السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات، أطيب التحيات نحييكم بها مقرونة بخالص الدعوات بأن تكون أوقاتكم مفعمة بكل ما يحبه الله لكم ويرضاه.
معكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نعيش فيه دقائق مع آيات إحدى كرائم السور القرآنية المجيدة التي وردت كثير من الأحاديث الشريفة في الحث على الإكثار من تلاوتها، إنها سورة القدر المباركة، ننور قلوبنا بالإصغاء بخشوع لتلاوة آياتها الكريمة حيث يقول الله عزوجل:
"بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{۱} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{۲} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ{۳} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ{٤} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{٥}"
تتحدث هذه السورة المباركة عن أعظم ليلة تتجدد كل عام إذ ينزل فيها تقديرات على وليه المعصوم تدبيراً لشؤون الخلائق، فهي من هذه الزاوية ليلة ربوبية الله تبارك وتعالى، وهي من زاوية أخرى ليلة ولي الله الأعظم في كل زمان لأن الملائكة تتنزل عليه – صلوات الله عليه – بالتقديرات الإلهية في كل عام؛ فالولي المعصوم هو خليفة الله والمنفذ لتدبيراته عزوجل لشؤون الخلائق.
ولأن ربوبية الله لا تنقطع وأرزاقه للخلائق مستمرة، لذلك فإن ليلة القدر تتجدد في كل عام، قال العلامة الطبرسي في تفسير مجمع البيان: جاءت الرواية عن أبي ذر أنه قال: قلت يا رسول الله ليلة القدر هي شيء يكون على عهد الأنبياء ينزل فيها فإذا قبضوا دفعت؟ قال: لا بل هي الى يوم القيامة.
وجاء في تفسير نور الثقلين – للشيخ الحويزي – رضوان الله عليه – عن أبي جعفر الثاني الإمام الجواد – عليه السلام – أن أميرالمؤمنين – عليه السلام – قال لإبن عباس: إن ليلة القدر في كل سنة، وانه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله – فقال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي.
وروى الشيخ الصدوق – رضوان الله عليه – في كتاب معاني الأخبار بإسناده الى الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب – عليه السلام – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله: يا علي! أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا يا رسول الله، فقال: ان الله تبارك وتعالى قدر فيها ما هو كائن الى يوم القيامة، فكان فيما قدر عزوجل ولايتك وولاية الأئمة من ولدك الى يوم القيامة.
من هنا مستمعينا الأفاضل، فإن سورة القدر المباركة هي من أقوى وأوضح الأدلة القرآنية على وجود خليفة الله الإمام المعصوم في كل زمان، فهي نص صريح على لزوم وجود ولي الله الأعظم في كل عصر ظاهراً للناس كان أو مستوراً عنهم لكي تتنزل عليه الملائكة والروح بإذن ربهم كما تصرح هذه السورة المباركة.
روي في تفسير نور الثقلين والميزان وكنز الدقائق والبرهان وغيرها كثير عن أبي جعفر الإمام الباقر – عليه السلام – قال: "يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا، فوالله انها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله – وانها لسيدة دينكم، وانها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا "بحم والكتاب، إنا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين" فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله".
وقال – عليه السلام – أيضاً:"لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الله الدنيا، ولقد قضى أن تكون في كل سنة يهبط فيها بتفسير الأمور الى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزوجل علمه لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة من الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه السلام".
مستمعينا الأفاضل، وكان من كرم الله عزوجل أن جعل هذه الليلة سلامة حتى مطلع الفجر ومن مصاديق ذلك مضاعفة ثواب من يتعبد له فيها مقراً بمنزلة هذه الليلة جاء في تفسير علي بن ابراهيم وغيره مسنداً عن الإمام الباقر – عليه السلام –"وقد سئل عن قوله تعالى: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" أي شيء عني بذلك؟ فقال – عليه السلام -: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولو لا يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف لهم الحسنات".
من هنا وردت كثير من الأحاديث الشريفة في فضيلة المواظبة على تلاوة سورة القدر في الصلوات وغيرها والإستشفاء بها من أنواع الأمراض البدنية والنفسية والروحية ونص العرفاء على كونها من أقوى الأذكار التي تنير القلب، ونحن هنا نكتفي بحديث واحد رواه السيد ابن طاووس – رضوان الله عليه – في كتاب مهج الدعوات وجاء فيه انه قيل للصادق – عليه السلام - :"بما احترست من المنصور عند دخولك عليه؟ فقال: بالله وبقراءة انا انزلناه، ثم قلت: يا الله يا الله سبعاً اني أتشفع إليك بمحمد وآله – صلى الله عليه وآله – من أن تقبله لي... فمن ابتلي بذلك فليصنع مثل صنعي ولو لا أننا نقرأها – يعني سورة القدر – ونأمر بقرائتها شيعتنا لتخطفهم الناس ولكن هي والله لهم كهف".
تقبل الله منكم مستمعينا الأطائب طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (آيات وأحاديث) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.