السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته، على بركة الله نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، فأهلاً بكم ومرحباً.
أيها الأفاضل، كان لنا في حلقتين سابقتين من هذا البرنامج تأملات في الآيات الكريمة الثامنة والثلاثين الى الحادية والأربعين من سورة الحج المباركة إتضح منها ومن الأحاديث الشريفة المفسرة لها، أن الذين أذن الله لهم بالقتال والجهاد وكتب على نفسه جل جلاله نصرتهم هم طائفة خاصة من المؤمنين يتميزون بعظيم إخلاصهم لله في الجهاد نصرة له وابتغائهم مرضاته وعلمهم بتفصيلات عدله وتحملهم الأذى في سبيل انقاذ عباده وإقامة دينه واتضح من الأحاديث الشريفة أن مصداقهم الأكمل هم أهل بيت النبوة المحمدية – عليهم السلام – وهذا المعنى تؤكده آيات أخرى منها الآيتان الكريمتان ۱۱۱ و ۱۱۲ من سورة التوبة أو براءة المباركة، نصغي خاشعين ومتدبرين فيهما حيث يقول الله أحكم الحاكمين تبارك وتعالى:
"إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{۱۱۱} التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{۱۱۲}"
وكما تلاحظون – أيها الإخوة والأخوات – فإن هذا النص القرآني صريح بأن هذه الطائفة من المؤمنين الذين أذن الله لهم بالقتال في سبيله يستجمعون صفات عليا في الإرتباط بالله عزوجل وحمده على مصاعب الجهاد ومعرفة بالمعروف والمنكر تؤهلهم للأمر بمصاديق والنهي عن مصاديق الثاني، وكذلك معرفة سليمة بحدود الله لكي يتمكنوا من حفظها في جهادهم وإقامتها بالصورة المطلوبة.
وهذا المعنى المستبين من التدبر في هاتين الآيتين وما قبلهما وما بعدهما تؤكده عديد من الأحاديث الشريفة نستنير ببعضها بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
نبدأ بما رواه الشيخ الجليل علي بن ابراهيم في تفسيره عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين – عليه السلام – أن هاتين الآيتين نزلتا في الأئمة خاصة، ثم قال "فالدليل عن أن ذلك فيهم – عليهم السلام – خاصة حين مدحهم وحلاهم ووصفهم بصفة لا يجوز في غيرهم... فالآمرون بالمعروف – يعني على نحو الإطلاق – هم الذين يعرفون المعروف كله صغيره وكبيره ودقيقه وجليه، والناهون عن المنكر هم الذين يعرفون المنكر كله صغيره وكبيره والحافظون لحدود الله هم الذين يحفظون حدود الله صغيرها وكبيرها وجليها ودقيقها ولا يجوز أن يكون بهذه الصفة غير الأئمة عليهم السلام".
وروي في الكافي وتفسير علي بن إبراهيم وتفسير مجمع البيان وغيرها مسنداً عن أبي عبدالله الصادق – عليه السلام – قال: لقى عباد البصري – وهو من متزهدة فقهاء السلاطين – علي بن الحسين – صلوات الله عليهما – في طريق مكة فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينته إن الله عزوجل يقول: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..." فقال له علي بن الحسين – عليهما السلام -: أتم الآية، فقال: "التائبون العابدون الحامدون" وتلى الآية.. فقال علي بن الحسين – عليهما السلام -: إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج.
وروي في المصادر السابقة وغيرها حديثاً طويلاً يستدل فيه الإمام الصادق على الحقيقة المتقدمة بآيتي سورة التوبة وآيات سورة الحج التي ورد فيها ذكر الإذن الإلهي بالجهاد، جاء في جانب من هذا الحديث مسنداً عن أبي عمرو الزبيري، أنه قال للإمام الصادق – عليه السلام -: أخبرني عن الدعاء الى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزوجل وآمن برسوله؟
فقال – عليه السلام -: ذلك – أي الدعوة الجهادية – لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم، قلت: من اولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء الى الله عزوجل ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدعاء الى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد.
وبعد توضيحات واستدلالات قرآنية على هذه الحقيقة استدل الإمام الصادق – عليه السلام – بالسنة النبوية فقال: (لما نزلت هذه الآية "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" قام رجل الى النبي – صلى الله عليه وآله – فقال: يا نبي الله أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عزوجل على رسوله (التائبون العابدون) وتلا الآية.. ففسر النبي – صلى الله عليه وآله – المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة وقال: التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئاً، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء.. السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه، قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزوجل: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{۳۹} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ".(سورة الحج)
والى هنا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (آيات وأحاديث) شاكرين لكم كرم المتابعة ولكم خالص الدعوات من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.