حجر على عيني يمر بها الكرى
من بعد نازلة بعترة احمد
اقمار تم نالها خسف الردى
واغتالها بصروفه الومن الردي
شتى مصائبهم.. فبين مكابد
سما.. ومنحور.. وبين مصفد
سل كربلاء كم مهجة لمحمد
نهبت بها.. وكم استجذت من يد؟!
ولكم دم زاك اريق بها لكم
جثمان قدس بالسيوف مبدد!
وبها على صدر الحسين ترقرقت
عبراته حزنا لاكرم سيد
وعلي قدر من ذؤابة هاشم
عبقت شمائله بطيب المحتد
افديه من ريحانة ريانة
حفت بحر ظما وحر مهند
اعزاءنا ما يهم مؤمن وجهه شطر كربلاء، وقصد بقلبه قبر سبط رسول الله، وحام حول الضريح القدسي لسيد الشهداء، الا واتصل قلبه بقبر ملحق عند قدمي ابي عبد الله الحسين، انه قبر ولده علي الاكبر، مهجة قلبه، والذي كان له مؤزراَ كالظل لايفارقه، فكتب الله له ان يبقى مدى الدهر يرافقه، حتى في ضريحه، يستوقف عنده كل زائري الحسين تحت قبته، فيطوفون ويزورون، وكان شاعراَ هنالك يقول مناديا:
قف بي على ذاك الضريح الانور
بتفجع لنوى علي الاكبر
وضع الشفاه عليه وانشق تربه
نفحت بطيب شذى نسيم العنبر
لله قبر ضم منه ضريحه
مكنون لؤلؤة بعقد جوهر
انه علي الاكبر، ابن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، جده لابيه امير المؤمنين وسيد الوصيين، وجدته فاطمة سيد نساء العالمين، وجده الاعلى سيد الانبياء والمرسلين، محمد المصطفى صلى الله عليه واله اجمعين.
فيكون الامام الحسن المجتبى عمه، وكذا باقي اولاد امير المؤمنين، وتكون العقيلة زينب واخواتها عماته. اما امه فليلى الثقفية ابنة ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي. ولد في الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وثلاثين للهجرة، في رواية ثانية سنة ثلاث واربعين للهجرة وكانت ولادته في المدينة المنورة، فكني بابي الحسن، ولقب بالاكبر.
وكان الامام الحسين عليه السلام قد فجع ـ وهو صبي ـ بفقده لجده رسول الله صلى الله عليه واله، وبقيت لوعة الحزن عليه في قلبه الطاهر حتى وهبه الله تعالى عليا الاكبر، اذ كان ـ كما وصفه اهل بيته ـ اشبه الناس برسول الله خلقاً وخلقاً ومنطقاً، فهو مرآة الجمال النبوي المحمدي، ومثال خلقه الالهي، وكانوا اذا اشتاقوا الى رسول الله بعد وفاته نظروا الى علي الاكبر، لان محياه الشريف كان يحكي مُحيّا المصطفى ويُذكّر به، فأنس به والده الحسين وهو يرى في ولده صورة لجدّه رسول الله.
جمع الصفات الغرَّ وهي تراثه
من كلّ غطريف وشهم ٍ أصيد
في باس حمزة في شجاعة حيدرٍ
بابا الحسين، وفي مهابة أحمـد
وتراه في خلق وطيب خلائــق
وبليغ نُطق كالنبيّ محمد
*******
في الفقرة التالية من برنامج آل هاشم في طف كربلاء، ننقل الميكرفون الى خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي وحديث عبر الهاتف عن نشأة مولانا فتى الحسين الاكبر عليهما السلام ونفحة من مناقبه:
المحاور: والان مع خبير البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي وحديث عبر الهاتف عن نشأة مولانا فتى الحسين الاكبر عليهم السلام ونفحة من منافذه.
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، علي الاكبر بن الامام الحسين بن علي بن ابي طالب، لقب بالاكبر لانه اكبر اولاد الامام الحسين عليهم السلام، وامه ليلى، ويشهد لذلك بانه الاكبر رواية الامام زين العابدين عليه السلام حينما ادخلوه على عبيد الله بن زياد في الكوفة قال: ما اسمك؟
الامام قال: علي.
قال: أليس قتل الله علياً؟
قال الامام: كان اخ اكبر مني يدعى علياً قد قتلتموه.
قال: الله قتله؟
قال: الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الى آخر الآية، فاذن شهادة من الامام زين العابدين بانه اكبر اولاد الامام الحسين، ولد عام ۳۳ للهجرة واستشهد مع ابيه الحسين عام ٦۱ للهجرة، فيكون عمره يوم عاشوراء ۲۷ سنة، في حين كان عمر الامام زين العابدين ۲۳ سنة فاذن هو الاكبر، طبعاً علي الاكبر له مقام ومنزلة رفيعة وقد شهد له الامام الحسين وقول المعصوم حجة قال: اللهم اشهد على هؤلاء القوم فلقد برز اليهم غلام اشبه الناس برسولك خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وكنا اذا اشتقنا النظر في وجه رسول الله نظرنا في وجهه، فاذن هذه شهادة من الامام الحسين على انه شبيه الرسول صلى الله عليه وآله من ناحية الصورة الجسمانية لاعتبار ان النبي اجمل صورة خلقها الله عز وجل في عالم التكوين، واجمل منك لم ترى قط عيني واحسن منك لم تلد النساء، خلقت مبرأ عن كل عيب كأنك خلقت كما تشاء، هذا من ناحية، ومن ناحية كذلك الخلق، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، فبالاستعاضة يعني خلق علي الاكبر يشبه خلق جده النبي صلى الله عليه وآله، وكان رسول الله خلقه القرآن، فاذن علي الاكبر خلقه القرآن لانه شبيه الرسول، ومن ناحية المنطق القرآن يتحدث وما ينطق عن الهوى عن النبي صلى الله عليه وآله، وقال النبي وهو يتحدث عن نفسه: اني افصح من نطق بالضاط بيد اني من قريش، فاذن من ناحية المنطق كذلك علي الاكبر في الحقيقة منطقه يشبه منطق النبي وهذه الكلمة الحكيمة عن الامام الحسين تثبت لسيدنا علي الاكبر المنزلة السامية التي وصل اليها الشهيد السعيد علي الاكبر الذي كان يكنى بابي الحسن الشهيد المظلوم والذي قتل بين يدي ابيه الحسين وكان اول شهداء بني هاشم واول الشهداء الذين قدمهم الامام الحسين في يوم عاشواء، فسلام عليك يا ابا الحسن يا علي الاكبر يا نجل الحسين ايها الشهيد، السلام عليك ايها المظلوم وابن المظلوم ورحمة الله وبركاته.
