السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم ومرحباً في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأفاضل، تهدينا النصوص الشريفة الى أن الله تبارك وتعالى إنما يريد لعباده سعادة الدنيا والآخرة ولم يكتب لهم شقاء الدنيا لكي يفوزوا بسعادة الآخرة كما تدعي بعض التيارات المتطرفة التي شددت على نفسها وحرمت عليها ما لم يحرمه الله عزوجل وهذا من البدع الخطيرة التي تأباها الشريعة الإلهية السحمة البيضاء.
نستنير في هذا اللقاء بطائفة من النصوص الشريفة المبينة لهذه الحقيقة ونبدأ بالآيات الكريمة الحادية والثلاثين الى الثالثة والثلاثين من سورة الأعراف المباركة، نتدبر معاً فيها حيث يقول الله أصدق القائلين:
"يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{۳۱} قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{۳۲} قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{۳۳}"
كما تلاحظون مستمعينا الأعزاء فإن هذه الآيات الكريمة تدعو المؤمنين الى التمتع بالطيبات من الرزق التي إنما أخرجها الله لهم بالدرجة الأولى، فالتمتع بها بهذه النية هي عبادة توحيدية لله عزوجل إذا إقترنت بعدم الإسراف، لأن الإسراف يؤدي الى مرتبة من مراتب عبودية الأهواء والشهوات.
كما تبين هذه الآيات الكريمة أن ما حرمه الله عزوجل إنما هو ما فيه ضرر الفرد والمجتمع الإنساني من الفواحش وكل تجاوز للحد الوسط من إحتياجات الإنسان الطبيعية والتعدي على حقوق الآخرين وكذلك إتباع الجهالة في الشؤون العقائدية كالشرك والقول بغير علم.
أما الطيبات من الرزق فالمؤمنون أولى من غيرهم بالتمتع بها في الحياة الدنيا فضلاً عن أنها لهم خالصة في الحياة الآخرة.
أيها الإخوة والأخوات، وللمزيد من إستبيان الحقيقة القرآنية المتقدمة نتأمل معاً في الشطر التالي من حديث طويل رواه الشيخ الوطسي – رضوان الله عليه – بسنده عن مولى الموحدين وأميرالمؤمنين الإمام علي – عليه السلام – قال فيه:
"واعلموا يا عباد الله أن المتقين جازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عزوجل: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هو للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوا بأفضل ما أكلت، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون، وأصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غداً جيران الله، يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون لا ترد لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل".
مستمعينا الأفاضل، وتهدينا الأحاديث الشريفة الى أن التمتع بالطيبات من الرزق في المأكل والملبس وغيرها من النعم الإلهية أمر يحبه الله عزوجل فهو من مصاديق التحديث بنعمة الله المأمور به في آخر سورة الضحى المباركة.
لذا فإن من يتمتع بنعم الله عزوجل بهذه النية الجميلة يصبح تنعمه بها عبادة يحبها الله عزوجل، لنلاحظ ما روي في تفسير نور الثقلين عن ابن القداح حيث قال: كان أبوعبدالله الصادق – عليه السلام – متكيا علي – أو قال على أبي – فلقيه عباد بن كثير – وكان من متزهدة فقهاء بني العباس – وعليه ثياب حسان.. فقال: يا أباعبدالله! إنك من أهل بيت النبوة وكان أبوك وكان؟ فما هذه الثياب المزينة عليك فلو لبست دون هذه الثياب؟ فقال الصادق – عليه السلام – "ويلك يا عباد من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ وان الله عزوجل إذا أنعم على عبده نعمة أحب أن يراها عليه ليس به بأس، ويلك يا عباد إنما انا بضعة من رسول الله – صلى الله عليه وآله – فلا تؤذني".
وأخيراً لنتأمل معاً في الإستنباط الحسني الجميل من هذه الآيات الكريمة فيما روي في تفسير العياشي مسنداً عن خيثمة قال: كان الحسن بن علي عليه السلام إذا قام الى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له: يا ابن رسول الله! لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال "إن الله تعالى جميل ويحب الجمال، فأتجمل لربي، وهو يقول "خذوا زينتكم عند كل مسجد" فأحب أن ألبس أجود ثيابي".
وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (آيات وأحاديث) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
نشكركم على كرم المتابعة ودمتم بكل خير وبركة ورحمة في أمان الله.