السلام عليكم مستمعينا الأطياب ورحمة وبركات من الله الكريم الوهاب، على بركة الله نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج فأهلاً بكم ومرحباً.
أيها الأفاضل، كانت لنا في حلقة سابقة وقفة تأملية في سورة (التكاثر) المباركة من أجل معرفة مصداق (النعيم) الذي تصرح السورة بأن الله يسأل الخلق عنه يوم القيامة، وقد اتضح من التدبر في السورة المباركة ذاتها أن (النعيم) المقصود ينبغي أن يكون نعمة إلهية خاصة يكون دورها إنقاذ الناس من أن يسوقهم الإغترار بالتكاثر في النعم المادية الى الغفلة عن التكامل المعنوي والعبادة والسير على الصراط المستقيم وبالتالي إعمار الحياة الأخروية الخالدة.
أعزاءنا والمعنى المستفاد من التدبر في هذه السورة المباركة أكدته عدة من الأحاديث الشريفة نقلنا بعضها في الحلقة السابقة، ونستنير ببعض آخر، منها ما روي في كتاب الدعوات وجاء فيه:
"روي أن أبا حنيفة سأل الصادق عليه السلام عنه – أي عن مصداق النعيم – بعد أن أخبره أن المراد هو الطعام والشراب، فقال الإمام – عليه السلام -: لئن وقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها وكل شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يدي الله. قال: فما (النعيم) عندك يا بن رسول الله؟ قال أبوعبدالله عليه السلام: النعيم نحن أهل البيت الذي أنعم الله بنا على العباد، بنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألف الله بين قلوبهم، وبنا أنقذهم الله من الشرك والمعاصي، وبنا جعلهم الله إخوانا، وبنا هداهم الله فهي النعمة التي لا تنقطع والله سائلهم عن حق النعمة التي أنعم عليهم وهو النبي وعترته".
أيها الإخوة والأخوات، لقد شدد أئمة العترة المحمدية – عليهم السلام – بتعريف الأمة بأن مصداق (النعيم) الذي يسألون عنه هو النبي الأكرم وآله لكي يهدوهم الى سبيل النجاة من الجحيم باتباع الهداية المحمدية النقية، لنتأمل معاً في الرواية التالية التي رواها الشيخ الصدوق في كتاب (عيون أخبار الرضا) بسنده عن إبراهيم بن عباس الصولي الكاتب بالأهواز سنة سبع وعشرين ومأتين قال: كنا يوماً بين يدي علي بن موسى عليهما السلام فقال لي: ليس في الدنيا نعيم حقيقي، قال له بعض الفقهاء ممن يحضره: فيقول الله عزوجل "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ" أما هذا النعيم في الدنيا وهو الماء البارد فقال له الرضا عليه السلام وعلا صوته: كذا فسرتموه أنتم وجعلتموه على ضروب فقالت طائفة: هو الماء البارد وقال غيرهم: هو الطعام الطيب وقال آخرون: هو النوم الطيب، ولقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبدالله الصادق عليه السلام أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله تعالى: "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ" فغضب عليه السلام وقال: إن الله عزوجل لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم والإمتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الى الخالق عزوجل ما لا يرضى المخلوق به؟! ولكن النعيم حبنا أهل البيت موالاتنا يسأل الله عباده عنه بعد التوحيد والنبوة لأن العبد إذا وفا بذلك أداه الى نعيم الجنة الذي لا يزول ولقد حدثني بذلك أبي عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال: قال رسول الله (ص): "يا علي إن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (ص) وانك ولي المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك، فمن أقر بذلك وكان يعتقده صار الى النعيم الذي لا زوال له".
وهكذا يتضح أحباءنا أن مصداق النعيم الذي يسأل الله عباده يوم القيامة هم حججه المعصومون – عليهم السلام – لأن باتباعهم تكون النجاة من الضلالة والوصول الى النعيم الأبدي وفقنا الله وإياكم له ببركة اتباع وموالاة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم آمين، وبهذا ننهي أيها الأطائب لقاء اليوم من برنامجكم (آيات وأحاديث) استمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.