سلامٌ من الله عليكم إخوة الإيمان، وأهلاً بكم في وقفة تأملية أخرى في الأدب المحمدي نتلمس فيها الإقتران الطيب بين الواقعية والسمو الأخلاقي في كلام سيد البلغاء والفصحاء حبيبنا المصطفى- صلى الله عليه وآله- كونوا معنا.
ان الادب النبوي واقعي ويدعو الى الانتساب الى الواقع، ولكن واقعية الأدب لا تعني تجريده من أخلاقياته، فأخلاقيات الأدب هي أخلاقيات الكيان البشري التي ينادي بها الدين الإسلامي وتؤكده الأحاديث، وعليه لابد أن يكون الأدب والفن في روحه متطابقاً ومتوافقاً مع أحكام الدين والأخلاق، فإنّ الأدب والفن لو تجاوز دائرة اختصاصه كان أداة شرّ وفساد في أيدي محترفيه. ولقد بلغ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأخلاق غايتها ومنتهاها... يقول البوصيري في حق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
فاق النبيين في خلق وفي خلق
ولم يدانوه في علم ولا كرم
فمبلغ العلم فيه أنّه بشر
وأنه خيرخلق الله كلّهم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلق
بالحسن مشتمل بالبشرمتسّم
ولاشكّ بأن منهج القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته الطاهرين هو الطيب من القول، فالخبيث من القول الذي ينضوي تحت عنوانه قدح الأعراض والفحش والرذيلة وكل سيّئة، لا تنسجم مع روح التشريع مطلقاً.
ويقول الباري جل وعلا: "ألم تركيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيّبة" نعم جعل الخالق الكريم طيّب القول المثل والنموذج الذي يقتدى به.
ان الفن والأدب لدى النبي (صلى اله عليه وآله وسلم) هوأدب وفن موجّه مهذّب، فالأخلاق لديه صلى الله عليه وآله وسلم تمتزج بالتجربة الشعورية، فلا يمكن للأدب أن يأخذ بزمام الموضوع مجرّداً من المثل الأخلاقية.
يتوفّر في الأدب الراقي البعد الفني والأخلاقي، فالرقي الذي يتّصف به الأدب والفن نابع من تكامل هذين البعدين، والنصوص النبوية تمثّل نموذجاً للأدب الراقي، وقد زودت الأدب العربي والآداب العالية بزخّات من نصوص الأدب الراقي، الأبعاد الفنية طبقاً لمعايير أهل الفن تعتبر متوفّرة في نصوص حديثه، وامّا الأبعاد الأخلاقية والمضامين التربوية لديه (صلى الله عليه وآله وسلم) فذلك من أفضل وأكمل ما نجده من مدارس التربية والأخلاق التي تنادي وتصبو لتهذيب الانسان وتكميله…
والواقعية في الأدب لا تعني في النصوص النبوية أن ما جاء من أدب له (صلى الله عليه وآله وسلم) هو تمثيل لشيء موجود قبل أن تأخذ النصوص طابع التشكيل الفني، فتكون نصوصه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات طابع وصفي وليس معياراً، فالواقعية من هذا الفهم هو ترشيد الواقع وتغييره وبناءه لما يريد الله تعالى والإرادة الخيرة لمسيرة الأنبياء والمصلحين، ونحن نرى أن النفس الواقعي في نصوص النبي هو الواقع المتغيّر الذي ينبغي أن يكون الانسان في مداره.
مستمعينا الأكارم، ومن النماذج الواضحة في بيان هذه الخصوصية في الكلام النبوي ما روي في أنه – صلى الله عليه وآله- كان يقول: "أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته" فهنا نلمح الواقعية في رصد النبي الكريم- صلى الله عليه وآله- لواقع وجود أشخاصٍ في المجتمع الاسلامي لا يستطيعون لسبب أو آخر إبلاغ حاجاتهم إليه- صلى الله عليه وآله- والى جانب ذلك نرى السمو و الجمال الأخلاقي في أمره – صلى الله عليه وآله- المسلمين بأبلاغ حاجات هؤلاء له لكي يقضيها لهم... رزقنا الله وأياكم اعزاءنا حسن التأسي والإقتداء بسيد الأنبياء والأولياء إمام الرحمة – صلى الله عليه وآله- إنه سميع مجيب وبهذا تنتهي حلقة أخرى من برنامج (تأملات في أدب المصطفى) قدمناها لكم من إذاعة طهران. دمتم في رعاية الله.