وقد استمعتم اعزائنا الى حديث خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي عن بعض جوانب شخصية هذا الشهيد الجليل، فشكراً لسماحته وشكراً لكم على طيب الاصغاء، وها نحن نتابع تقديم البرنامج.
*******
نتابع ايها الاخوة والاخوات تقديم الحلقة الاولى من برنامج آل هاشم في طف كربلاء تستمعون اليها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
حديثنا في هذه الحلقة هو الفتى الهاشمي الغيور مولانا الشهيد علي الاكبر (سلام الله عليه) وقد استمعتم آنفاً لحديث خطيب المنبر الحسيني سماحة الشيخ باقر الصادقي عن بعض جوانب شخصية هذا الشهيد الجليل فشكراً لسماحته وشكراً لكم على طيب الاصغاء.
وينشأ علي الاكبر في بيت الوحي والرسالة، في غمرة نفحات النبوّة والامامة، وتنشأ معه ملامح النجابة والشهامة، فلم يفارق أباه لا حل ولا ترحال، وكان به باراً وله طائعاً، ومواسياً، فلما خرج من المدينة يقصد كربلاء كان علي الاكبر الى جنبه في سفره ذاك، حتى اذا بلغ الحسين عليه السلام قصر بني مقاتل وكان السحر من تلك الليلة، خفق برأسه خفقة ً ثم انتبه وهو يقول: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» يكررها.
فما كان من علي الاكبر الا أن فزع الى ابيه يسأله: يا أبت جعلت فداك، مم استرجعت وحمدت الله؟!
فأجابه أبوه يُصارحه بالمصير: «يا بنيّ، إني خفقت برأسي خفقة ً فعنّ لي فارس فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري اليهم! فعلمت أنها انفسنا نعيت إلينا». فماذا كان أثر سماع هذه الحقيقة عند الاكبر يا ترى؟!
لقد بادر هذا الشاب النجيب الى ان يقول لأبيه الحسين: يا ابت لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ؟!
قال (عليه السلام) باطمئنان إيماني أيضاً: بلى والذي اليه مرجع العباد.
فقال عليّ الاكبر باطمئنان ايمانيّ ايضاً: يا أبت إذن لا نبالي نموت مُحقين.
نعم فهمّ الاكبر (عليه السلام) أن يكون على الحق، ولم يكن همّه أن يعيش طويلاً فهو مستعد لاستقبال الشهادة برحابة صدر، وفي أي وقت، لا يبالي بالموت مازال يموت محقاً.
فما أن سمع الحسين بهذه العبارة من فم ولده، بل ومن قلبه، حتى هنئت روحه الطاهرة، فانطلقت منه هذه الكلمات الممزوجة من الثناء، والدعاء: «جزاك الله من ولدٍ خير ما جزى ولداً عن والده».
وبعد تلك المواساة التي أثلجت صدر الحسين، كان من عليّ الاكبر موقف نبوي آخر، فهو شبيهه حقاً وصدقاً، فحينما ناداه جيش عمر بن سعد: إن لك رحماً بيزيد (لأن أمه ليلى هي بنت ميمونة بنت أبي سفيان)، صاح شبل الحسين عليّ الاكبر في وسط ساحة كربلاء، يجيبهم على أيمانهم بادعائهم أنه من أقرباء آل ابي سفيان، قائلاً لهم: لقرابة رسول أحق أن ترعى من قرابة يزيد بن معاوية!
ثم شدّ على القوم يقاتلهم وهو يرتجز ويقول:
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
أضرب بالسيف أحامي عن ابي
ضرب غلام هاشمي قرشيّ
وأبوه الحسين يلاحقه بنظراته التي تحكي الحنان والخشية عليه، كما تحكي الاعتزاز والافتخار به، وهو يراه صورة ً لجده المصطفى، ووريثاً لأبيه أمير المؤمنين عليّ المرتضى، فكيف سيراه بعد لحظاتٍ يا ترى وفيه يقول الشاعر:
وأشبههم خلقاً وخُلقاً ومنطقاً
بأحمد في غرّ الثنا والمدائح
وكانوا إذا اشتاقوا لوجه محمدٍ
عنوا لمحياً منه بالسبه واضح
فلهفي لبدرٍ من محياه ساطــع
ولكن ببحرٍ من دم النحر سابح!
والى هنا ينتهي لقاؤنا بكم في الحلقة الاولى من برنامج آل هاشم في طف كربلاء، قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
في الحلقة المقبلة من البرنامج نبقى مع فتى الحسين مولانا علي الاكبر (عليه السلام) نستلهم من سيرته المعطاء انوار الهداية وقيم الكرامة والسعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
*******