السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته..
أطيب تحية نحييكم بها في مستهل حلقة اليوم من هذا البرنامج..
أيها الأكارم، نستنير في هذا اللقاء بأربع آيات بينات هدتنا أحاديث أهل بيت النبوة المحمدية – عليهم السلام – الى أنها تشتمل على عبارة قرآنية تبين حقيقة الزهد، هذه الآيات هي الحادية والعشرون الى الرابعة والعشرون من سورة الحديد المباركة، نتدبر معاً فيها ونحن ننصت لتلاوتها خاشعين حيث يقول الله أصدق القائلين:
"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{۲۱} مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{۲۲} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{۲۳} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{۲٤}"
إخوة الإيمان، الآية الأولى تفتح باب الزهد في الحياة الدنيا والتحرر من أسرها بالدعوة الى ما فيه الفوز العظيم وهو المسارعة الى مغفرة الله وجنانه وفضله الذي أعده للمؤمنين.
والآية الثانية تشير الى أن الحياة الدنيا محفوفة بالمصائب والإبتلاءات اللازمة لتربية العباد، فهي أحرى أن يزهد فيها لأنها دار البلاء وليست دار المقام.
والآية الثالثة تبين نتيجة الزهد في الدنيا والتحرر من أسرها وهي أن لا يحزن الإنسان على ما فاته ولا يفرح إغتراراً بما يصيب من نعمها لأنها نعم زائلة وليست نعم الفوز العظيم والفضل الدائم.
والآية الرابعة تشير الى علامة الزهد الحقيقي في الدينا وهي عدم البخل بها والثقة بكرم الغني الحميد.
مستمعينا الأفاضل، وبعد هذه الوقفة التدبرية في الآيات الكريمة المتقدمة الهادية الى حقيقة الزهد ومفتاحه وعلامته، نستضيء بإنارات الأحاديث الشريفة، ونبدأ بقول أميرالمؤمنين في نهج البلاغة حيث قال – صلوات الله عليه –: "الزهد كله بين كلمتين من القرآن قال الله سبحانه "لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم" ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه".
وهذا المعنى يفصله – عليه السلام – في حديث نقرأه في كتاب (روضة الواعظين) يقول فيه: "الزهد ثروة، والورع جنة وأفضل الزهد إخفاء الزهد، الزهد يحدد الآمال ويقرب المنية ويباعد الأمنية ولا زهد كالزهد في الحرام، الزهد كله بين كلمتين، قال الله: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، فمن لم يأس على الماضي، ومن لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه، أيها الناس الزهادة قصر الأمل، والشكر عند النعم والورع عند المحارم".
وروي في كتاب (مشكاة الأنوار) قول مولانا الإمام الصادق – عليه السلام -:
"ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله".
وهذا هو مضمون الآية الرابعة من الآيات المتقدمة، وجاء في بحار الأنوار عنه – عليه السلام – أنه سئل عن حد الزهد في الدنيا؟ فقال "لقد حد الله في كتابه فقال عزوجل: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهدهم فيها".
أيها الإخوة والأخوات، ويهدينا مولانا الإمام السجاد – عليه السلام – الى وثاقة العلاقة بين الزهد في الدنيا والإخلاص لله عزوجل وأثر الزهد المخلص في إيصال المؤمن الى مراتب الورع واليقين والرضا السامية.
جاء في كتاب (الدعوات): سئل الإمام زين العابدين – عليه السلام – عن الزهد، فقال: الزهد عشرة أجزاء فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى ألا وإن اجماع الزهد في آية من كتاب الله عزوجل "لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" فقال الرجل: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فقال علي بن الحسين عليه السلام: وأنا أقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" و"الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" "فإذا قال أحدكم "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فليقل و"الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" لأن الله تبارك وتعالى يقول "فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين".
وفي حديث آخر عن مولانا سيد الساجدين يهدينا – عليه السلام – الى أن الزهد في الدنيا هو دعامة الصبر على النوائب، فقد جاء في تفسير (نورالثقلين) عن مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – قال:
"لما دخل علي بن الحسين – عليهما السلام – على يزيد نظر إليه ثم قال له: يا علي "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (سورة الشورى۳۰) فقال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: "كلا.. ما هذه فينا نزلت إنما نزل فينا "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{۲۲} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{۲۳}"(سورة الحديد) "فنحن لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا".
أطيب الشكر نقدمه لكم مستمعينا الأطائب على طيب الإستماع والمتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (آيات وأحاديث) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعاية الله غانمين بكل رحمة وبركة، في أمان الله.