة عيسى (عليه السلام) بالكوفة على شاطئ الفرات، هو مما وردت فيه أخبار كثيرة. وربما يُستبعد ذلك بأنه تواتر عند اهل الكتاب ـ بل وعندنا أيضاً ـ أن مريم كانت في بيت المقدس، وكانت محراً لخدمة البيت، وقد خرجت الى بيت خالتها زوجة زكريا، فكيف انتقلت الى الكوفة والى الفرات مع هذه المسافة البعيدة في هذه المدّة القليلة؟!
والجواب: إن تلك الامور انما تستبعد بالنسبة الينا، أما بالنسبة الى مريم عليها السلام وأمثالها فلا استبعاد، فيمكن أن يكون الله تعالى سيرها في ساعة واحدة ٍ آلاف الفراسخ بطيّ الارض، ويؤيد ذلك قوله تعالى: «فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا» أي: تنحت بالحمل الى مكان بعيد.
ونمضي مع الروايات الشريفة فنجد أن لأرض كربلاء شرفاً خصّه الله تبارك وتعالى بها، حتى ورد عن الامام أبي جعفر، محمد الباقر (عليه السلام) قوله: "خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة باربعة وعشرين ألف عام، وقدسها، وبارك عليها. فما زالت قبل خلق الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزلٍ ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنة".
إذن ما أجدر بكربلاء أن تعمر وتشيد وتجلل خلال تاريخ المسلمين، وهي الارض التي تحمل ذكريات الانبياء والاولياء، وذكرى واقعة عظيمة في حياة الاسلام، تلك واقعة عاشوراء التي جسدت الجهاد الغيور، وكانت فيها ملاحم الشهامة والإباء، ومقارعة الظلم والفساد والانحراف، حتى اصبحت مناراً للوعي واليقظة والعبادة، ومهوى قلوب المؤمنين والمحبين تحجّ اليها من كل بلد وأرض وصقع من أصقاع الدنيا، من جميع المذاهب والاديان والاقوام، وعلى مدى هذه القرون من عمر الحياة وما تزال وذلك إخبار أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) يوم قال ـ وحقّ وصدق ما قال ـ: "كأني بالقصور قد شيدت حول قبر الحسين (عليه السلام)، ولا تذهب الليالي والايام. حتى يسار اليه من الآفاق".
كان حديثنا في هذا اللقاء عن حضور كربلاء في تأريخ الانبياء (عليهم السلام) قبل استشهاد الامام الحسين (سلام الله عليه) وفي الحلقة القادمة من برنامج (أرض الحسين) سنبدأ بعون الله تعالى بالحديث عن كربلاء بعد وقوع الملحمة الحسينية المباركة وتوجه القلوب اليها على مدى قرون التاريخ الاسلامي.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة