وتبادرت آساد عترة هاشم
شبان فخر ٍ دارعون وشيب
وتقدم الشبل العلي بكفه
ماضي القرار الابيض المشطوب
من اشبه الهادي النبيّ بخلقه
وبخُلقه، وبه الجلال مهوب
لما رآه ابوه أرسل عبرة ً
يجري لها في خده شؤبوب
فمضى يكرّ على الألوف وللظما
ما بين أحناء الضلوع لهيب
ثم انثنى لابيه يشكو من ظماً
مُضن، ومن ثقل الحديد يلوب
أبنيّ وا غوثاه، أين الماء ؟! فاصبر
فالاله مراقب وحسيب
قاتل، فمن قرب تلاقي أحمداً
من كفه كأس الروا مشروب
فمضى عليّ للقتال، فجاءه
سهم لئيم للفؤاد مصيب
وتعاورته سيوفهم فقضى ومن
دمه المطهر جسمه مخضوب
أبتاه ها جدّي سقاني كفه
كأساً، يلذ شرابها ويطيب
نادى الحسين هنا لكم فتيانه:
شيلوا أخاكم فاحملوه وأوبُوا
وضعوه قدام الخيام، وزينب
خرجت ومدمعها عليه صبيب
يا زينة الشبان عزّ عليّ أن
تلفى وإنك بالدماء خضيب
نحن نلتقيكم في حلقة اخرى من حلقات برنامج آل هاشم في طف كربلاء، وحديثنا فيه عن قصة استشهاد فتى الحسين علي الاكبر عليهما السلام وقد استمعتم اليها مجملة بلغة الشعر في الابيات الرقيقة التي قرأناها لكم آنفاً.
*******
ومن ضيف البرنامج خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي، نستمع عبر الهاتف الى نبذة من مقامات مولانا علي الاكبر سلام الله عليه في النصوص الشريفة.
المحاور: والان مع ضيف البرنامج خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي نستمع الى نبذة من مقامات مولانا علي الاكبر سلام الله عليه في النصوص الشريفة.
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد في زيارة علي الاكبر لابي انت وامي من مذبوح بغير جرم، لابي انت وامي دمه المرتقى الى حبيب الله ولم تسقط منه قطرة، حسب الظاهر من خلال بعض النصوص ان لعلي الاكبر منزلة سامية عالية نستكشفها من خلال بعض النصوص، النص الاول لما اراد علي الاكبر ان يبرز الى الميدان اعتنقه الامام الحسين وودعه ونظر اليه نظرة آيس منه وارخى عينيه بالدموع ولكنه استشهد بهذه الآية «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، الامام الحسين معصوم وحكيم والحكيم يضع الشيء في موضعه، لماذا قرأ آية الاصطفاء؟
بعض العلماء يقول يمكن ان يستفيد العصمة غير الواجبة من خلال هذا الموقف لعلي الاكبر لاستشهاد الحسين انه يشير الى ان ولده معصوم لكن ليست بالعصمة الواجبة، هناك عصمة واجبة وهناك عصمة غير واجبة، النص الثاني حينما نظرن اليه النسوة ويريد البراز، صحنا في وجهه وبكين وقلنا يا علي ارحم غربتنا، فقال الحسين دعنه فانه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله، هذه الكلمة عند العلماء ممسوس في الله يعني ان علي الاكبر وصل في الحالات الروحية من القرب المعنوي، باعتبار ان بعض النصوص تشير الى ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب ممسوس في الله، وهذا في الحقيقة ان دل على شيء انما يدل على ان العبد في المقدار ما يكون عنده قرب الفرائض وقرب النوافل ما زال عبدي يتقرب اليَّ بالنوافل حتى احبه فاذا احببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، فاذن حسب الظاهر ان علي الاكبر وصل من الحالات الروحية والعرفانية الى درجة انه يعبر عنه الامام ممسوس في الله، النص الثالث الوارد في الزيارة الرجبية: (ما اكرم مقامك واشرف منقلبك، حيث الشرف كل الشرف في الغرف السامية من الجنة كما منَّ عليك من قبل وجعلك من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، هذه في الحقيقة نصوص تؤيد وتؤكد على المقام السامي الذي وصله علي الاكبر نجل الحسين سلام الله عليه، ويا ليت يسعفني المقام لان استشهد بمجموعة نصوص آخرى وردت في الزيارات التي تبين فضل ومقام ومنزلة علي الاكبر ابن الامام الحسين سلام الله عليه، فسلام عليك يا ابا الحسن يا علي الاكبر يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
شكراً لسماحة الشيخ الصادقي على مشاركته في هذه الحلقة من برنامج "آل هاشم في طف كربلاء"، وشكراً لكم اعزائنا على جميل المتابعة لهذا البرنامج.
*******
نبقى احباءنا مع قصة استشهاد أول الهاشميين مبادرة للقاء الله يوم عاشوراء شبيه المصطفى (صلى الله عليه وآله) خلقاً وخـُلقاً، ذلكم علي الاكبر، شبل الامام الحسين، وسليل جدّه هازم الاحزاب علي بن ابي طالب. قاتل في ساحة طفّ كربلاء، حتى اجهده الظمأ وثقل الحديد، وقد جابه العشرات فقتل فيهم مقتلة كبيرة ضجّ منها اهل الكوفة. فلما عاد الى ابيه الحسين صلوات الله عليه، لم يجد عنده الا دعاءً من قلب أبٍ رؤوف، ولسان جفّ حتى عاد كالخشبة اليابسة، فمصه، وأخذ منه خاتمه ليضعه تحت لسانه فيدّر عليه شيئاً من لعابه يتقوى بذلك على مجاهدة الاعداء وهم مئات مصطفون، بل آلاف متجمعون، قد ملئت أيديهم سلاحاً، وقلوبهم أحقاداً، لكنه سلام الله عليه عاد الى ساحة المعركة وهو مبتهج ببشارة أبيه الحسين: ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها. فاقتحم الصفوف مرة اخرى، وغبّر في وجوه القوم، حتى تحيروا أهو عليّ الاكبر يطرد الجموع، أم هو علي بن ابي طالب عاد يزأر في الميدان، فأكثر القتلى في اهل الكوفة حتى اكمل المئتين ـ كما ذكر الخوارزمي الحنفيّ في كتابه (مقتل الحسين (عليه السلام)).
وهاجت الدفائن الحاقدة في جيش عمر بن سعد، فقال مرة بن منقذ العبدي: عليّ آثام العرب إن لم اثكل أباه به !ّ فتقدم الى عليّ الاكبر على حين غفلة وغدرة، فطعنه بالرمح في ظهره، ثم ضربه بالسيف على مفرق رأسه ففلق هامته، حينها تجرأ الجبناء ليضربوه، فلم يكن من الاكبر الا أن يعتنق فرسه، فلا يعلم ذلك الفرس الى اين يذهب وقد سال الدم على عينه، فحمله الى عسكر ابن زياد، وهناك أحاط به القوم فقطعوه بسيوفهم اللئيمة الغادرة إرباً إرباً!
ولما بلغت روح عليّ الاكبر التراقي، نادى بما يطيق من نداء: يا ابتاه، هذا جديّ رسول الله قد سقاني بكأسه الاوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا، وهو يقول: العجل؛ فإن لك كأساً مذخورة. فصاح الحسين داعياً متفجعاً: "قتل الله قوماً قتلوك يا بنيّ، ما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفا".
ثم أتاه مُسرعاً فألقى بنفسه من اعلى فرسه على ولده ينكب عليه، ويضع خدّه على خده. وأخذ بكفه من دمه الطاهر فرمى به نحو السماء،فلم تسقط منه قطرة!
وتصاعدت العبرات واللوعات في صدر الحسين وهو يحتضن ولده ويشمه ويتفجع له.
وأحلّ رأس وليده في حجره
وانصاع يمسح عثير الغبراء
يا نبعة غذيتها بدم الحشا
وغرستها في روضةٍ غنّاء
ووقيتها لفح الهجير وحُطتها
باضالعي بدلاً من الاحناء
وقد جاء في زيارته (عليه السلام): "بأبي انت وأمي من مذبوح ومقتول من غير جرم! بأبي انت وأمي دمك المرتقى به الى حبيب الله! بأبي انت وامي من مقدم بين يدي ابيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه، يرفع دمك الى عنان السماء لا يرجع منه قطرة، ولا تسكن عليك من ابيك زفرة".
وأمر الحسين فتيانه أن يحملوا ولده الاكبر الى الفسطاط، إذ لا طاقة له حينها على حمل ولده، وحرائر بيت الوحي ينظرن اليه محمولاً قد جللته الدماء وقد وزع الضرب والطعن جثمانه، فاستقبلنه بالنياحة والعويل، وأمامهنّ عمته عقيلة بني هاشم زينب صارخة نادبة، فالقت بنفسها تضمه اليها مفجوعة ً به مذهولة بفقده!
وبقيت الاجساد الطاهرة على رمضاء كربلاء بلا دفن، حتى عاد اليها الامام علي بن الحسين صبيحة اليوم الثالث عشر من المحرّم ليدفنها، وفيها جسد اخيه عليّ الاكبر، فدفنه عند رجلي أبيه الحسين (عليه السلام).
وهنالك تتوالى عليه أكاليل الثناء من ائمة الهدى ترثيه وتزوره وتمجدّه، فيسمع عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله له: صل الله عليك ـ ثلاثاً، لعن الله من قتلك ـ ثلاثاً، أنا الى الله منهم برئ. سلام الله وسلام ملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته. السلام عليك يا ولي الله وابن وليه، السلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه، السلام عليك يا خليل الله وابن خليله. عشت سعيداً، ومت فقيداً، وقتلت مظلوماً، يا شهيد ابن الشهيد، عليك من الله السلام.
وجاء في زيارة الامام المهدي (عليه السلام) لعليّ الاكبر قوله: ""السلام عليك يا اول قتيل، من نسل خير سليل، من سلالة ابراهيم الخليل، صلى الله عليك وعلى أبيك...".
والى هنا ينتهي حديثنا عن قصة شهادة أول قتلى الطف من الهاشميين يوم عاشوراء مولانا علي الاكبر بن الحسين (عليهما السلام).
*******