لهفي لآل محمدٍ لهفاً به
يذكي لهيب النار في أحشائي
السابقون .. فليس يدرك شأوهم
يوم الفخار بحلبة العلياء
والضاربون على السماك قبابهم
والواطئون لهامة الجوزاء
يذكر التاريخ أن ابا الفضل العباس بن أمير امير المؤمنين عليهما السلام جمع اخوته من أمه وأبيه: عبد الله وجعفراً وعثمان، وذلك يوم عاشوراء، في طف كربلاء، فقال لهم: "يا بني امي، بنفسي أنتم، حاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه، وأراكم قد نصحتم لله ولرسوله".
فتقدم عبد الله بن علي بن ابي طالب، ابن علم الاسلام الشامخ، وصاحب السبق الى المعالي والشرف الباذخ، أول من أسلم، والاتقى كان بعد رسول الله والاقضى والأعبد والاعلم. أما أم عبد الله، فهي أم البنين فاطمة بنت حزام، سليلة النجابة والكرم والشهامة، وحليلة العز والفضل والشجاعة.
وقد كان لها من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أربعة أولاد، قدمتهم بأجمعهم بين يدي إمامها سيد شباب أهل الجنة، أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)؛ ليكونوا شهداء أبراراً مكرمين.
ولد عبد الله بن الامام علي (عليه السلام) بعد أخيه العباس بنحو ثماني سنوات، فبقي مع أبيه ست سنين، ومع أخيه الحسن المجتبى (عليه السلام) ست عشرة سنة، ومع أخيه الحسين (سلام الله عليه) خمساً وعشرين سنة وهي مدة عمره رضوان الله عليه.
ولما كان من الامام الحسين (عليه السلام) عزمه على مغادرة مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله،كان عبد الله من أوائل الملتحقين المنضمين الى ركب كربلاء فلما كان يوم عاشوراء دعاه أبو الفضل العباس الى مجاهدة أعداء الله من فرق الغدر والخيانة والنفاق، الذين دعوا الحسين الى نصرتهم، فلما استجاب لدعوتهم نكثوا بيعتهم ومالوا عليه يقاتلونه بسيوفهم. وقد قيل بأن العباس (عليه السلام) قال لأخيه عبد الله: تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك.
فما كان من عبد الله بن أمير المؤمنين الا أن بادر بعد استئذانه أخاه الامام الحسين فتقدم الى ساحة المبارزة والمواجهة والقتال وحده، يقابل جموعاً وأفواجاً من الفرسان، يضرب فيهم بسيفه، ويجول حومة المنازلة وهو يرتجز قائلاً:
أنا ابن ذي النجدة والافضال
ذاك عليّ الخير في الفعال
سيف رسول الله ذو النكال
في كل قوم ظاهر الاهوال
حتى قتل عشرين رجلاً، لكن مقاتلة الجموع في ذلك الحر الشديد قد انهك قواه، حينها تقدم نحوه هاني بن ثبيت الحضرمي، فتبارزا، واختلفا بضربتين، ثم شدّ عليه هاني فضربه على أم رأسه فقتله. فسقط مضرجاً بدماء الشهادة، فسارع اليه العباس واخوته وحملوه من ساحة المعركة الى خيمة الشهداء رضوان الله عليه وكان له من العمر يوم استشهد خمس وعشرون سنة ـ كما ذكر الاصفهانيّ في (مقتل الطالبيين) ـ وأضاف: ولا عقب له.
وفي زيارة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لشهداء كربلاء يوم عاشوراء، نقرأ: "السلام على عبد الله بن أمير المؤمنين، مبلي البلاء، والمنادي بالولاء، في عرصة كربلاء، المضروب مقبلاً ومدبراً، لعن الله قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي".
*******
قبل متابعة الحديث عن باقي أولاد مولاتنا أم البنين (سلام الله عليه) الذين استشهدوا في كربلاء مع مولاهم الحسين (عليه السلام) نستمع الى الحديث الهاتفي التالي وفيه يبين خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي الخصائص المشتركة في مواقف هؤلاء العلويين الابرار يوم عاشوراء:
المحاور: ايها الاخوة الكرام نتابع الحديث عن اولاد مولاتنا ام البنين (سلام الله عليه) الذين استشهدوا في كربلاء مع مولاهم الحسين (عليه السلام)، نستمع الى حديث خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي، سماحة الشيخ ما هي الخصائص المشتركة في مواقف هؤلاء العلويين الابرار يوم عاشوراء؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، من جملة شهداء يوم عاشوراء شهداء كربلاء اخوة العباس ابناء السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام العامرية الكلابية ام البنين (سلام الله عليه)ا، هذه المرأة الصالحة المخلصة في محبتها وفي ولائها لاهل البيت عليهم السلام، انجبت لامير المؤمنين اربعة اولاد اولهم قمر العشيرة ابو الفضل العباس (سلام الله عليه) وعبد الله وجعفر وعثمان، الذي سماه امير المؤمنين محبة للرجل الذي كان يحبه الرسول وهو عثمان بن مضعون، هؤلاء لهم موقف مشرف يوم عاشوراء، حيث عرض على العباس كما عرض عليهم الامان بخروج الشمر وقال اين بنو اختنا اين العباس واخوته فلم يجيبوه فلما سمع كلامهم الحسين (عليه السلام) التفت اليهم وقال لهم اجيبوه ولو كان فاسقاً، اشارة الى الاهتمام بالرحم لان هناك رحم للشمر من جهة الاخوال، قالوا: ماذا تريد؟
قال: لكم الامان.
فقالوا في جوابه: اتؤمننا وابن رسول الله لا امان له فامان الله وامان رسوله خير من امان بن مرجانة، حقيقة هذا الموقف يكشف عن ايمان هؤلاء واستبسالهم واستعدادهم للتضحية في ذلك اليوم الرهيب الذي ازدلف فيه ثلاثون الفاً لقتال ابي عبد الله الحسين، سلام على عبد الله وسلام على الشهيد البطل عثمان وعلى جعفر ابناء امير المؤمنين من السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام العامرية الكلابية، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
لا زلنا معكم أعزاءنا إذاعة طهران في برنامج آل هاشم في طف كربلاء في حلقته الخامسة عشر وحديثنا فيها عن شهداء الملحمة الحسينية من ولد أم البنين (سلام الله عليه) وحديثنا فيها عن شهداء الملحمة الحسينية من ولد أم البنين (سلام الله عليه) وقد حدثنا مشكوراً سماحة الشيخ باقر الصادقي في الاتصال الهاتفي المتقدم عن نفحة من مواقفهم النبيلة في ذلك اليوم العظيم، وكان أولهم استشهاد مولانا عبد الله بن علي.
*******
وبعد عبد الله بن أمير المؤمنين برز الى القتال أخوه عثمان، الذي ورث من أبيه الغيرة والنصرة، ومن امه الوفاء والولاء، وقد ورد أن أباه علياً (عليه السلام) سُئل، أو انه بادر بالقول: إنما سميته عثمان؛ باسم أخي عثمان بن مظعون. نعم، ذلك الصحابي العابد، الحييّ الصالح الزاهد رضوان الله عليه، المدفون بالبقيع، وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله على رأس قبره حجراً علامة ً دالة عليه، وقد قبله رسول الله بعد وفاته، ولما توفي ابراهيم بن رسول الله، قال له صلى الله عليه وآله: "إلحق بسلفك الصالح، عثمان بن مظعون".
وعثمان بن امير المؤمنين التحق بركب إمام زمانه، أبي عبد الله الحسين وهو راحل الى ساحة الشهادة. بعد أن عاش مع أبيه نحو اربع سنوات ومع أخيه الحسن المجتبى نحو اربع عشرة سنة، ومع أخيه الحسين (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة ـ وهي مدة عمره عند شهادته.
وقيل: كان له من العمر يوم قتل احدى وعشرون سنة.
وكان يوم عاشوراء. فتقدم عبد الله بن أمير المؤمنين، فقاتل قتال الابطال حتى استشهد، فتقدم بعده أخوه عثمان متوجهاً اولاً الى أخيه أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه يستأذنه ويوّدعه. فلما أراد البراز قال له اخوه العباس يشحذ همته، ويشد عزمه: تقدم يا أخي.
فبرز الى ساحة المعركة يواجه الجموع مصلتاً سيفه، يقابلهم لوحده وهو يقول:
شيخي عليّ ذو الفعال الظاهر
وابن عم للنبي الطاهر
أخي حسين خيرة الأخاير
وسيد الكبار والاصاغر
بعد الرسول والوصي الناصر
واشتبك عثمان بن أمير المؤمنين مع عسكر عمر بن سعد، فقتل منهم أحد عشر رجلاً، وأوقع فيهم عدداً من الجرحى، فأحاطوا به من كل جانب وهو وحيد، لكنه شدّ عليهم مرة أخرى فقتل خمسة منهم، فحملوا عليه بالسهام والحجارة عن بعد حتى تمكنوا من اصابته، فسقط من فرسه، وقيل: رماه خوليّ ين يزيد الاصبحيّ لعنه الله بسهم فوقع في جبينه، فأضعفه نزفه، وشدّ عليه رجل من بني دارم فقتله واحتز رأسه!
فسلام عليه من الله ورسوله وأئمة الهدى، ومن الامام المهدي إذ يقول: "السلام على عثمان بن أمير المؤمنين، سميّ عثمان بن مظعون، لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الاصبحيّ الإيادي، والأباني الدارميّ".
*******