يا كربلاء .. وأنت فخر قداسةٍ
يستوجب التعظيم والتبجيلا
يا موطن الاحرار منه تألفت
سور الجهاد وفصلت تفصيلا
هذي مآثر كربلاء.. وإنها
سفر يخلد في الزمان طويلا
السلام عليك يا بن رسول الله، السلام عليك يا بن سيد الوصيين، السلام عليك يا ابا عبد الله، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، أشهد أنك طهر طاهر مطهر، من طهر طاهر مطهر، طهرت وطهرت بك البلاد، وطهرت أرض أنت فيها، وطهر حرمك.
بحث الكثيرون من اهل التاريخ واللغة والآثار في أصالة كربلاء، متى كانت في عمق التاريخ،فرأى انستاس الكرملي أن كربلاء كلمة منحوتة من (كرب) و(إل) بمعنى حرم الله، أو مقدس الله. على حسبان ان كلمة (كربلاء) من الاسماء السامية الآرامية، أو البابلية، وهي واقعة في ناحيةٍ من نواحي (نينوى) الجنوبية، إذ (نينوى) موضعان: تحدهما بلد قديم يقع مقابل الموصل، والآخر.
كورة كانت بألاض بابل، منها كربلاء، التي قال فيها ياقوت الحموي في (معجم البلدان): هي التي قتل بها الحسين بن علي عليهما السلام.
وقيل: كلمة كربلاء من الاسماء الآشورية ومما يدل على قدمها ووجودها قبل الفتح الاسلامي ما ذكره الخطيب البغدادي الشافعي في مؤلفه الشهير (تاريخ بغداد ) ج ۱۲ ص ۳۰٥ بسنده الى ابي سعيد التميمي أن أصحاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام)- وكانوا مقبلين معه من صفين يريدون الكوفة ـ قد شكوه العطش، فقال لهم ارفعوا هذا الحجر.
قال التيميّ: فرفعناه، فإذا هين باردة طيبة، فشربنا.
ثم سرنا ليلاً فعطشنا، فقال بعض القوم: لو رجعنا فشربنا! فرجع الناس وكنت فيمن رجع، فالتمسنا العين فلم نقدر عليها، فأتينا الراهب فقلنا: أين العين التي ها هنا.
قال: أية عين؟
قلنا: التي شربنا منها واستقينا، والتمسناها فلم نقدر عليها.
فقال الراهب: لا يستخرجها الا نبيّ، او وصيّ!
وثمة تسمية اخرى مشهورة تتبادر الى الاذهان عند الحديث عن ارض الحسين (عليه السلام)، وهي تسمية الطف، وسنحدثكم عن جذورها لاحقاً، ولكن بعد أن نستمع لما يقوله خبير البرنامج سماحة الشيخ علي الكرواني في تفسير ما ورد في بعض الاحاديث الشريفة من تفاخر جرى بين البقاع المقدسة الافضلية، فكيف نفهم مثل هذه الاحاديث الشريفة؟
*******
نتلمس الاجابة فيما يقوله سماحة الشيخ الكوراني في لاتصال الهاتفي التالي:
المحاور: اعزائي نستمع لما يقوله خبير البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني في تفسير ما ورد في بعض الاحاديث الشريفة من تفاخر جرى بين البقاع المقدسة بشأن الافضلية فكيف نفهم مثل هذه الاحاديث الشريفة؟
الشيخ علي الكوراني: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه القاعدة التي عبر عنها العلماء لله خواص الامكنة والازمنة والاشخاص، حتى الزمن، قطع زمنية لها شخصيات ايضاً، زمن شهر رمضان يختلف عن غيره، زمن ليلة الجمعة تختلف عن غيرها، على هذا الاساس نقول ان التفاضل بين بقاع الارض امر منطقي، الارض هي اكثر استجابة لله سبحانه وتعالى، واول من آمن بالله جبل العقيق، وعندنا ايضاً احد جبل يحبنا اهل البيت، والحيوانات فيها محب ومبغض ايضاً، أذن هناك تفاضل بين بقاع الارض وهو ثابت عن طريقين، طريق النص عن النبي واهل البيت عليهم الصلاة والسلام وهذا وحي من خالق هذه البقاع، وطريق آخر ايضاً ما يدل عليه القرآن الكريم من وجود الحياة والتكليف بحسبها، هناك تكليف ما، عقل ما، روح ما لهذه الموجودات، لا يوجد ميت بالمعنى المطلق هذه من ناحية، من ناحية اخرى الاحاديث الموجودة عندنا عن التكلم والتفاخر وانه تفاخرت ارض كربلاء مع ارض الكعبة هذا معقول، اولاً نحن عندنا اطلاع على الغيب من خلال الذين مفتوحة لهم ناحية الغيب وهم النبي واهل البيت عليهم السلام، عندما يخبرون عن شيء نقبله، عندما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ان جبرائيل اخبرني عن التربة التي يقتل فيها ولدي وهذه قبضة التراب واعطاها لام سلمى نحن نقبل ذلك، وكذلك الكعبة ارض مميزة ومن منطقتها من تحت الكعبة هذه البقعة التي فيها بيت الله قواعد البيت لا نعرف ما هي قواعد البيت، يقال انها احجار خضراء ويقال انها ملائكة السكينة تحولت الى مادة وبدأ دحر الارض من تحت الكعبة، نقبل ذلك لما يثبت بنص من الوحي كل ما ثبت من الوحي نحن نقبله، بالنسبة لكربلاء يتعجبون كيف تكون كربلاء افضل من الكعبة، هذه مسألة درجة الفضل تابعة للاحاديث الشريفة، الان اجماع المسلمين ان البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه البقعة افضل البقاع، افضل حتى من الكعبة هذا مجمع عليه، حتى السنة يذكرون ذلك انها افضل من الكعبة، لما البقع التي دفن فيها جسده الشريف وهو افضل المخلوقات هذه البقعة تتبعه وتكون افضل بقعة على وجه الارض حتى من الكعبة، ولا يمنع ان تكون كربلاء جزءاً منها "حسين مني وانا من حسين"، تربة كربلاء جزء من تربة النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته امتداده، اذن لا مانع المسألة منسجمة عقلياً ومنطقياً بالنصوص الشرعية وباحاديث النبي صلى الله عليه وآله باجماع المسلمين، ما دامت افضل بقعة في الارض هي البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله، اذن يمكن جزء منها امتدادها بقعة ولده الامام الحسين (عليه السلام) تكون ملحق، كما ان اهل البيت ملحقون بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله، كذلك بقعة كربلاء تكون ملحقة ببقعته صلى الله عليه وآله.
نتابع احبائنا تقديم الحلقة الثانية من برنامج "ارض الحسين (عليه السلام)"، فنشكر ضيف البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني على حديثه حول التفاخر بين البقاع المقدسة، كما نشكركم للاصغاء والمتابعة للبرنامج.
*******
من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، نتابع احباءنا تقديم الحلقة الثانية من برنامج ارض الحسين (عليه السلام) فنشكر ضيف البرنامج سماحة الشيخ علي الكوراني على حدث المتقدم عن التفاخر بين البقاع المقدسة، ونشكر لكم طيب الاصغاء للبرنامج وندعوكم الى ملاحظة ما ذكره كاتب البرنامج بشأن مفردة (الطف) التي تتبادر الى الاذهان عند ذكر أرض الحسين (عليه السلام) فما هو المراد منها وما هي جذورها؟!
نقول في الاجابة: وأما الطف والذي يجاور كربلاء، فقد روى ياقوت الحموي في (معجم البلدان) فيه عن ابي سعيد، أنه سُميّ طفاً لأنه مشرف على العراق، ومن أطف على الشيء، بمعنى: أطلّ.
ثم قال: والطف طف الفرات، اي الشاطئ، والطف ارض من ضاحية الكوفة في طريق البريّة، فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه. وممن رثى الحسين سلام الله عليه ومن قتل بالطف أبو دهبل الجمحي، حيث قال:
مررت على ابيات آل محمد
فلم أرها أمثالها يوم حـُلّت
فلا يُبعد الله الديار وأهلها
وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
ألا ان قتلى الطف من آل هاشم
أذلت رقاب المسلمين فذلت
على ان محور المراقد المقدسة للهاشميين، كل الهاشميين، هو مرقد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، حيث يقع في قلب العالم الاسلامي بل في قلب الاسلام العالمي، حيث اصبح بين الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، وبين الغري مرقد أمير المؤمنين، معلماً شامخاً ما بين ضفة الفرات وحافة الصحراء على مفترق الطرق من العالم القديم، ليُمدّ أنوار النبوة المشعة من المدينة النبوية المنورة الى بقية آفاق الدنيا. وذلك اختيار من الله تعالى حكيم، وهو العزيز الحكيم، حيث أراد لمرقد الحسين (عليه السلام) أن يكون مناراً للهداية الى آخر الدهر، وأماناً للاجئين اللائذين، وقد قال الامام الحسين يوم سار من المدينة الى كربلاء ـ وأريد له البقاء والاقامة ـ: «إذا أقمت بمكاني، فبماذا يُبتلى هذا الخلق المتعوس؟! وبماذا يُختبرون؟! ومن ذا يكون ساكن حُفرتي بكربلا؟! وقد اختارها الله تعالى يوم دحو الارض، وجعلها معقلا ً لشيعتنا،وتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة».
وأما حرم الامام الحسين صلوات الله عليه، فذلك من جلال الله وعظيم مشيئته في خلقه، وفاخر حكمته في عباده، فمن كان يتوقع ان يكون للامام الحسين سلام الله عليه هكذا قبر، وهكذا مرقد، وهكذا ضريح شامخ، وذلكم حرم مهيب، ومزار مقصود من أرجاء الدنيا طوال قرون وعقود من السنوات، بعد ذلك القتل والتمثيل، وإصرار اللؤماء على محو أي أثر لآل رسول الله عموماً، وللحسين خصوصاً!
لكن اهل البيت كانوا يعلمون ذلك، وكانوا متيقين، فحين انتهت معركة كربلاء، واذن القتلة بالرحيل يجرّون السبايا الى الكوفة فالشام، نظر الامام علي بن الحسين الى اهله مجزرين على ارض الطف، وبينهم مهجة الزهراء ابوه، فكادت روحه أن تفارق بدنه لولا أن عمته زينب أخذت تسليه وتقول له: «مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي واخوتي؟! فو الله إن هذا لعهد من الله الى جدك وابيك. ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الارض، وهم معروفون في اهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الاعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر ابيك سيد الشهداء لا يُدرس أثره، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والايام، وليجتهدنّ ائمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره الا علواً».
نعم، وقد اثبتت وقائع التأريخ الاسلامي ومنذ واقعة كربلاء والى يومنا هذا صدق هذه الكلمات الزينبية الخالدة، فرغم كل ما بذله ويبذله الطغاة لمحو آثار الملحمة الحسينية في كربلاء المقدسة ومنع توافد الزوار عليها، رغم كل ذلك بقيت ارض الحسين (عليه السلام) مناراً خالداً يزداد اشعاعاً وتوهجاً كل يوم وتزداد أفئدة اهل المودة للنبي وآله تعلقاً بهذا المنار المحمدي المقدس.
*******