زينب العقيلة، حفيدة المصطفى .. حين ولدت اقبل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذها في حجره، واختار اسمها بوحي من الله تعالى، وهنأه جبرئيل بولادة هذه البنت الطاهرة زهرة مونقة طلعت في منبت الوحي الطيب، ففاح عبيرها في أرجاء البيت العلوي، وقد شوهد النبي (صلى الله عليه وآله) وقد اخضلت لحيت المباركة بالدموع، لعلمه بما ستواجهه هذه المولودة من مآس هائلة، لكن ستتحملها بكل صبر وسلوى... ثم أدناها من فمه الشريف فامتصت زينب لسان جدها المصطفى مستفيضةً من ذلك المنبع الطاهر المتفجر عن المعارف والأذكار القدسية، فاغتذت بغذاء العلم والفضل والكرامة والاخلاق الرفيعة، ونشأت نشأةً قدسية ونمت نمواً روحانياً.
درجت زينب بنت علي بين الخمسة اهل البيت اصحاب الكساء، وفي ظلالهم النورانية الزاكية، حتى شربت من رحيق الفضائل والمزايا والمكرمات والخصائص الشريفة جميعها، اذ المورد الذي عاشت فيه زينب العقيلة مبدأ فياض هو بيت النبوة والرسالة، ومهبط الوحي ومعدن الرحمة وخزين العلم والخلق الالهي السامق... فكان لها ما كان من: علو الشأن وقوة القلب ونصرة الحق، وتجلببت جلابيب الجلال والبهاء، وحازت المكارم وتكاملت في بيت غمر العالم بأنوار، اذ سحت عليه سماء النبوة بفيوض ربانية، وعطور ايمانية عبادية، فبلغت زينب شأناً لا يبلغ في العفاف والحلم والكرم، والزهد والتضحية والمواساة... وجميع الخصال الكريمة.. نستضيء ببعض اشعة هذه الخصال في حوارنا التالي مع الشيخ باقر الصادقي.
*******
المذيع: سلام من الله عليكم احباءنا مني اطيب تحية لكم ولضيف البرنامج سماحة الشيخ الصادقي. من الاخلاق البارزة التي تجلت في سيرة السيدة زينب (عليها السلام) هي قضية الصبر الجميل، هنالك صبر والصبر الجميل كما تعلمون انه اعلى مراتب الصبر فما هي ملامح هذا الصبر في سيرة السيدة العقيلة زينب (عليها السلام).
الشيخ علي الصادقي: طبعاً نقرأ في الخبر والحديث بالنسبة للصبر الجميل سألوا المعصوم (عليه السلام) ما هو الصبر الجميل قال هو صبر من دون شكوى يعني انه وفعلاً الحوراء زينب صبرت ولم تشتكي ابداً يعني سلمت الامر الى الله - عزوجل- وفوضت امورها الى الله ولم يسمع منها تضجر بل كانت صابرة محتسبة، الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد يعني من خلال صبر الحوراء نعرف ايمان الحوراء الذي كانت تمتلكه والا مثل هذه المصيبة العظيمة التي نزلت بساحتها فقدت اخوتها اثنين من اولادها في بعض النصوص التاريخية انها قدمتهما من اجل الرسالة ومن اجل الاسلام ومن اجل المعتقد ومع ذلك لم يسمع منها اي شيء بالعكس كانت حينما يخاطبها اللعين ارأيت كيف صنع الله بأخيك الحسين فكانت تقول ما رأيت الا جميلاً وهذا من اعلى مراتب الصبر، او مثلاً تأتي الى جثمان اخيها الحسين وترفعه قليلاً الى السماء وتقول الهي تقبل منا هذا القربان هذه اشارة واضحة الى الصبر الذي تمتعت به الحوراء زينب ثم هذا المسير من كربلاء الى الكوفة ومن الكوفه الى الشام ولم يسمع منها اي شيء بل العكس انها قامت بمسؤليات وواجبات مع ذلك كانت في هذا السفر وكما ينقل ارباب السير والتاريخ انها ما تركت تهجدها الليلي وهذا ان دل على شيء انما يدل على الصبر، يدل على الطاعة لان الصبر على ثلاث اقسام صبر على الطاعة وصبر على المصيبة وصبر على المعصية فهذا في الحقيقة يقول الامام زين العابدين وهو يتحدث عن عمته الحوراء زينب يقول ماتركت تهجدها الليلي حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم.
المذيع: عندما يصبر الانسان حتى لو تصيبه مصيبة قد يصبر عليها ولكن صبره على المصيبة يقترن بحالة من الضعف والقضايا وهذا الضعف بطبيعة الحال يذهله عن بعض الامور.
