السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته..
بتوفيق الله وفضله نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، لنا فيها وقفة ثانية عند آية النور المباركة والآيات الثلاث الملحقة بها وهي من غرر الآيات الكريمة التي تنير القلب بالهدى وبمحبة مناراته المعصومة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، ننصت خاشعين لهذه الآيات الكريمة حيث يقول الله أكرم الأكرمين في الآيات الخامسة والثلاثين الى الثامنة والثلاثين من سورة نور المباركة:
"اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{۳٥} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ{۳٦} رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ{۳۷} لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{۳۸}"
أيها الأفاضل، كانت لنا في الحلقة السابقة وقفة تدبرية في هذه الآيات الكريمة عرفنا منها أن تهدينا الى منظومة النور الإلهي الخالص من كل شوائب العقائد الأرضية شرقية كانت أو غربية، وهذه المنظومة تتمثل في البيوت التي ملأها الله عزوجل بنوره فصار أهلها حجة الله على خلقه، يفيضون بنور الهداية والرحمة الإلهية في كل حركاتهم وسكناتهم.
وقد نصت صحاح الأحاديث الشريفة على أن المقصود بهذه البيوت هي بيوت الأنبياء – عليهم السلام – وأشرفها بيت سيد الأنبياء مولانا وحبيبنا المصطفى محمد – صلى الله عليه وآله – جاء في تفسير مجمع البيان في تفسير قوله تعالى "في بيوت أذن الله أن ترفع" قال: "روي أنه سئل النبي صلى الله عليه وآله لما قرأ الآية: أي بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام أبوبكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ - يشير الى بيت علي وفاطمة – قال: نعم من أفاضلها".
ونتأمل معاً – مستمعينا الأفاصل – في الحديث الشريف التالي المروي في كتاب الكافي وغيره من مصادرنا المعتبرة وفيه إشارة جميلة الى المراد بالبيوت هو أهلها الذين إمتلأ وجودهم بنور الهداية والرحمة الإلهية، فقد روي عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر الباقر – عليه السلام – لقتادة: من أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.. فقال له: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال له أبوجعفر: ويحك يا قتادة إن الله خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه، فهم أوتاد في أرضه قوام بأمره نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه، أظلة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلاً ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، فقال له أبوجعفر عليه السلام: أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي "بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو الآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" فانت ثَم ونحن اولئك.. فقال له قتادة: صدقت والله جعلني فداك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين.
وتهدينا الأحاديث الشريفة – أيها الأطائب – الى أن الإستنارة بأنوار هؤلاء الصفوة المعصومين من أهل بيت سيد النبيين – صلى الله عليه وآله- يعني أخذ نور الهداية الإلهية الخالص وبذلك يصبح المؤمن في جميع سلوكياته مستنيراً بنور الله.
روي في تفسير علي بن ابراهيم وغيره عن الإمام الرضا – عليه السلام – قال ضمن حديث طويل في تفسير آية النور المباركة:
"نحن الآخذون بحجزة نبينا، ونبينا – صلى الله عليه وآله – الآخذ بحجزة ربنا، والحجزة النور، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجى... فمن مات وهو يحبنا كان حقاً على الله أن يبعثه معنا، نحن نور لمن تبعنا وهدى لمن اهتدى بنا... وحق على الله أن يبعث ولينا وجهه منيراً برهانه...".
وعليه فإن المتمسكين بنور الولاية والمودة لا يشغلهم شاغل عن ذكر الله وتوحيده كما تشير الآيات الكريمة المتقدمة.
نقرأ في كتاب الكافي أن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات يقول: تعاهدوا الصلاة وحافظوا عليها استكثروا منها، وقد عرف حقها من طرقها وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع ولا قرة عين من مال ولا ولد، يقول الله تعالى: "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ".
ونقرأ في تفسير نور الثقلين عن أسباط سالم قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألنا عن عمير بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح ولكنه قد ترك التجارة، فقال أبوعبدالله عليه السلام: - هذا من – عمل الشيطان، كررها ثلاثا، أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى عيراً أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضى دينه وقسم في قرابته، يقول الله عزوجل: " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ" الى آخر الآية يقول القصاص: ان القوم لم يكونوا يتجرون، كذبوا ولكنهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها وهو أفضل ممن حضر الصلاة ولم يتجر.
نشكركم مستمعينا الأطائب على متابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (آيات وأحاديث) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.