السلام عليكم أيها الأعزاء وأهلاً بكم في أولى حلقات هذا البرنامج الذي يعنى باستشفاف أسرار خلود الكلام المحمدي وعظيم تأثيره في النفوس والقلوب.
ومباركة للحديث، مستمعينا.. نجعل مطلع الحلقة قول الباري جل وعلا في وصفه حبيبه خاتم الأنبياء – صلى الله عليه وآله – بقوله: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
فالمصطفى – صلى الله عليه وآله – هو سراج منير في سيرته وكلامه وفي أدبه وبلاغته، وهذا ما نتطرق له بعون الله في لقاء اليوم فتابعونا مشكورين.
لاشك، أخي المستمع، أن محمداً (ص) هو السيد العربي المهيمن على الأدب والفصاحة والبلاغة، بالإضافة الى كونه نبياً ورسولاً، فقد عاش في معقل اللغة العربية (مكة المكرمة) قبل أن يبعث، حيث ولد في بيت له الشأن كله في سيادة العرب وزعامته، إضافة الى النسب الأصيل الناصع الرفيع الذي يربطه بأطهر وأعرق عائلة عربية سكنت الجزيرة.
ولا شك أن رضاعه من البدوية الطاهرة حليمة السعدية، وترعرعه في أحضان قبيلتها الكريمة، أعطياه تلك النقاوة الصحراوية الشفافة بما تحمل في ثناياها من صفاء ورقة مشحونة بآلام الناس وصبرهم وحكمتهم.
وبعدها... وفي عهد صباه، نما (ص) في أوساط سادات اللغة وأمرائها، حيث كان يستقي من لغة قريش، أبدع أساليب الكلام وأروع أنواع النثر والشعر.
هذا عندما ننظر ألى محمد (ص) كإنسان مثل سائر البشر... وعندما ننظر الى ذاته المقدسة كعصارة نهائية لكل جهود السماء في صقل العقل البشري وكحصيلة لكل محاولات القديسين في بلورة الفكر الإنساني، نراه يبزغ نجمه اللامع في سماء الأدب كلمعانه في سماء الفكر والتربية والسلوك.
ولاشك أيضاً أن الأدب هو وسيلة من وسائل نقل قضايا المعرفة الى قلوب المخاطبين بشكل أكثر دقة وأكثر شفافية وأكثر تأثيراً، هذه الوسيلة التي عندما تقع في أيدي المرتبطين في السماء، فإنهم سيصنعون منها سلّماً متيناً يرتقي بأفكارهم إلى أعلى درجات التألق من جانب، وإلى أرقى مراتب التأثير في الناس من جانب آخر.
أيها الأكارم.. لا شك أن سيد الأنبياء وخاتمهم المصطفى (ص)، بصدقه وارتباطه بالحق أولاً، وباستثماره لأفضل أنواع الكلام ثانياً، استطاع التأثير الأكثر على البشرية وهو يخاطبهم مشافهة بل إلى عصرنا هذا وفي المستقبل أيضاً بعون الباري عزوجل، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الرسول (ص) قد برع في مجال الأدب وتفوق على جميع الأدباء في عصره وفي العصور اللاحقة، حيث استطاع أن يخلّد بكلماته وخطبه كما خلّد بفكره ومدرسته.
والملفت في هذا الأمر – أيها الأخوة والأخوات- أن تأثير الرسول (ص) كمهيمن على الأدب، لم يكن على شريعة معينة من شرائح المجتمع، مثل سائر الأدباء والشعراء، عندما يؤثرون بأدبهم على أوساط النخبة من أمثالهم أو على أوساط التذوق البلاغي، بل كان تأثيره على سائر شرائح المجتمع من عالمه الى جاهله ومن مثقفه الى عاميه ومن رئيسه الى مرئوسه ومن حضريه الى بدويه ومن رجله الى امرأته وحتى من عربه الى عجمه.
أجل... إن الرسول بهيمنته على الأدب وبنجاحه في التأثير بواسطة كلماته على الناس، أصبح القمة في سماء الأدب بكل أقسامه وحقوله، وخلّد كلامه لا كرسول فحسب بل كسيّد للكلام.. ولابد لهذا النجاح وهذا التألق من سبب، فلا يمكن تصور نجاح وتألق من دون علّة.. نعم، عندما يتألق شخص ويتربع على قمة مدارج الأدب، لا يمكن أن يكون سببه إلا امتلاكه لنظرية حاذقة وصائبة في الأدب، يستطيع من خلالها الوصول الى درجات الكمال والرقي ومن ثم التأثير بواسطتها على مختلف شرائح المجتمع.
من هنا نخلص الى نتيجة محورية، هي أن سيد الأنبياء –صلى الله عليه وآله- هو سيد البلغاء أيضاً، لأنه صاحب أكمل الشرائع والرسالات الإلهية ولأنه أديب الله عزوجل.
والى هنا تنتهي، أيها الأعزاء، الحلقة الأولى من برنامج (تأملات في أدب المصطفى _صلى الله عليه وآله_)، قدمناها لكم من إذاعة طهران، تابعوا البرنامج في حلقته التالية والتي سيكون موضوعها تجلي فنون البلاغة في الكلام المحمدي.
نشكر لكم طيب المتابعة والسلام عليكم.