السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله وبركاته، أطيب تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستضيء فيها بأنوار آية شرح الصدر والأحاديث الشريفة المفسرة لها.
وآية شرح الصدر هي الآية الكريمة ۱۲٥ من سورة الأنعام، ننصت أولاً خاشعين لها وللآيات الثلاث السابقة لها حيث يقول الله أصدق القائلين:
"أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{۱۲۲} وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{۱۲۳} وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ{۱۲٤} فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ{۱۲٥}"
أيها الأفاضل، في الآية الأولى من هذه الآيات الكريمة مقارنة بليغة بين من أحياه الله عزوجل بنور منه يستهدي به وبين من اختار البقاء في ظلمات المعاصي وعبودية الأهواء، وقد فسرت الأحاديث الشريفة الحياة هنا بحياة الإيمان التي يفوز بها المؤمن ببركة إتباع نور خليفة الله المعصوم في حين أن الذي يحبس نفسه في الظلمات هو الذي لا يتبع نور الهداية المتجلي في ولي الله المعصوم.
وتأتي الآية الرابعة لتبين ثمرة هذا الإحياء الإلهي الكريم بشرح صدر المستهدي بالنور الإلهي فيما تبين الآيتان ۱۲۲ و۱۲۳ حال الذين حبسوا أنفسهم في الظلمات وعاقبتهم السيئة فهم يغرقون أنفسهم في الظلمات ونتيجة لذلك يجعل الله الرجس عليهم ويضيق صدورهم عسى أن يفكروا بالخروج من تلك الظلمات فيشرح الله صدورهم بنوره.
قال العلامة الطبرسي في تفسير مجمع البيان: وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية، سئل رسول الله – صلى الله عليه وآله – عن شرح الصدر ما هو؟ فقال: نور يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له صدره وينفسح. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال – صلى الله عليه وآله -: نعم الإنابة الى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإستعداد للموت قبل نزول الموت.
وقد وردت الرواية أن مولانا الإمام زين العابدين – عليه السلام – كان يكرر في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان دعاء"اللهم ارزقني التجافي عن دار الغرور والإنابة الى دار الخلود والإستعداد للموت قبل حلول الفوت".
وتهدينا الأحاديث الشريفة الى أن من بركات الفوز بهذه المعونة الإلهية أي شرح الصدر، التنور بنور البصيرة التي تعين المؤمن في معرفة الحق عند الفتن واختلاط الحق بالباطل.
جاء في كتاب (الإحتجاج) عن أميرالمؤمنين – عليه السلام – حديث طويل وفيه يقول عليه السلام: "ثم إن الله جل ذكره لسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام" الى آخر الحديث.
ونقرأ في كتاب الكافي حديثاً لمولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – يوصينا فيه بأن نطلب من الله شرح الصدر لأن من بركاته تهذيب اللسان فلا ينطق إلا بالحق وتقوية روح العمل الصالح في القلب، قال – عليه السلام -: "واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيراً شرح الله صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه، وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا، وإذا لم يرد الله بعبد خيراً وكله الى نفسه وكان صدره ضيقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، فإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه ولم يعطه العمل به حجة عليه، فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق يتوفاكم وأنتم على ذلك".
كما أن من بركات شرح الصدر الفوز بالتسديد الإلهي للمؤمن فيعصمه الله من السقوط في فتن الإنحراف، فقد روي في الكافي بسند صحيح عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: "إن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدده، وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله".
ويبين لنا الإمام الرضا – عليه السلام – أن شرح الصدر يتمثل في كمال التسليم لله عزوجل والثقة به وهذه أعلى مراتب الإيمان أي أن من بركات شرح الصدر الفوز بالنفس المطمئنة والإلتحاق بعباد الله الصالحين.. قال – صلوات الله عليه – في حديث مروي عنه في كتاب التوحيد: "من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا الى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون الى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدنيا يجعل صدره ضيقاً حرجاً حتى يشك في كفره، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون".
وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (آيات وأحاديث) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران شكراً لكم وفي أمان الله.