بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين. أهلا بكم – أيها الأعزاء – في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتا طيبا ومفيدا.
قال أميرالمؤمنين علي عليه السلام موصيا بالإقتداء برسول الله صلى الله عليه وله وسلم: "ولقد كان في رسول الله، ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أكرم الله بذلك محمدا أم أهانه؟ فإن قال (أهانه) فقد كذب وقد أتى بالإفك العظيم، وإن قال {أكرمه} فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له، وزواها عن أقرب الناس منه، فتأسى متأس بنبيه واقتص أثره، وولج مولجه".
مستمعينا الأعزاء: في هذه الكلمات النورانية البليغة ينبهنا ويأمرنا الإمام عليه السلام بأن ننظر بعقولنا كي نربح الدنيا والآخرة، فالرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو حبيب إله العالمين جاع في هذه الدنيا الفانية مع خاصته: وهم أهل بيته الذين خرج بهم لمباهلة نصارى نجران، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، (وزويت عنه زخارفها) أي صرفت (مع عظيم زلفته) والزلفى: المنزلة والدرجة الرفيعة. وبهذا نفهم – أيها الأعزاء – من كلام الإمام عليه السلام بأن الله تعالى قد أكرم عبده ورسوله بتلك الإبتلاءات، وأما الذين حصلوا على الأموال والمناصب والجاه والنعيم في الدنيا وسخروا ذلك كله في التسلط والظلم والطغيان فهم قد أهانهم الله تعالى في الدنيا من حيث لا يشعرون وهم في الآخرة من الخاسرين.
(فتأسى متأس بنبيه) التأسي: هو الإقتداء (واقتص أثره): أي إتبع منهجه (وولج مولجه): أي دخل مدخله.
ونستمر أيها الأعزاء بالإستماع لبقية كلام الإمام علي عليه السلام الذي يهدي العباد إلى سبيل الرشاد حيث قال: "وإلا فلا يأمن الهلكة، فإن الله جعل محمدا – صلى الله عليه وآله – علما للساعة ومبشرا بالجنة، ومنذرا بالعقوبة: خرج من الدنيا خميصا وورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه". مستمعينا الأعزاء: لقد جعل الباري تعالى نبيه العظيم (علما للساعة): أي دليلا على قربها، قال عزوجل: "يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً" (الأحزاب الايه الثالثة والستون) وجعله (مبشرا بالجنة) حيث قال عز من قائل: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً" (الفتح الاية الثامنة) وقد خرج هذا الرسول العظيم صلى الله عليه واله وسلم من الدنيا (خميصا): أي جائعا (لم يضع حجرا على حجر): أي لم يبن بيتا ولم يتخذ عقارا، وكذلك كانت سيرة الإمام علي عليه السلام فعندما سكن الكوفة وجعلها عاصمة له نزل في بيت ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي.
وأنعم الله تعالى بالرسول علينا (سلفا نتبعه)، وسلف الإنسان: من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، والمراد: انتهاج سيرته وترسم خطاه. و (نطأ عقبه) والعقب: مؤخر القدم والمراد: نسلك سلوكه، ونتبع أثره. نسأله تعالى أن يجعلنا من المقتدين بالرسول الأكرم وعترته الأطهار إنه سميع مجيب. أيها الأحبة الكرام: إنتهى الوقت المخصص للبرنامج، نشكركم على حسن المتابعة وجميل الإصغاء وحتى اللقاء القادم نترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم.