السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله..تحية طيبة مباركة نستهل بها لقاءً آخر يسرنا أن نكون معكم فيه، حيث نتأمل في أدب المصطفى سيد الأنبياء والفصحاء- صلى الله عليه وآله- وموضوع هذا اللقاء هو أدب الحكمة في الكلام المحمدي، تابعونا مشكورين.
أدب الحكمة هو نور من فيض الأنوار الجلالية يغمرقلب العبد فينفجر من لسانه سيل البيان بأروع العبارات، يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أخلص عبد لله عزوجل أربعين صباحاً الاّ جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
وجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "الكلمة الحكيمة ضالّة المؤمن"……إن الحكمة مقدمة ذهنية ونفسيّة تؤهل الإنسان لقبول القوانين الدينية، وهذا ما كان يسعى له أدب الحكمة في كلام سيدنا المصطفى – صلى الله عليه وآله-، ومن نماذجه ما روي أنه سئل. أي الأصحاب أفضل؟ فقال "إذا ذكرت أعانك، واذا نسيت ذكرك" ومن نماذجه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "سرعة المسي تذهب ببهاء المؤمن" كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "جبلت القلوب على حب من أحسن اليها وبغض من أساء اليها". وقال أيضاً: "الوحدة خير من قرين السوء، والحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره".
فكل النصوص المتقدمة مستمعينا الأفاضل لا تدخل في عملية الإستنباط الفقهي وتبيين معاملات الناس وعباداتهم، ولا تدخل في مسودات حاكم الجزاء وقانون العقوبات الجنائي لا يعتمدها نصوصاً يضعها بين يدي القاضي. إن الوصايا والمواعظ والعهود والحكم المحمدية التي سجلت وحفظت لنا الوثائق كانت وما زالت مثار اهتمام أهل العلم والأدب وذوي البصيرة باعتبارها مخزن تجارب ومستودع معاناة ودراية بشرية، تستلهم منها الأجيال عبرالتاريخ ومنها تتشكل صفحات حكمة مفصّلة وخالدة لا يمكن نسيانها. ومن هذا الفهم والوعي اغتنم قيس بن عاصم المنقري، وهومن مشايخ العرب وأسيادهم وتنسب له الدراية والحكمة، إغتنم لقاءه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فطلب منه نثراً من درر حكمته صلى الله عليه وآله وسلم يتزيّن بها ننقل لكم رواية ذلك بعد قليل فتابعونا مشكورين.
روى علقمة بن الحصين قال: سمعت قيس بن عاصم المنقري يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد من جماعة من بني تميم فقال لي: (اغتسل بماء وسدر) ففعلت ثم عدت إليه وقلت: يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها، فقال: "يا قيس إن مع العزّ ذلاً، وأن مع الحياة موتاً، وأنّ مع الدنيا آخرة، وأن لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وأن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، وأن لكل أجل كتاباً.وأنه يا قيس لابدّ لك من قرين يدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميّت، فان كان كريماً أكرمك وأن كان لئيماً أسلمك، لا يحشر الاّ معك ولا تحشر الاً معه ولا تسأل الاّ عنه، ولا تبعث الاّ معه، فلا تجعله الاّ صالحاً، فإن كان صالحاً لم تأنس الاّ به، وإن كان فاحشاً لا تستوحش الاّ منه، وهوعملك" فقال قيس: يا رسول الله لونظم هذا شعرا لافتخرت به على من يلينا من العرب، فقام رجل من أصحابه يقال له الصلصال: قد حضر فيه شيء وقال: يا رسول الله أفتأذن لي بإنشاده؟ فقال: نعم. فأنشأ يقول:
تخيّرقريناً من فعالك إنّما
قرين الفتى في القبرما كان يفعل
فلا بدّ للإنسان من أن يعدّه
ليوم ينادى المرء فيه فيقبل
فإن كنت مشغولاً بشيء فلاتكن
بغيرالذي يرضى به الله تشغل
فما يصحب الإنسان من بعد موته
ومن قبله الاّ الذي كان يعمل
ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله
يقيم قليلاً عندهم ثم يرحل
ومن نماذج أدب الحكمة في الكلام المحمدي قوله- صلى الله عليه وآله-:-
"أيها الناس، لا يشغلنكم دنياكم عن آخرتكم، فلا تؤثروا هواكم على طاعة ربكم، ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة الى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومهدّوا لها قبل أن تعذّبوا، وتزوّدوا للرحيل قبل أن تزعجوا، فإنها موقف عدل واقتضاء حقّ، وسؤال عن واجب، وقد أبلغ في الإعذار من تقدّم بالإنذار". وقد سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربه الجليل ليلة المعراج عن ميراث الصوم فقال الخالق العظيم: "الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، وميراث الحكمة يوجب السؤدد والشرف".
والى هنا ننهي أيها الأعزاء حلقةً أخرى من برنامج تأملات في أدب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، استمعتم لها مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعاية الله.