الشيخ علي الصادقي: احسنتم كما هو معروف عن كثير من الناس اذا اصيب بمصيبة ممكن ان يحافظ على الواجب وربما يذهل عنه لفترة او يؤخره عن وقته وهذه الحوراء (عليها السلام) هي اضافة الى الفرائض النوافل ملتزمة بها، انا رأيت رواية انه في مقربة من الشام رمقها الامام زين العابدين وهي تصلي صلاة الليل من جلوس ولم يعهدها على هذه الحالة فقال لها عمة مالي اراك تصلي صلاة الليل من جلوس قالت على الضعف الذي نزل بي، يعني قرص من الشعير تجود به الى يتامى ابي عبد الله والجسد يتأثر يعني والجسد يحتاج لكن الروح قوية ومتصلة بالله - عزوجل- لذلك كانت لا تقطع صلاة الليل بل تصليها ولكن تصليها من جلوس كما تعرفون بالنسبة للنافلة يجوز للانسان حتى في حال الاختيار ان يصليها وان دل على شيء فيدل على صبرها هكذا بالنسبة الى هذا الصبر في مواطن القتال والصبر على البأساء، الحقيقة صبرها بالنسبة الى مجابهة الطغاة والاعداء كيزيد ضربت المثل الاسمى في الشجاعة والوقوف بكل بسالة امام طواغيت العصر منهم عبيد الله بن زياد في الكوفة ويزيد في الشام فلم تنكسر ولم تنثني بل الى ان اعترف هو بالنتيجة الى ان اضطر ان يخرجهم من الشام لحدوث نوع من الضجة والصيحة على يزيد.
*******
نتابع تقديم الحلقة الخامسة من برنامج اخلاق زينبية بالانتقال الى الاستاذ حسن قاسم في كتابه (زينب الكبرى)، حيث قال فيه:
السيدة الطاهرة الزكية: زينب بنت الامام علي بن أبي طالب ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله زينب شقيقة ريحانتي الرسول، كان لها اشرف نسب، واجل حسب، وأكمل نفس وأطهر قلب، فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل، فالمستجلي اثارها يتمثل امام عينيه رمز الحق ورمز الفضيلة، ورمز الشجاعة ورمز المروءة، وفصاحة اللسان، وقوة الجنان هي زينب مثال الزهد والورع، ومثال العفاف والشهامة ان في ذلك لعبرة.
ثم أضاف يقول: لئن كان في النساء شهيرات، فالسيدة زينب اولاهن، واذا عدت الفضائل فضيلةً فضيلة.. من وفاء وسخاء، وصدق وصفاء، وشجاعة واباء، وعلم وعبادة، وعفة وزهادة، فزينب أقوى مثال للفضيلة بكل مظاهرها.
ونبقى مع الاستاذ حسن قاسم في مؤلفه الكريم (زينب الكبرى) حيث نقرأ في بعض صفحاته هذه الفقرة الواعية:
ان اشتهار فضائل زينب، والآثار المروية فيها وعنها في كتب التاريخ، ليغني عن التوسع في ترجمتها الشريفة. وبوجه اجمالي: زينب... هي ينبوع فضائل باقية الذكر، ولا عجب ان عدت المثل الاعلى لرمز الحق ومثال الفضيلة... وشأن الحق ان يستمر، كما شأن الفضيلة ان تشتهر. وقد طبع آل علي على الصدق ... حتى كأنهم لا يعرفون غيره، وفطروا على الحق... فلا يتخطونه قيد شعرة فهم مع الحق، والحق معهم ... يدور حيثما داروا. ولقد كانت معركة اخيها الحسين المظهر الاتم للحق، وكانت زينب من هذه النهضة داعيةً للحق، هاتفةً باسمه، ونور الحق لا يطفأ، وروح الصدق لاتبيد.
عقيلة اهل بيت الوحي بنت الـ
ـوصي المرتضى مولى الموالي
شقيقة سبطي المختار من قد
سمت شرفاً على هام الهلال
حكت خير الأنام علىً وفخراً
وحيدر في الفصيح من المقال
وفاطم عفةً وتقىً ومجداً
واخلاقاً... وفي كرم الخلال
ربيبة عصمة طهرت وطابت
وفاقت في الصفات وفي الفعال
وكانت في المصلى اذ تناجي
وتدعو الله بالدمع المذال
ملائكة السماء على دعاها
تؤمن في خضوع وابتهال
لها تنمى المكارم حيث كانت
وفيها ينتهي شرف الخصال
بأنوار النبوة قد كساها
وقار الوحي هيبة ذي الجلال
وابهة الامامة جلببتها
جلابيب الفضائل والمعالي
لها في هامة الجوزاء بيت
رفيع الشأن سامي القدر عالي
بناه المصطفى وحمى حماه
بأنفسها الزكية خير آل
محل مهبط الأملاك فيه
تنزه عن مثيل أو مثال
به اللاجي يلوذ من الدواهي
على ما فيه من بعد المنال
فعافت كل ما ملكت يداها
لوجه الله من نشب ومال
وشاركت الحسين بكل خطب
يهد الراسيات من الجبال
*******