صبحته من خير الرجال جماعة
غرّ .. فطاب الصحب والمصحوب
من كلّ فياض الندى، سم العدى
تاج الفخار برأسه معصوب
طلاب غايات يقصر دونها
سعي السعاة، وللكمال كسوب
غيث المحول هم فإن نزلوا على
ربع ٍ .. فمرعاه الجديب خصيب
آساد ملحمةٍ، ضراغم غابة
لهم بنازلة الوغى ترحيب
يمنيهم عمرو العلاء وشيبة
الحمد المعظم قدره المنخوب
أشبال حيدرةٍ، وإبنا جعفر ٍ
وبنو عقيل ٍ.. كلهم يعسوب
بعد شهادة الاصحاب، رضوان الله تعالى عليهم، لم يبق مع الامام الحسين عليه الا أهل بيته، وقد عزموا جميعاً على ملاقاة الحتوف ببأس شديد، وحفاظ ٍ مرّ ٍ ونفوس أبية، فأقبل بعضهم يودّع بعضاً، وأول من تقدم أبو الحسن علي الاكبر (سلام الله عليه)، حتى إذا استشهد توالى آل أبي طالب في حملةٍ واحدة وفرادى.
كان منهم جعفر ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، أمه المرأة الجليلة الفاضلة (أم البنين) فاطمة بنت حزام، المنحدرة عن الاصول النجبية والاعراق النبيلة الشجاعة وقد كان لها من أمير المؤمنين أربعة اولاد: العباس، وعبد الله، وعثمان، وجعفر. كلهم استشهدوا بين يدي أخيهم أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)، وكانت أم البنين قد ربتهم على حبّ آل بيت النبوة والرسالة، وعلى الاعتقاد بولايتهم، كما شجعتهم على نصرتهم؛ إذ هم أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهم أحق الناس بخلافته والامامة من بعده.
ولد جعفر بن أمير المؤمنين بعد أخيه عثمان بنحو سنتين، وبقي مع أبيه نحو سنتين، ومع اخيه الحسن نحو اثنتي عشر سنة، ومع أخيه الحسين نحو إحدى وعشرين سنة، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) سماه (جعفراً) باسم اخيه الشهيد جعفر الطيار؛ لحبه له، وتخليداً لذكراه.
وكان رحيل الامام الحسين الى ارض الشهادة، الى طف كربلاء، فاحتفّ حوله اخوته من أبيه العباس وإخوته، يعاضدونه، ويؤازرونه، وينصرونه. وكان يوم عاشوراء، فأراد بنو هاشم أن يتقدموا للمبارزة والقتال، فأبى الاصحاب أن يكونوا أحياءاً وآل أبي طالب يُقتلون فتقدموا حتى استشهدوا جميعاً، رضوان الله تعالى عليهم جميعاً. عندها تقدم بنو هاشم فاستشهد عدد كبير منهم تقدمهم عبد الله بن مسلم بن عقيل. فلما رأى أبو الفضل العباس كثرة القتلى من أهله، قال لإخوته من امه وأبيه: عبد الله وعثمان وجعفر: تقدموا يا بني اميّ حتى أراكم نصحتم لله ورسوله. فقاتلوا بين يدي أخيهم أبي الفضل يشجعهم ويرفع معنوياتهم حتى استشهدوا جميعاً، سلام الله عليهم جميعاً.
نعمّا قرابين الاله
مجزرين على الفرات
خير البرية أن يكون
الهدي من زمر الهداة
من بعد ما قضوا الصلاة
قضوا فداء ً للصلاة
ولقد تجلت روح الوفاء والولاء الحق بأعلى مراتبها في أولاد السيدة الجليلة مولاتنا أم البنين (سلام الله عليها) مثلما تجلت فيهم سائر خصال المحمديين التي ربتهم عليها أمهم زوجة سيد الوصيين وأمير المؤمنين (عليهم السلام).
*******
المزيد من تفصيلات هذه الحقيقة نتلمسه في كلام خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي في الحديث الهاتفي التالي:
المحاور: لقد تجلت روح الوفاء والولاء الحق باعلى مراتبها في اولاد السيدة الجليلة مولاتنا أم البنين (سلام الله عليها)، مثلما تجلت فيهم سائر خصال المحمديين التي ربتهم عليها امهم زوجة سيد الوصيين وامير المؤمنين (عليه السلام)، وللمزيد من تفصيلات هذه الحقيقة نتلمسه في كلام خطيب المنبر الحسيني فضيلة الشيخ باقر الصادقي؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، هناك شخصية جليلة لها حق علينا لابد ان نذكرها ونثني عليها ونثني على ابنائها الشهداء الا وهي السيد الجليلة فاطمة بنت حزام العامرية الكلابية المكناة بأم البنين، أم العباس واخوته، هذه المرأة التي ربت اولادها على محبة ابناء فاطمة الزهراء ابناء رسول الله وقد جسدت الحديث الوارد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) على احسن وجه، حينما روي عن النبي لا يؤمن احدكم حتى تكون ذاتي احب اليه من ذاته، وعترتي احب اليه من عترته، فقد جسدت أم البنين هذا الحديث واقعاً عملاً، وكانت قد علمت اولادها على تقديم ابناء الرسول على انفسهم، وبدت ثمار هذه التفدية واضحة وجلية في يوم عاشوراء حينما وصل ابا الفضل العباس الى المشرعة احس ببرودة الماء همَّ ان يشرب لكنه رماه وقال يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنتي او تكوني، هكذا بالنسبة الى عبد الله وجعفر وعثمان، هؤلاء قدموا انفسهم رخيصة حينما سمعوا نداء قمر العشيرة يقول لهم تقدموا حتى اراكم نصحتم لله ولرسوله وحتى اردأ بكم، فتقدموا بين يدي الامام الحسين وضحوا بانفسهم الى ان سقطوا شهداء قد ضرجوا بدمائهم الزاكية، نعم ولكن التاريخ للاسف بعض الكتّاب الذي لم يحترموا انفسهم ولم يؤدوا الامانة حوروا هذه الكلمات الى كلام آخر، كأن العباس (سلام الله عليه) قال لهم تقدموا حتى ارثكم فانه لا ولد لكم، هذا في الحقيقة كلام بعيد عن الصحة كل البعد، وهل كان يفكر العباس في المال وفي الارث، اليس قد صمم على الشهادة، اليس قد اقبل على اخيه الحسين وهو يريد ان يلحق بالشهداء ويقول لقد سئمت الحياة، نعم انها الاقلام المأجورة، فؤلاء جزاهم الله خيراً وجزا الله امهم على هذه التربية السيدة الجليلة فاطمة الذين سقطوا فداءاً للاسلام ولامام زمانهم وهو الامام الحسين، فسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياء، ورزقنا الله تعالى في الدنيا زيارتهم وفي الاخرة شفاعتهم آمين رب العالمين.
شكراً للشيخ باقر الصادقي لمشاركته في هذه الحلقة من برنامج "آل هاشم في طف كربلاء"، وهي الحلقة السادسة عشرة وحديثنا فيها عن استشهاد اخوة ابا الفضل العباس (عليه السلام) من امه أم البنين (سلام الله عليها)، ومواقفهم يوم عاشوراء العظيمة.
*******
شكراً لسماحة الشيخ باقر الصادقي على مشاركته في هذه الحلقة من برنامج آل هاشم في طف كربلاء وهي الحلقة السادسة عشر وحديثنا فيها عن استشهاد أخوة ابي الفضل العباس (عليه السلام) من امه أم البنين (سلام الله عليها) ومواقفهم يوم عاشوراء العظيم كان اول من تقدم من اخوة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام): عبد الله، ثم تقدم جعفر. وقيل: لما قتل أخوا أبي الفضل العباس لأبيه وأمه: عبد الله وعثمان، دعا جعفراً وقال له: تقدم الى الحرب حتى أراك قتيلاً فأحتسبك كما احتسبتهما. فتقدم جعفر بن أمير المؤمنين وهو يرتجز يقول:
إني أنا جعفر ذو المعالي
ابن علي الخير ذي النوال
ذاك الوصيّ ذو السنا والوالي
حسبي بعمري شرفاً وخالي
وبرز رضوان الله عليه الى ساحة القتال وحده، بعد أن استأذن أخاه الحسين، فقاتل أعداء الله، ونصر ولي الله، وجاهد في سبيل الله، وهو يلاقي جموعاً من الغدرة والمنافقين، والمنقلبين على اعقابهم من أجل أطماع دنيوية تافهة، يتمنونها مقابل قتل آل رسول الله وذريته الابرار!
ويواجه جعفر بن الامام عليّ عشرات ومئات الرجال، أحاطوا به، فقاتلهم قتال الابطال بشهامة وشجاعة وغيرة وإباء، حتى نال الشرف الاسمى بالشهادة بين يدي أخيه الامام الحسين (عليه السلام)، مضمخا ً بدمه، صريعاً بين بني هاشم والنخبة الطيّبة من أهل بيت المصطفى (صلى الله عليه وآله)، الذين يزارون يوم عاشوراء بهذه العبارات الشريفة: "السلام على الشهداء من ولد أمير المؤمنين، السلام على الشهداء من ولد الحسن، السلام على الشهداء من ولد الحسين، السلام على الشهداء من ولد جعفر وعقيل".
أما قاتل جعفر بن الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في كربلاء، فقد اختلف فيه؛ وذلك لتعدد من ضربه أو طعنه أو رماه، حتى ظنّ ان قاتله هو: هاني بن ثبيت الحضرميّ، أو خولي بن يزيد الاصبحيّ عليهما لعائن الله.
روى أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين)، عن نصر بن مزاحم أنّ خولي الاصبحي هو الذي قتل جعفراً، فيما ذكر ابو مخنف (كما ذكر السماويّ في ابصار العين في أنصار الحسين) أن قاتله هو هاني بن ثبيت، بعد أن كان جعفر قد قتل أخا هاني، فشد عليه هاني منتقماً، فقتله. أما المجلسي، فيميل الى الرأي الاولّ فيقول: ثم قاتل جعفر. فرماه خولي الاصبحي فأصاب شقيقته أو عينه.
هذا وكان لجعفر من العمر يوم استشهد تسع عشرة سنة أو إحدى وعشرون سنة، أو أكثر بقليل. فسلام عليه من الله جل وعلا في الشهداء، وسلام عليه في السعداء، وسلام عليه من الامام المهدي خاتم الاوصياء حيث خصّه في زيارته لشهداء كربلاء، يوم عاشوراء، بهذه العبارات الشريفة: "السلام على جعفر بن أمير المؤمنين، الصابر بنفسه محتسباً، والنائي عن الاوطان مغترباً، المستسلم للقتال، المستقدم للنزال، المكثور بالرّجال، لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرميّ".
*******