سقتك دماً يا ابن عم الحسين
مدامع شيعتك السافحة
ولا برحت هاطلات العيون
تحييك غادية رائحة
فوا حرّ قلباه من غلةٍ
بصدرك نيرانها لافحة
لأنك لم ترو من شربةٍ
ثناياك فيها غدت طائحة
رموك من القصر إذ أوثقوك
فما سلمت فيك من جارحه
وسحبا ً تُجرّ بأسواقهم
ألست أميرهم البارحة!
قالت ولم تبكك الباكيات
أمالك في المصر من نائحة!
قتلت ولم تدر كم في زرود
عليك العشية من صائحة!
وكم طفلة لك قد أعولت
وجمرتها في الحشا فادحة
يعززها السبط في حجره
لتغدو في قربه فارحة
فأوجعها قلبها لوعة
أحست بنكبتها القارحة
تقول: مضى عمّ مني أبي
فمن ليتيمته النائحة!
بعد أن بقي مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) وحيداً في الكوفة، حيث أسلمه الناس وخذلوه، آوته طوعة، تلك المؤمنة الموالية، لكن ابنها وشى به عند عبيد الله بن زياد، فبعث اليه ابن الاشعث في سبعين من الرجالة المقاتلين، لكنهم عجزوا عن قتله، وكانت فيهم مقتلة منكرة، حيث ذكرتهم شجاعة مسلم بشجاعة عمه أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه. رغم أن مسلماً قد أثخنته الجراح وأعياه نزف الدماء، فلجأ القوم الى مكرين: الخبث والغدر، فتحاملوا عليه يرمونه بالسهام والحجارة من بعيد، معبرين عن جبنهم وانهزامهم عن منازلة مسلم بالسيف وهو وحده وهم جمع عديد يحيطون به من كل جانب، وقد أخذوا يشعلون رزم قصب النار ثم يرمونها عليه من أعلى سطوح البيوت، فصاح مسلم بهم: مالكم ترموني بالحجارة كما ترمى الكفار؟! وأنا من أهل بيت الانبياء الابرار، ألا ترعون حقّ رسول الله في عترته؟!
وكأن مسلم بن عقيل يذكرهم بقول رسول الله صلى الله عليه وآله لعليّ (عليه السلام) في عقيل: وإن ولده (أي مسلم) لمقتول في محبة ولدك (أي الحسين (عليه السلام))، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلي عليه الملائكة المقربون.
ثم بكى صلى الله عليه وآله وقال: الى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي!
*******
وهذا الحديث الشريف روته عدة من المصادر المعتبرة وهو يحمل دلالات متعددة في بيان مقام ثقة الحسين وسفيره ورائد ملحمته الخالدة مولانا مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) يحدثنا عبر الهاتف عن بعض هذه الدلالات خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادق:
المحاور: ايها الاخوة والاخوات وهذا الحديث الشريف روته عدة من المصادر المعتبرة وهو يحمل دلالات متعددة في بيان مقام ثقة الحسين وسفيره ورائد ملحمته الخالدة مولانا مسلم بن عقيل سلام الله، يحدثنا عن بعض هذه الدلالات خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي.
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين، في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): يا علي اني لاحب عقيل حبين حب له وحب لحب ابي طالب له، وان ولده لمقتول في محبة ولدك الحسين، تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي، في هذا الحديث الشريف بعض النكات والاشارات اشير لها على التوالي باختصار:
الاشارة الاولى: محبة النبي لعقيل ولحب ابي طالب، لعقيل هذا يكشف عن سلامة ايمان ابي طالب وان ابا طالب كان مؤمناً والا لا يعقل ان النبي يحب من لم يمت على الايمان، وهذه قضية عقائدية طالما نؤكد عليها لانها من جملة الامور المهمة وان سلسلة آباء الانبياء والاوصياء هي سلسلة طاهرة موحدة لله تبارك وتعالى، لا تجد قوماً يؤمنون بالله وباليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله، فكيف يحب النبي صلى الله عليه وآله من حاد الله ورسوله حاشاه.
النقطة الثانية: ان ولده لمقتول في محبة ولدك الحسين هذه الاضافة تكشف عن ان مسلم في اثناء الحديث الذي تحدث مع امير المؤمنين كان قد ولد وربما من القرائن التي تؤكد ذلك ان مسلم قد شارك في معركة عام عشرين للهجرة وكان آمراً على سرية ولا يكون كذلك الا ان يكون له من العمر خمسة عشر سنة فما فوق، وهذا يؤيد على انه كان من اتراب الامام الحسين لذلك قال وان ولده هذا فيها اشارة الا انه كان قد ولد مسلم بن عقيل، اضف الى ان مسلم في يوم صفين كانت له مشاركة كما كان للحسن وللحسين، ففي يوم صفين في بعض النصوص ان مسلم بن عقيل كان قد شارك ولا يعقل اذا كان عمره صغيراً.
النقطة الثالثة: تدمع عليه عيون المؤمنين فيها اشارة للانسان المؤمن الذي يبكي على مصاب مسلم بن عقيل، وربما قد تأسى بموقف النبي ان النبي بكى وبكاء النبي فيه نوع من الاشارة لان فعل المعصوم وقوله وتقريره حجة، فبكاء النبي قبل ان يستشهد مسلم يقول بكى وقال الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي، هذا يستحسن بنا نحن حينما نسمع مصاب مسلم بن عقيل او مصاب ابناء الرسول ان نتأثر ونحزن ونبكي كما بكى رسول الله صلى الله عليه وآله، فما بكى الرسول على الحسين قبل ان يستشهد هكذا، نحن يستحسن لنا ويستحب لنا ان نبكي على مصاب الحسين خصوصاً بعد شهادته وما جرى عليه من الظلم، وهكذا على الشهيد البطل مسلم بن عقيل، النقطة الرابعة تصلي عليه الملائكة المقربون، وصلاة الملائكة بلا شك تزكية وهذا يكشف عن المنزلة السامية للشهيد مسلم بن عقيل، ثم من جملة الاشارات وتصلي عليه الملائكة المقربون وبكاء النبي نوع من الشيء الذي يضفي على التفاعل مع مظلومية الشهيد البطل، آسف لضيق الوقت وان هناك اشارات كان في ودي ان اشير لها، لا يسعني الا ان اقف خاشعاً امام هذه الشخصية العظيمة باب الحوائج مسلم بن عقيل، سيدنا جئنا ببضاعة مزجات فاوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزي المتصدقين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين.
شكراً لضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي على هذه التوضيحات وشكراً لكم حيث تتواصلون وهذا اللقاء وهي الحلقة الرابعة عشرة من برنامج "آل هاشم في طف كربلاء".
*******
شكراً لخبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي على هذه التوضيحات وشكراً لكم أعزاءنا إذاعة طهران على حسن المتابعة للحلقة الرابعة عشر من برنامج "آل هاشم في طف كربلاء".
وها نحن نتابع قصة استشهاد سفير الحسين وثقته مولانا مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) غدراً على أيدي العلوج الاموية أما الغدر بمسلم بن عقيل، فقد تبناه محمد بن الاشعث في موقفين:
نادى فيه على مسلم: لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي.
فأجابه مسلم: أأوسر وبي طاقة؟! لا والله، لا يكون ذلك أبداً! وحمل على ابن الاشعث يريد قتله، لكن ابن الاشعث هرب منه، ثم حمل أصحابه على مسلم من كل جانب، وقد اشتد به العطش، فطعنه رجل غادر من خلفه، فسقط الى الارض وأسر.
وقيل: إن محمد بن الاشعث كان قال له: لك الامان يا فتى لا تقتل نفسك، إنك لا تُكذب ولا تخدع ولا تغرّ. إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك، ولا ضاربيك. فلم يلتفت مسلم بن عقيل الى ذلك، فتكاثروا عليه بعد أن اثخن بالجراح وقيل: أنهم عملوا له حفيرة ً وستروها بالتراب ثم انكشفوا بين يديه، حتى إذا وقع فيها اسروه.
ولما انتزعوا سيفه دمعت عيناه، فقيل له: إن الذي يطلب ما تطلب لن يبكي إذا نزل به ما نزل بك!
فأجاب: مالنفسي بكيت، ولكنيّ بكيت لحسين، وآل الحسين أبكي على اهلي القادمين.
وقدم له الماء، لكن كلما أراد أن يشرب الماء أمتلأ القدح دماً، حتى سقطت فيه ثنايا فمه، فتركه وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربته.
وادخل مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد فلم يسلم، قال له الحرسيّ: ألا تسلم على الامير!
فأجابه مسلم: اسكت، إنه ليس لي بأمير.
فقال ابن زياد له: سلمت أو لم تسلم، إنك مقتول، فأجابه مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني وبعد، فإنك لا تدع سوء القتلة، ولاقبح المثلة، وخبث السريرة، ولؤم الغلبة لأحدٍ أولى بها منك!
وطاش ابن زياد بحماقته المعهودة، فقال لمسلم: لقد خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة!
فأجابه مسلم: كذبت، إنما شق العصا معاوية وابنه يزيد، والفتنة القحها ابوك، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يد شرّ بريّته.
فصرخ ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه، ثم اتبعوا جسده رأسه!
أين هذا الذي ضرب ابن عقيل راسه بالسيف وعاتقه؟!
فدُعي، فقال له: اصعد، فكن أنت الذي تضرب عنقه. فصعد به ومسلم يُكبر ويستغفر، ويصليّ ويسبح، ثم استأذن أن يصلي لله ركعتين، قام بعدهما فسلم من أعلى القصر على سيده وإمامه ومولاه الحسين، فقدم فقتل (سلام الله عليه).
ثم أمر عبيد الله بن زياد بسحب مسلم وهاني بن عروة بالحبال من أرجلهما في الاسواق، وصلبهما بالكناسة منكوسين، ثم قطع رأسيهما وبعث بهما الى يزيد بن معاوية ليتشفى بقتلهما، فنصبهما يزيد على دربٍ من دروب دمشق ـ كما يذكر ابو الفداء في (تاريخه)، وابن كثير في (البداية والنهاية) ولفّت المزابل يزيد بن معاوية وأباه، وعبيد الله بن زيادٍ واباه. فيما شمخت قباب مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وشهداء الطف الميامين تزهو ليل نهار، معالم للحق والهدى، والنبل والشهامة، والإباء والشرف والكرامة.
وحزن الامام الحسين بشهادة ابن عمه مسلم، لكن الجنان والحور العين ومن قبلها رسول الله وأهل بيته، فرحوا بقدومه عليهم، حيث مقاعد الصدق عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ.
*******