يا ابا عبد الله اني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، الى يوم القيامة، ولعن الله آل زياد وآل مروان، ولعن الله بني امية قاطبة، ولعن الله ابن مرجانة، ولعن الله عمر بن سعد، ولعن الله شمراً، ولعن الله امة اسرجت والجمت وتنقبت لقتالك.
تواردت الاخبار حتى كانت فصولاً وكتباً تحكي عن مؤشرات واضحة للعنة الالهية المنصبة على الظالمين، وعن الانذارات الجبارية بالانتقام من القتلة المجرمين السفاكين، المنتهكين لحرمات رب العالمين، وحرمات سيد الانبياء والمرسلين، في آله الاولياء الميامين.
فقد سلط الله تبارك وتعالى المختار بن ابي عبيدة الثقفي على قتلة ابي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، حيث ظهر بالكوفة في ربيع الآخر سنة ست وستين من الهجرة الشريفة، فنهض بحرب أباد فيها من تبقى من جيش عبيد الله بن زياد ممن شارك في قتل سيد الشهداء عليه السلام، واعمل سيفهم قتلاً وتقطيعاً اذ رآهم مفسدين في الارض بعد الذي سمعه من وقعة عاشوراء في طف كربلاء، وما كان منهم من قطع الرؤوس وقتل الاطفال، والتمثيل بالجسد المقدس لسيد شباب اهل الجنة، حتى قال الامام زين العابدين علي بن الحسين فيه: جزى الله المختار خيراً وقال الامام الباقر محمد بن علي فيه: لا تسبوا المختار، فانه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وقال ايضاً بعد ان ترحم عليه: ما ترك لنا حقاً عند احد الا طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا.
اجل اذ حصد الرؤوس الخائنة الغادرة، فقتل عبيد الله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وحرملة بن كاهل الاسدي، وخولي بن يزيد الاصبحي، وعدداً من المجرمين المعروفين، اضافة الى ثمانية عشر الفاً من قتلة الحسين ممن ضربوا وطعنوا ورموا، وشاركوا واعانوا وتنقبوا واكثروا السواد على الحسين وآل الحسين، ثم سلبوا ونهبوا وسبوا حريم رسول الله وعيالاته، ومخدرات الوحي والرسالة وربيبات بيت النبوة والقرآن.
وتبقى للمصاب الحسيني الفجيع آيات وآيات، لم يسلم بعدها متجاوز على حرم الله تبارك وتعالى فيكتب ابن حجر الهيتمي الشافعي على الصفحة 118 من كتابه الصواعق المحرقة يقول: لما وضع رأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد، انشد احد القتلة يخاطبه:
املأ ركابي فضة او ذهبا
فقد قتلت السيد المحجبا
ومن يصلي القبلتين في الصبا
وخيرهم اذ يذكرون النسبا
قتلت خير الناس اماً وابا
فغضب ابن زياد - وكأنه احرج - من قوله:
فقال له: اذا علمت ذلك فلم قتلته؟! والله لا نلت مني خيراً، ولا لحقنك به ثم ضرب عنقه!
وكتب ابن عساكر الدمشقي الشافعي، في مؤلفه الشهير تاريخ مدينة دمشق ج4 ص340 من طبعة روضة الشام، قال:
قال الحجاج بن يوسف الثقفي يوماً: من كان له بلاء فليقم فقام قوم يذكرون خدمتهم لبني امية، ثم قام سنان بن انس فقال: انا قاتل الحسين! ثم رجع سنان الى منزله فاعتقل لسانه، وذهب عقله، فكان يأكل ويحدث نجاسته في مكانه!
وروى الطبراني في المعجم الكبير وعن: الخوارزمي الحنفي في مقتل الحسين ج2ص87 من طبعة الغري، وابن حجر الهيتمي الشافعي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9ص196 من طبعة مكتبة القدسي بالقاهرة.
عن حاجب عبيد الله بن زياد قال: دخلت القصر خلف عبيد الله بن زياد حين قتل الحسين، فاضطرم في وجهه نار، فقال هكذا بكمه على وجهه.
فقال لي: وقد التفت الي هل رأيت؟
قلت: نعم، فأمرني ان اكتم ذلك.
وقال الترمذي في صحيحه ج13 ص197 من طبعة الصادي بمصر، حدثنا واصل بن عبد الاعلى، عن ابي معاوية، عن الاعمش، عن عمارة بن عير قال: لما جيء براس عبيد الله بن زياد واصحابه أي بعد ان قتلهم المختار نضدت في المسجد في ارحبة، فانتهيت اليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت فاذا حية جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيئة ثم خرجت فذهب حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت ففعلت ذلك مرتين او ثلاثاً.
وروى ذلك الخوارزمي في مقتل الحسين ج2 ص84 بسند آخر، فيما رواه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص192 طبعة القاهرة عن عمارة بن عمر انه قال: لما جيء براس عبيد الله بن زياد، والقيت تلك الرؤوس في رحبة المسجد، صار كل من دخل يقول: خاب عبيد الله واصحابه، وخسروا دنياهم وآخرتهم، ثم تباكى الناس حتى انتحبوا من البكاء على الحسين واولاده واصحابه، فبينما الناس كذلك اذ جاءت حية سوداء فدخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيهة ثم خرجت فغابت ثم جاءت فدخلت منخريه ثانياً، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات من بين تلك الرؤوس والناس يقولون: قد خاب عبيد الله واصحابه وخسروا!
روى ذلك ايضاً اكثر من عشرة من علماء اهل السنة في عيون مؤلفاتهم منهم: المحب الطبري في ذخائر العقبى ص128، وابن الاثير الجزري في جامع الاصول، والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين ص220، والعيني في عمده القاري ج16 ص241، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص321 والذهبي الحنبلي في سير اعلام النبلاء ج3 ص359 طبعة دار المعارف بمصر وغرهم. «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»!
*******