بنفسي من حوت اسمي المزايا
ومن للمكرمات غدت خليله
ومن يسمو الثناء بها ويحلو
وأجدر بالنعوت المستطيله
فان كثرت مدائحها وفاضت
تعد بشأنها السامي قليله
هي الحوراء زينب في علاها
لتقصر كل ذات يد طويله
سليلة احمد مولى الموالي
الا نعمت لأحمد من سليله
بربك من كزينب في البرايا
لوقع النائبات غدت حموله!
فيالله ما لاقت وقاست
من الاشرار ارباب الرذيله
اتحمل فوق ظهر العجف قسراً
وفتيتها على الرمضا جديله!
فابدت بعد يوم الطف حزماً
وما من حرة ابدت مثيله
وحلماً لا يقاس بثقل «رضوى»
محال بأن يرى «رضوى» عديله
الخصال الزينبية الشريفة صفات متقاربة متكاملة، بل ومتعاضدة... وقد جاء عن الامام علي (عليه السلام) قوله: اذا كان في رجل خلة رائقة، فانتظروا اخواتها. كما جاء عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قوله: ان خصال المكارم بعضها مقيد ببعض، يقسمها الله حيث شاء.
وقد اجتمع في العقيلة المكرمة زنيب الكبرى: الصبر والحزم والمعرفة والحلم، والايمان والتقوى، والاباء والعفاف، والرضى بقضاء الله والتسليم لأمر الله.. لذا شدت الرحال مع اخيها الامام الحسين (عليه السلام) وكانت السباقة في ذلك الركب الشريف الراحل الى كربلاء، ارض الشهادة والفداء، ومحل الكرب والبلاء... كل ذلك طاعةً لله (تبارك وتعالى)، وتلبيةً غيورة للدفاع عن الاسلام الذي عاد في موقع الخطر من التشويه والتحريف، والناس في سكرة حب الدنيا سادرون غافلون، فكان لابد من الدماء الزاكية، وقد قدمها سيد الشهداء ابو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) بسخاء غريب، وكان لابد من الدموع الشريفة، وقد قدمتها زينب مع حالات من التفجع والحنين والوحشة والغربة والاسر والسفر المضني ... ولكن ذلك هو الذي حفظ آثار النهضة الحسينية المباركه التي انبثقت حفاظاً على الرسالة من تمزيقها بأيدي المحرفين المنحرفين.
لنرى كيف حفظت (سلام الله عليها) آثار هذه النهضة وهي تعود الى مدينة جدها المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وذلك من خلال حوارنا مع الشيخ باقر الصادقي:
*******
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم وسلام على شيخنا الكريم سماحة الشيخ باقر الصادقي.
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وتعالى وبركاته.
المذيع: سماحة الشيخ فيما يرتبط بالعقيلة زينب (سلام الله عليها) والمستفاد من سيرتها عند عودتها الى كربلاء بعد مسيرة السبي الى الشام وما جرى فيها، ما هي ملامح موقفها عند عودتها الى كربلاء وزيارة قبور الشهداء؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، كما هو المتعارف عند اهل الفن ان السيدة الحوراء زينب (سلام الله عليها) لما رجعت مع زين العابدين وبقية السبايا واخبرها الامام (سلام الله عليه) انها على مشارف مفترق ثلاث طرق، طريق يؤدي الى المدينة وطريق يؤدي الى كربلاء فعرف منها الرغبة لتجدد العهد باخيها الحسين فقالت قل للدليل يمر بنا على ارض كربلاء وكأنما ارادت ان تشير الى اهمية زيارة الامام الحسين وما اعد الله عزوجل لزائر الحسين باعتبار هي في الحقيقة شخصية على معرفة تامة بمقام الحسين وما اعد الله عزوجل لزوار الحسين وكأنما هنالك حق من جملة الحقوق على هذه الامة وهذا حق مكتسب من القرآن الكريم «قل لا أسألكم عليه اجراً الا المودة في القربى» وانه الحسين هو ابن رسول الله ومن تمام اداء الحق والوفاء بالعهد هو تجديد وزيارة القبر وتجديد العهد به فعرج الدليل بالامام ومجموعة السبايا الى ارض كربلاء وبقوا ثلاثة ايام في ارض كربلاء وهم في حالة من النياحة والحزن، هاجت بهم الذكريات والاحزان، وكانت حالة العقيلة زينب تقوم من قبر وتجلس عند قبر آخر حتى رأيت ان سألوا الامام زين العابدين (عليه السلام) ما اكثر حبك لابيك الحسين وما اقل مكوثك بارض كربلاء فكان جواب الامام قال اني ارى مالاترون، اني كنت اخشى على عمتي الحوراء زينب من ان تموت اذا بقيت اكثر من ثلاثة ايام من شدة حزنها ووجدها على ابي عبد الله، طبعاً هذا الحزن والوجد والبكاء لاينافي الصبر الذي تمثلت به الحوراء زينب عند مواطن الصبر امام الطغاة وخطبتها في الشام وخطبتها في الكوفة، هذا في الحقيقة نوع من الرحمة التي اودعها الله في قلوب اولياءه ومن تمام هذه الرحمة انه الانسان يسكب الدموع كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما فقد ابراهيم ولده تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب تبارك وتعالى فبمعرفتها بمقام الحسين ومنزلة الحسين عند الله وعند الرسول وهكذا جرى عليه ما جرى من حقها ان تعبر عن احاسيسها ومشاعرها وما يلج في داخلها من آلام بالنسبة لما جرى على ابي عبد الله الحسين (عليه السلام).
