ومضى ربيط الجأش يعترض
الصفوف فأدبرت مذ هالها إقباله
وتحوطه من آل هاشم فتية
للأفق منهم بدره وهلاله
من كل أروع ذي مضاء في الورى
قد قل مشبه وعزّ مثاله
حتى قضوا بشبا السيوف ظواميا
والنقع جُرّت فوقهم أذياله
فغدا فريدا ً سبط أحمد بعدهم
ترميه من جيش العدوّ نباله
أجل، وذلك بعد شهادة الاصحاب والاحباب، ومن لم ير الامام الحسين (سلام الله عليه) أوفى منهم ولا أوصل، وكان فيهم ابن اخته رقية بنت أمير المؤمنين (عليه السلام)، ذلك هو عبد الله بن مسلم بن عقيل رضوان الله عليهم.
أبوه مسلم، ابن عم الحسين وثقته، ومبعوثه وسفيره الى الكوفة، وكان له من ابنة عمه رقية بنت الامام علي أولاد نجباء، أوفياء، ثم شهداء. أحدهم عبد الله والآخر محمد وكان له طفلان هربا الى الكوفة، ثم قتلا في قصة مؤلمة، هما: احمد وابراهيم. كذا كانت له ابنة تدعى باسمين: خديجة، أو حميدة. ذاقت أمر اليتم والاسر معاً بعد شهادة أبيها مسلم وخالها أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه.
*******
وكانت زينب بنت امير المؤمنين (سلام الله عليها) وريثة الهاشميين في الدفاع عن عيالاتهم في موكب السبي الرهيب الى الطاغية يزيد، وموقفهما الجدير كل الجدراة في أن نقف عنده قبل ان نتابع الحديث عن شهيد هذه الحلقة من برنامج آل هاشم في طف كربلاء وهو عبد الله بن مسلم بن عقيل (سلام الله عليه)، إذن لما يقوله خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي في الحديث الهاتفي التالي:
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين حبيب اله العالمين ابي القاسم محمد واله الطاهرين.
موضوع الحلقة دور الحوراء زينب بعد واقعة الطف يعني بعد يوم عاشوراء، بلاشك هناك عدة ادوار قامت بها الحوراء زينب، الدور الاول هو نشر مظلومية الامام الحسين وان بني امية حاولوا ان يطمسوا معالم هذه الثورة وحتى تذهب الدماء هدراً لكن موقف الحوراء زينب كان هو اللسان المدوي الذي وقف بوجه الطغاة، امام عبيد الله بن زياد حينما قال لها أرأيت ما صنع الله بأخيك الحسين؟
قالت: ما رأيت الا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليه القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم وتحاد وتخاصم، انظر لمن الفرج يومئذ، ثكلتك امك يابن مرجانة.
وهكذا وصفت امام الطاغية يزيد وعبرت بما فيها وقالت: يا يزيد كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولاتميت وحينا وهل رأيك الا فنداً وجمعك الا عدداً. الى ان قالت يوم ينادي المنادي أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
في الحقيقة احد الادوار هو فضح الطغاة والوقوف في وجوههم وتبيين حقيقتهم امام الملأ، اما الدور الثاني هو المحافظة على الامام زين العابدين وقد نقلنا في الحلقة الماضية وفي مجلس عبيد الله بن زياد لما اراد ان يقتل الامام كذلك اكبت بنفسها عليه وقالت يابن زياد حسبك ما اخذت من دماءنا، ان كنت عزمت على قتله فأقتلني قبله او اقتلني معه فقال عجباً للرحم، ودت ان تقتل دونه، اتركوه بما به، هذا الدور الثاني اما الدور الثالث الذي قامت به الحوراء زينب هو في الحقيقة المحافظة على طفل الحسين وعلى عيال الحسين وايتام الحسين، الدور الرابع الذي قامت به الحوراء زينب كانت حلقة وصل بعد شهادة الحسين بين الشيعة وبين الامام زين العابدين لأن العلوم التي كانت تخرج بالسر عن الامام زين العابدين للشيعة للعالم كانت تظهر بشكل واضح عن الحوراء زينب حفظاً على الامام زين العابدين وفي ذلك رواية رواها الشيخ الصدوق اعلا الله مقامه في كتاب اكمال الدين واتمام النعمة قال: بمن تقتدي الشيعة بعد فقد الامام الحسن العسكري؟
قال: بالجدة.
قال: نقتدي بأمرأة؟
فقال الامام اقتداءاً بزينب يوم عاشوراء بعد شهادة الحسين فكانت العلوم تخرج بالسر عن الامام زين العابدين وتنتشر عن الحوراء زينب. سلام عليك يا عقيلة الطالبيين، سلام عليك بما صبرت واحتسبت فنعم عقبى الدار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
*******
حديثنا عن بطل هاشمي غيور هو عبد الله بن مسلم بن عقيل سلام الله عليهما. فكيف كانت قصة استشهاده؟
بعد رحيل الشهيد مسلم بن عقيل عليه الرضوان الى الكوفة، وبعثه برسالة تخبر عن أول حال اهلها وتلهفهم الى قدوم الامام الحسين (عليه السلام)، احتف آل هاشم من آل ابي طالب حول ابن عمهم سيد شباب اهل الجنة يؤازرونه، ويعاضدونه، وينصرونه. فرحلوا معه نحو العراق، وفي الطريق، في منزل من منازل السفر واسمه (زرود)، بين الثعلبية والخزيمية، جاء الخبر بغدر اهل الكوفة بمسلم واستشهاده مع هاني بن عروة رضوان الله عليهما، فاسترجع ابو عبد الله الحسين كثيراً وترحم عليهما مراراً وبكى وبكى معه الهاشميون، وكثر صراخ النساء حتى ارتج الموضع، فقال عبد الله بن سليم والمنذر بن المشتمعل الأسديان للإمام الحسين: ننشدك الله يا ابن رسول الله الا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر! لكنّ آل عقيل نهضوا نهضة رجل ٍ واحد، وقالوا لسيدهم وإمامهم: لا نبرح حتى حتى ندرك ثأرنا، أو نذوق ماذاق أخونا (مسلم).
فنظر اليهم الحسين (سلام الله عليه) ثم قال: لا خير في العيش بعد هؤلاء.
والثأر في الاسلام هو إنزال العقاب بالخونة والغدرة والمنافقين والمحاربين، وليس هو انتصار للانساب والدماء، وإن كان أولياء الدم اولى من غيرهم.
وزحف آل عقيل بن ابي طالب مع الامام الحسين الى كربلاء، لازموه ملازمة الاوفياء الغيارى على عزم وإخلاص وإباء.
فلما كان يوم عاشوراء، وكان لا بد من المنازلة والمبارزة والمقاتلة، تقدّم بنو هاشم الى ساحة المعركة، فأبى الاصحاب إلا أن يُضحوا بوجودهم أولاً، حيث لم يطيقوا أن يُقتل أحد من آل ابي طالب وهم أحياء. فلما استشهدوا جميعاً تقدم شبل الحسين ومهجة قلبه أبو الحسن علي الاكبر (سلام الله عليه) فاستشهد في مواقف مفجعة. بعده تقدم ولد طيب نجيب من اولاد مسلم، ذلك هو: عبد الله بن مسلم، فبرز الى ساحة المعركة، وحمل ـ بمفرده ـ على جموع جيش عمر بن سعد وهو يرتجز قائلاً:
اليوم ألقى (مسلماً) وهو أبي
وعُصبة ً بادوا على دين النبي
ليسوا بقوم عُرفوا بالكذب
لكن خيار وكرام النسب
من هاشم السادات أهل النسب
فقاتل وهو يجول ويصول، حتى قتل جماعة في ثلاث حملات، ومازال يبارزهم وحده حتى قتل عدداً كبيراً من عسكر عمر بن سعد، فما كان من الجبناء الا وسيلة واحدة، ألا وهي الغدر.
تفاوتت شهادة عبد الله بن مسلم بن عقيل في كتب المقاتل بين الايجاز والتفصيل، وبين التصوير الخاطف واستعراض المشاهد بوضوح:
فيكتب الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين): قتله عمرو بن صبيح: نقلاً عن المدائني، ورواية عن حميد بن مسلم المؤرخ الصحفي، ذاكراً أن سهما أصابه وهو واضع يده على جبهته، فأثبتها في جبينه.
ويروي الشيخ المجلسي عن المؤرخ محمد بن أبي طالب الموسوي من مقتله أن عبد الله بن مسلم قاتل في ثلاث حملات، ثم قتله: عمرو بن صبيح الصيداوي، وأسد بن مالك.
هذا، فيما نقل الشيخ السماويّ في كتابه (إبصار العين في أنصار الحسين) عن حميد بن مسلم هذا النص: رمى عمرة بن صبيح الصدائي عبد الله بن مسلم وهو مقبل عليه، فأراد جبهته، فوضع عبد الله يده على جبهته يتقي بها السهم، فسمر السهم يده على جبهته، فأراد تحريكها فلم يستطع، ثم انتحى عمرو بسهم آخر ففلق قلبه، فوقع صريعاً.
لكن السيد ابراهيم الميانجيّ يروي عبارة اخرى في نهاية المصرع، فيقول في كتابه (العيون العبرى): ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله (سلام الله عليه).
وأخيراً مع السيد المقرم الموسوي وهو يكتب في (مقتل الحسين (عليه السلام) أو حديث كربلاء ): ورماه يزيد بن الرقاد الجهنيّ بسهم، فاتقاه عبد الله بن مسلم بيده فسمرها الى جبهته فما استطاع أن يزيلها عن جبهته، فقال: اللهم انهم استقلونا،واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا. وبينما هو على هذا، إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه ومات، فجاء اليه يزيد بن الرقاد وأخرج سهمه من جبهته، فبقي النصل فيها وهو ميت.
ويأتي النص الشريف في السلام عليه في زيارات لعامة الشهداء. "السلام على الشهداء من ولد جعفر وعقيل". وعليه خصوصاً من الحجة المهدي المنتظر (سلام الله عليه): "السلام على القتيل، عبد الله بن مسلم بن عقيل".
*******