نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها أحد أدعية الإمام علي (ع) ليلة الجمعة. وقد حدثناك في لقاء سابق عن مفتتح هذا الدعاء وهو عبارة: (اللهم إني أثني عليك بمعونتك على ما نلت به الثناء عليك)، ثم يقول: (وأقر لك على نفسي بما أنت أهله والمستوجب له في قدر فساد نيتي وضعف يقيني).
هذه الفقرة من الدعاء تأتي بعد الاستهلال الذي يتحدث عن ثناء العبد لله تعالى وأنه توفيق من الله تعالى بأن يسمح لنا بأن نثني عليه. هنا ينتقل الدعاء إلى ما يترتب على عطاء الله لعبده أي التوفيق للثناء عليه وهو إقرار العبد بما هو أهل للثناء وما يستوجبه في ذلك. ثم ما يقابل عطاء الله تعالى المذكور وأهليته تعالى من حيث قصور العبد حيال ذلك، وهو عدم توفر النية الخالصة وضعف اليقين. هذه الفقرات من الدعاء قد تحتاج إلى أن نلقي إنارة عليها وهذا ما نبدأ به الآن.
العبارة الأولى من مقطع الدعاء تقرر بأن الله تعالى أهلٌ للثناء والمستوجب له. هنا قد يتساءل قارئ الدعاء ما هي النكتة الكامنة وراء الإقرار بأن الله تعالى أهل للثناء ثم مستوجب له ايضاً؟ وقبل ذلك يثار سؤال آخر وهو ما هي النكتة الكامنة وراء القول بأن العبد مقر على نفسه بما أثناه على الله تعالى؟ هذا السؤالان يتطلبان شيئاً من التوضيح. بالنسبة إلى السؤال الأخير وهو أن العبد يقر على نفسه بأن الثناء على الله هو أمر له مشروعيته ووجوبه ترى ما معنى الإقرار بهذا؟ وهل يتصور أحدنا أن الداعي لا يقر بأهلية الله تعالى والعياذ بالله؟
إذن لابد من ملاحظة سر وراء ذلك، فما هو؟ في تصورنا إن بعض المتجهين بالدعاء إلى الله تعالى من الممكن أن يتحفظوا في أدعيتهم المتجهة إلى الله، بحيث إما يحيون صراعاً نفسياً في صدورهم عن الدعاء من حيث استجابته أو عدمها مثلاً، أو لا يملكون وعياً حاداً في إدراك ذلك. من هنا تتجه عبارة الدعاء الذي لاحظناه إلى الإقرار أولاً بأن الله تعالى هو أهل للثناء عليه حتى مع فرضية عدم إجابة الدعاء مع ملاحظة أن الثناء على الله تعالى لا يهدف صاحب الدعاء إلى منفعة مادية وراء ذلك بل لأن الله تعالى أهل للثناء فحسب.
من هنا فإن الإقرار بأنه تعالى أهل للثناء يكتسب دلالته عند العبد، لكن مع ذلك كله فإن العبد لا يقدر على تأدية هذا الجانب، أي الثناء على الله تعالى بما هو أهله، لماذا؟ لأن الله تعالى لا يعبد حق عبادته، وهذا ما تقرره نصوص شرعية طالما تشير إلى أنه لا يمكن لأحد أن يستوفي لله تعالى حق الثناء نظراً لقصور العبد حتى لو كان من الصفوة البشرية.
من هنا تواجهنا عبارتان إحداهما تقول: إن الله تعالى أهل للثناء، ثم الأخرى تقول والمستوجب له. هذا من حيث العظمة المرتبطة بالله تعالى، أما من حيث القصور الذي يسم العبد، فثمة عبارتان أيضاً تترتب على ذلك، وهما أولاً العبارة المشيرة إلى عدم توفر النية الصادقة، وثانياً العبارة المشيرة إلى ضعف اليقين. والسؤال الجديد هو ما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
بالنسبة إلى العبارة القائلة بأن الله تعالى أهل للثناء، ثم بعد ذلك قولها والمستوجب له، فإن النكتة وراء ذلك هي أن الله تعالى بما أنه يتسم بالعظمة التي يتفرد بها فإن الثناء عليه يكتسب مشروعيته. لكن الأمر لا يقف عند المشروعية فحسب، بل يتجاوزه إلى الوجوب أي يجب علينا أن نثني على الله تعالى وليس أن نكتفي بأنه تعالى أهل للثناء، وهذا هو أحد آداب الدعاء كما هو واضح.
وأما بالنسبة إلى السؤال الآخر وهو أن العبد لا يمتلك نية خالصة ولا يمتلك يقيناً تاماً، فأمر يحتاج بدوره إلى توضيح، وهذا ما نحدثك عنه في لقاء لاحق إن شاء الله تعالى. أما الآن فحسبنا أن نسأله تعالى بأن يوفقنا للثناء عليه وأن يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها إلى النحو المطوب.
******