المذيع: هل يمكن القول ان متاعب السفر وما جرى من مصائب عليها في مسيرة السبي لم يمنعها من القيام بواجب احياء ذكرى سيد الشهداء من خلال اقامة مجالس العزاء ومن خلال زيارته (عليه السلام)؟
الشيخ باقر الصادقي: بلاشك هذه من جملة الامور التي تمثل بشكل غير مباشر دعت الامة الى احياء هذه الذكرى والاهتمام بكل شيء يظهر مظلومية الامام الحسين، ذكرنا في الحلقة السابقة ان من جملة ما يتبغيه الامام الحسين من جلب العلويات وعلى الخصوص الحوراء زينب ان يظهر ظلامة اهل البيت وظلامة الامام الحسين وكان في تجديد العزاء الوقوف عند القبر والبكاء عند القبر احياء لهذا الامر خصوصاً انه وكما وردت في بعض الروايات كان ورود جابر بن عبد الله الانصاري متزامناً مع ورودهم فتلاقوا بالاحزان والبكاء ومنها صارت نوع من السنة والعادة عند المؤمنين بل صارت علامات المؤمنين كما في رواية الامام الحسن العسكري (عليه السلام) ان تشد الرحال الى زيارة قبر الحسين في هذه المناسبة.
المذيع: سماحة الشيخ باقر الصادقي شكراً جزيلاً.
*******
لم تسافر زينب الكبرى الا اسفاراً مقدسة، كان منها سفرها مع اخيها الحسين سيد شباب اهل الجنة، صحبته في سفره الخطير صحبة من تقصد ان تشاطره في انقاذ الدين، وتؤازره في ترويج الاسلام الحنيف، وتتحمل المسؤليات العظمى بعناء عظيم.
وكان من اسفارها (سلام الله عليها) سفرها الى الكوفة، فدخلتها اول مرة مع والدها امير المؤمنين (عليه السلام) في عهد خلافته في موكب المعالي محاطةً بهيبة البيت النبوي الشريف... ثم دخلتها بعد واقعة عاشوراء اسيرةً مربقةً هي ومن معها بالحبال على جمال عجف، وهي حزينة القلب كسيرة الخاطر باكية الطرف هزيلة البدن، بعد ان فارقت الاعزة وتكفلت بالاطفال اليتامي والنساء الارامل، والايامي الثواكل، ولفيف من الصغار يستغيثون من الجوع والعطش، يحيط بهم أجلاف بني امية لا يعاملونهم الا بالقسوة والشتم والارعاب.
اجل لم تكن اسفار العقيلة زينب (عليها السلام) الا في طاعة الله ومرضاته، متحملةً كل ما جرى عليها وعلى اهلها من البلاءات والشدائد... فهي حين رأت اخاها الحسين عازماً على السفر من الحجاز الى العراق استأذنت زوجها عبد الله بن جعفر الطيار في مصاحبة اخيها الحسين (سلام الله عليه) في سفره الالهي ذاك، فاذن لها زوجها، ودفع ولديه بين يديها لتقدمهما مجاهدين بين يدي الامام الحسين... فانتقلت الى بيت اخيها وتأهبت للخروج معه.
وخرجت زينب العقيلة... ولما نزل الامام الحسين (عليه السلام) الخزيمية اقام بها يوماً وليلة، فلما اصبح اقبلت اليه اخته المكرمة زينب تقول له: يا اخي، الا اخبرك بشيء سمعته البارحة؟!
قال لها: وما ذاك يا اختاه؟
قالت: اني سمعت الليلة هاتفاً يقول:
الا يا عين فآحتفظي بجهد
ومن يبكي على الشهداء بعدي!
على قوم تسوقهم المنايا
بمقدار الى انجاز وعد
فقال لها الحسين (عليه السلام): يا اختاه، كل الذي قضي فهو كائن... فلما سمعت ذلك زينب ايقنت بنزول البلاء، فآغرورقت عيناها بالدموع، واخذت تسكن على نفسها مخافة ان يحس بذلك احد من العيال!
فسلام على قلب زينب الصبور، ولسانها الشكور وسلام على من تظافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب.
*******