السلام عليكم أيها الأعزاء معكم في لقاء اليوم ووقفة تأملية في الأدب المحمدي تتناول رؤية النبي الأكرم _صلى الله عليه وآله_ في هذا الفن من البيان الإنساني. تابعونا على بركة الله:
مستمعي الكريم، لقد اتخذ الشعر بعداً موضوعياً جديداً بعد نزول القرآن الكريم واستتباب التشريع الإسلامي، فترى النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) يندب إلى الشعر الملتزم والشعر الذي يتفاعل مع مشكلات الإنسان ويساهم في تنظيم هذا التحول ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤكداً دور الشعر الإيجابي في حياة الإنسان: "إن من الشعر لحكمة". وهذا يعني أن الشعر الذي يتحرك في أبعاد أوسع من ذات الشاعر وآفاقه يفقد القيمة الفنية، بل قد يكتسب قوة وقيمة فنية جديدة وأقوى إذا اقترن بالصدق وسمو الآفاق، ونسب إلى آرنولد الشاعر أنه كان يعتقد أن الشعر الجيد هو الشعر الموضوعي الذي ينسى فيه الشاعر نفسه، وأما الشعر الذاتي النفسي الذي تبدو فيه شخصية الشاعر فهو أقل درجة. وهذا النظر والفهم من هذا الشاعر يصدق إذا كان الشاعر منتسبا انتسابا قويا ومتلاحما مع الجماعة والقيم التي تكون موضوع قصيدته، فالشاعر الملتزم ذو العقيدة الصلبة الذي يقف في محراب الإيمان وبما يحصل له من الإعتقاد الجازم بإشراق الأنبياء والأوصياء وهدايتهم _عليهم السلام_ للأمة تتناثر ذاته وتذوب في حب الله تعالى وكذلك في شخصية عظيمة رائعة تلهم الشاعر وتفجر مواهبه كما في شخصية النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن رسول الله صلى الله عليه وآله – وبشرف المبادئ التي جاء بها خلف في نفوس شعرائه آثاراً واضحة تلوح في مدائحهم له _صلى الله عليه وآله_، وتنبت في تضاعيف أبياتهم، لأنه من غير المعقول أن يحدث هذا التغيير في النفوس سريعاً، فقد مس الإسلام القلوب، وبدل العقيدة وغير نظرة الناس إلى كثير من أمور الحياة، ولابد أن يكون قد حفز أولئك الناس الذين استشرت في نفوسهم كوامن العبادة الحقة ودواعي النزعة الروحية الجديدة إلى أن يعبروا عن هذا الإيمان بما يملكون من وسائل، وكان الشعر وسيلة هذا لتعبير. فالشاعر الذي كان غارقا بذاته وهمومه اللامرئية أصبح في مرحلة إشراق الإسلام وولادة النور المحمدي مسئولا عن واقع جديد يعيشه ويصوره، فالسؤال الذي يطرحه أحدهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الجواب عن هذا السوال وثيقة التزام ومحاكاة واقع ومعاناة بقوله _صلى الله عليه وآله_: "المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه" فالشعر هنا يخضع لمعيارين مهمين هما واقعيته والتزامه بقضايا الأمة، فالشاعر له وضيفة جديدة هي الإتصال بالحياة والرسالة والواقع، فقوله _صلى الله عليه وآله_ يضع الأساس النظري للتفسير الإعلامي للأدب، فالتفسير الإعلامي للأدب يقوم على أساس من الوحدة الإتصالية، فالأديب والمضمون والوسيلة والمستقبل والإستجابة هي جميعا حلقات متصلة في سلسلة واحدة.
مستمعينا الأكارم، إن الذي نستفيده من النصوص المحمدية المتقدمة هو أن العمل الفني الحقيقي، هو ذلك الإنتاج الصادق الذي يمحو كل فاصل بين صاحبه من جهة، وبين الإنسان الذي يوجه إليه من جهة أخرى، ثم هو أيضا ذلك الإنتاج العامر بالعاطفة الذي يكون من شأنه أن يوحد بين قلوب كل من يوجه إليهم.. والوسيلة هي المنهج الذي تنقل به الرسالة من المرسل إلى المستقبل، كأن يكون بشكل شعراً وخطبة أو قصة، والمستقبل هو القارئ أو السامع، فالبيانات المحمدية ترى أن المرسل هو الأديب أو الشاعر يحاول أن يتصل ويوصل معلوماته أو مشاعره التي تنفجر على شكل شعر أو خطبة إلى المستقبل وهو الجمهور، وكما يتطلب انتقال الصوت من مصدره إلى إذن المستمع وسيطاً تنتقل فيه الموجات الصوتية، كذلك يتطلب انتقال الرسالة من المرسل إلى المستقبل أو بالعكس وسيلة ما تسمى أحيانا قناة. ومن هذه الوسائل أو القنوات اللغة اللسانية. ولا شك أن نظرية النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – في الإعلام تعمد الى إعداد الإنسان إعدادا نفسيا لمبدأ الإلتزام الذاتي الطوعي، للفنانين والأدباء، والمهمة الإعلامية التي ينبغي أن يضطلع بها أهل المواهب والمبدعون هي وسام شرف لهم في تاريخ المجتمعات الإنسانية، فالله جل وعلا حين يمنح عبده موهبة ما، تكون هذه الموهبة موظفة لأغراض بنائية وإيجابية، لأن العطاء الرباني من النعم العظيمة التي ينبغي على الأفراد والمجتمعات أن تعرف قدرها وتشكر واهبها (عز اسمه).
أعزائنا المستمعين نصل الآن إلى عرض خلاصة ما تقدم في لقاء اليوم، وهي أن الأدب المحمدي جسد في مجال فن البيان حقيقة أن قدسية الهدف الذي يحمله المتكلم هو العامل المحوري في جعل كلامه موثراً في من استعد قلبه له.
هذا أولا وثانيا فإن النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – دعا الشعراء إلى اقتناص الحكم النافعة وتضمينها في أشعارهم، وتجنيد أشعارهم كوسيلة للجهاد في سبيل الله والقيم الإلهية المقدسة.
وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج ((تأملات في أدب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)) استمعتم له أيها الإخوة والأخوات من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم حسن الإصغاء وفي أمان الله.