انا لست ممن هاجني
ذكر المعاهد والدمن
بل انما ابكي لرزء
طبق الدنيا شجن
رزء أذاب حشاشي
مهما له قلبي فطن
مثل العقيلة زينب
يحدو بها حادي الظعن!
ساروا بها فوق الجمال
وبكتفها شدوا الشطن
واذا بكت عين لها
في منكبيها السوط حن
ترنو بعينيها الجسوم
علىالبسيطة ترتهن
رأت الحسين مجدلاً
ما بينها دامي البدن
رضت قراه امية
برحىعداه بها طحن
والجسم منه درية
لسهام عابدة الوثن
متلفعاً بدمسائه
بين الاسنة مرتهن
عريان تنسج في العرا
سافي الرياح له كفن
ملقيً على وجه الثرى
أبكي الفرائض والسنن
أأخي كيف نساق أسرى
في السهول وفي الحزن
أأخي رأسك قد سروا
فيه على رمح علن
يتلو الكتاب مرتلاً
آياته بين الظعن
أأخي بعدك قد رأت
عيني مرنات المحن
تتطلب الرسالة الالهية احياناً بذلاً وعطاءاً، وأرواحاً ودماءاً زاخرة، لكي تستمر وتمتد الى الاجيال اللاحقة، ولكنها احياناً اخرى قد تتطلب هجرةً وتغرباً ومفارقةً للأهل والوطن، وحملاً للدين الى ديار اخرى ربما تكون بعيدة الشقة، ثقيلة المشقة! وفي ذلك الرحيل تكون الآلام والمصائب، فلابد من الصبر على قضاء الله - تبارك وتعالى-، والرضى والتسليم لأمر الله - جل وعلا-، والانتظار للفرج الراحم الذي سينزله الله وهو ارحم الراحمين.
الثانية، في وفد كانت معه أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وأم قنيع من بني سلمة، ومرةً الى المدينة لاداء البيعة الخاصة، وقد نزل فيهن آية المبايعة قوله تعالى: «يا ايها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن»، ومن بينهن كانت (سبيعة بنت الحارث السلمية - ام حكيم) وام سلمة بعد حين وقبلها زينب ربيبة النبي نخسها مشرك في الطريق فأسقطت جنينها! وسيدة النساء المهاجرات كانت فاطمة الزهراء بنت المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وكان منها فاطمة بنت اسد (رضوان الله عليها) ام اميرالمؤمنين علي وزوجة ابي طالب سيد البطحاء (عليهما السلام).
ومن الهجرات الرسالية الشريفة هجرة العقيلة المكرمة زينب بنت علي (عليهما السلام)، التي شدت رحال السفرالى كربلاء تعاضد اخاها وامام زمانها ابا عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة، وتؤازره في مهمته الالهية، ولتكون في خدمته وطاعته، تتلقى وصاياه، وتصبر على أداء تكاليفه، ولتعاني من بعده اشد المحن والنوائب في مسيرة الطف وفي هذا المسير الشريف كانت هجرة خليل الرحمن ابراهيم (عليه السلام)، وكذا هجرة موسى الكليم (عليه السلام)، وهجرة النبي المعظم محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)... اذ كانت من مكة موطنه وبلدة صباه واسرته، الى المدينة التي نورها الله سبحانه بقدومه المبارك.... ثم تبعه وصيه المرتضى علي بن ابي طالب (عليه السلام) تصطحبه الفواطم من آل الرسول.
ولم تكن الهجرة الدينية مقتصرةً على الرجال، فقد حدثنا القرآن الكريم والتاريخ الصادق عن رحيل (سارة) زوجة النبي ابراهيم الخليل (سلام الله عليه) الى واد غير ذي زرع، فبورك عليه وفيه، ثم أصبحت مكة عامرةً باسماعيل (عليه السلام)، ورزقها الله تعالى من الثمرات وجعل فيها الأمن ومناسك الحج الشريفة. كما حدثتنا الاخبار الموثقة عن هجرة جمع من النساء المسلمات التحقن برسول الله (صلى الله عليه وآله)، مرةً الى مكة لأداء بيعة العقبة المفجعة وأسفارها المريرة الى الكوفة والشام، ثم الى كربلاء فالمدينة! فعاشت تلك المشاهد بصبر عجيب، ورضىً بقضاء الله تعالى، وجلادة ابدتها في وجوه الظالمين.. وللهجرة الزينبية خصوصية مهمة هي انها ارتبطت بالمشيئة الالهية مباشرة كما يتضح ذلك من حوارنا التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي.
*******
المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلاً بكم احباءنا في هذه الفقرة من فقرات البرنامج معكم على خط الهاتف سماحة الشيخ باقر الصادقي، السلام عليكم سماحة الشيخ.
