السلام عليكم إخوة الإيمان ومحبي سيد البلغاء والفصحاء والبيان الصادق الأمين صلوات الله وتحياته وبركاته عليه وآله الطاهرين.
معكم أيها الأحباء في حلقة أخرى من هذا البرنامج نتعرف فيها على خصوصية أخرى من خصوصيات الكلام المحمدي لنستعين بها على التأسي به _صلى الله عليه وآله_ والإقتراب في كلامنا من أطيب البيان.
والخصوصية التي نتناولها في هذا اللقاء هي عفة الكلام وجماليته وإبتعاده عن الفحش والهجاء.. تابعونا مشكورين
من المسلّم أنه لا يجيز الإسلام للشاعر والأديب أن يمتدح الفجرة والكفرة وأن يمنحهم شهادات براءة من ذنوبهم، أو أن يصفهم بصفات أكثر من صفاتهم الحقيقية، فالأدب له وظيفة ومسؤولية كبيرة هي الانتساب للأمة وللناس لا أن يملأ ديوان الأدب بقصائد مديح ونفاق وتملق. يقول النبي (صلى الله عليه وآله): "إذا مدح الفاجر اهتزّ العرش وغضب الربّ" فقصيدة رياء وكذب يقولها الشاعر، وهو قنات من قنوات الإعلام للناس، تعني تزيين الظلم وتشجيع له ليكون مبرراً للحاكم الظالم في أن يتمادى بعسفه وظلمه. ولا يتسامح البيان المحمدي مع الفحش أيضاً وهو يؤكد أن الله تعالى حرم جنانه من أن يمشي عليها أهل الفحش ردعاً للسالكين هذا المسلك، فأعراض الناس وذممهم محفوظة ولها حرمة، وكما لا يمكن إجابة مال الإنسان وأملاكه كذلك عرضة وناموسه فهو مصون في دين الاسلام، يقول الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء".
والهجاء في الشعر مظهر قبيح من مظاهر الفحش، وهو تشويه لهذه اللوحة الجميلة في حياة الإنسان، فالفن هو انعكاسات جمالية تجيش في صدر الفنان ينفشها في فنون الإبداع، سواء كان هذا الابداع تجّلي في فن شعري أو نثري، فترى الشعراء الهّجائين يتهافتون ويتدحرجون الى هوّة الإبتذال والإسفاف حين يضعون أيديهم وألسنتهم مع ألسنة الشياطين فينفثون القذع والسباب فيتهاوى الفن وتتطاير منه شظايا الشّر والسّعير، بدل إشعاعات الخير والجمال التي تجلت في جميع نصوص كلام حبيبنا المصطفى ـ صلى الله عليه وآله ـ حتى وهو يرد على أهل الفحش والهجاء، فقد روي أنه لما بلغه هجاء عمرو بن العاص له قال: ـ "اللهم إني لا أحسن الشعر، ولا ينبغي لي أن أقوله، فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة"
وفي الأدب المحمدي من جهة أخرى تلاحم وانسجام بين الدين والجمال والخير والأدب الملتزم، ولاترى عدسة الفنان الرّباني أن هنالك انفصالاً واستقلالاً في هذه المحاور بعضها عن بعض فالدين هو الجمال والخير ومنه تتشعشع أنوار المحبة والمودّة فالحديث النبوي الشهير يقول: "ان الله جميل يحب الجمال".
المنطق الجميل والصوت الجميل والصبر الجميل والعفو الجميل هي دلالات ومعالم في طريق الفن والأدب. وما الفن الا تكوين جمالي يرتب الأحاسيس وينظمها، لأن الاحساسات الجمالية موجودة في روح الفنان فيعمد الى ابرازها الى سطح الوجود في قصيدة او لوحة متناسقة جميلة.
والفلاسفة يدركون ان الجمال والفن الحقيقي هو من تجليات الباري جل وعلا.... ونسبوا الى افلاطون القول بأن الله تعالى خيرُ وحق وجمال يصدر منه كل خير وحق وجمال....
والنتيجة التي نخلص إليها مما تقدم هي أن على المؤمن المأمور بأن يتأسى بصاحب الخلق العظيم محمد _صلى الله عليه وآله_ أن ينزه كلامه وأدبه شعراً أو نثراً عن كل ماتُشم منه رائحة الفحش والكلام البذيء والهجاء، وفي المقابل يطعمه بقيم الخير ومايفصح عنه حب الخير والصلاح للجميع كما تجلى في كلام سيدنا الصادق الأمين _صلى الله عليه وآله_.
والى هنا ينتهي لقاء اليوم من برنامج (تأملات في أدب المصطفى) قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم ودمتم في رعاية الله...