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع: سماحة الشيخ فيما يرتبط بنهضة سيد الشهداء هنالك كلمة له (سلام الله عليه) فيها تعبير خاص، شاء الله ان يراني قتيلا وشاء الله ان يراهن سبايا، خاطب بها بعض الذين لم يقتنعوا بحمله عيالات آل محمد (صلى الله عليه وآله) معه في هذا السفر، ما هي مداليل هذه الكلمة، شاء الله ان يراهن سبايا؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، لعل اول ما يأتي في الذهن من هذه المقولة هناك هدف اعلامي كأنما كان يصبوا اليه الامام الحسين (عليه السلام) من خلال صحب العلويات وخصوصاً الحوراء زينب (سلام الله عليها) ولان ثورة الحسين تتألف من فصلين رئيسيين، الاول هو فصل الدماء والتضحية التي قام بها الامام الحسين واصحابه واهل بيته هذه، والفصل الثاني الجانب الاعلامي، يعني الدموع الناطقة التي تكشف اسرار تلك الدماء، فالثورة تحتاج الى فم يتكلم ولسان يعبر لماذا اريقت تلك الدماء فكان ذلك اللسان هو لسان الحوراء زينب وكان الصوت المدوي هو صوتها، اخرجه الحسين لان لايتعرض للخنق وتذهب اهداف الثورة هباءً بفعل تضليل الدعاية الاموية وتخديرها للجماهير المسلمة، وقفت ابنة امير المؤمنين (عليهما السلام) تهزأ بطاغية الكوفة وتحطم كبرياءه ببيانها الصائب عندما تعرض لها شامتاً كيف رأيت صنع الله في اخيك والعتاة المردة من اهل بيتك، فانتفضت ابنة الزهراء كاللبوة الجريحة التي تدافع عن اشبالها قائلة بكل رزانة، ما رأيت الى جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يابن مرجانة وكذلك وقفت تدك جبروت يزيد وتضعه تحت قدميها وتسدد من منطقها صواعق حارقة، والله مافريت الا جلدك وما حززت الا لحمك وهل رأيك الا فند وجمعك الا بدد وايامك الا عدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين ولان جرت عليّ الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى هذا في الحقيقة الهدف الاول، هدف الجانب الاعلامي الذي يطمح من وراءه الامام الحسين حتى تكون مكملة لنهضته.
المذيع: عفواً سماحة الشيخ، الشيخ كاشف الغطاء رحمة الله عليه في كتابه الارض والتربة الحسينية ولعله السياسة الحسينية يشير الى ان الارتباط بين المشيئة الالهية وبين قضية حمل السبايا بالخصوص وهو ما تعنت عنه كما يقول البعض تعريض النساء الى السبي يقول ان المشيئة الالهية تشير الى ان الامر اكبر من ما يمكن ان تتصوره الاذهان ما رأيكم بهذا؟
الشيخ باقر الصادقي: هو هذا الصحيح لان سأوضح الهدف الثاني في حمله، الهدف الثاني اراد الامام الحسين ايضاح الخطر الرهيب المحيط بصميم الفكر الاسلامي والمحدق بعقيدة الامة لنفسها والقضاء عليها والممارسات الجاهلية التي يمارسها الجهاز الاموي الحاكم آنذاك وذلك من خلال اخراجه يعني الامام الحسين اخراجه لحملة جماعية شاملة، تشمل النساء والاطفال الذي لاتتوفر بهم عادة شروط الجهاد في سبيل الله لكن لان هذا الموقف كأنما في حالة دفاع عن الاسلام وكأنما بيضة الاسلام في خطر فهنا الموقف ينبغي ان يكون تستخرج كل ما في الجهد من قوة ومن وسع ومن طاقة حتى لو كان امرأة او كان الطفل الذي لم يبلغ الحلم من اجل الدفاع عن الاسلام وبلاد المسلمين والدفاع عن النفس والمال والعرق بل الدفاع عن الحق المطلق بشكل عام فلذلك انما الامام الحسين اراد ان يبين الخطر المحدق بالمسلمين نتيجة تسلط يزيد على دفع الحكم وكرامات المسلمين ومقدساتهم تعرضت للانتهاك، عشرة آلاف قتيل في واقعة الحرة من ضمنهم سبعمائة صحابي، الدماء تهدر، الاموال تصادر، الكرامات تسحق فأكثر من هذا الخطر، انما اراد الامام الحسين ان يبين الخطر المحدق بالامة الاسلامية وبالاسلام الكبير.
المذيع: يحتاج الى كل الطاقات، سماحة الشيخ الوقت المخصص لهذه الفقرة انتهى شكراً جزيلاً على ما تفضلتم به.
*******
وختاماً اعزاءنا ما اجدرنا بان نزور مولاتنا زينب بنظائر هذه العبارات:
"السلام على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرة الابية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية. السلام على من اطاعت الله تعالى في السر والعلن، وتحدث بمواقفها اهل النفاق والفتن. السلام على من ارهبت الطغاة في صلابتها، وادهشت العقول برباطة جأشها، ومثلت اباها علياً بشجاعتها، واشبهت امها الزهراء في عظمتها وبلاغتها...
السلام على من حباها الجليل جل اسمه بالصفات الحميدة، وزادها قوةً وثباتاً على الدين والعقيدة، وشد الله عزمها في مواطن المحن الشديدة، والهمها جميل الصبر، واكرمها جزيل الاجر".
*******