بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي النبي محمد المختار وآله الطيبين الأطهار، أهلا بكم _ أيها الأعزاء _ في برنامجكم هذا آملين أن تقضوا معه وقتا طيبا ومفيدا.
قال أميرالمؤمنين علي (ع) في كتاب له إلي عبد الله بن العباس _رحمه الله تعالى _: "أما بعد، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته و يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك علي ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا، وليكن همك فيما بعد الموت".
مستمعينا الأعزاء: إن هذه الكلمات النورانية الرائعة قال عنها ابن عباس (رض): ماانتفعت بكلام بعد كلام رسول الله (ص) كانتفاعي بهذا الكلام.
(فإنّ المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته) فهو يفرح بأمر مقدّر له في علم الله تعالي، وهو يصله ولولم يطلبه، وقد رأينا في هذه الدنيا أناسا حصلوا علي ثروات طائلة بدون سعي ولا جهد، ومن طريق لم يفكروا به أبدا. (ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه) فهو يأسف ويحزن ويتألم علي شيء لم يقدر له. والمراد: لا داعي للفرح بأمر هو حاصل حتما، ولا معني للحزن علي أمر لم يكن ليحصل ولو اجتمع له الإنس والجن.
ونبقي مع كلام أميرالمؤمنين (ع) حيث يقول: "وليكن سرورك بما نلت من آخرتك" فإنك _ مستمعي الكريم _ تفرح إذا وفقت لأداء فريضة، أو عمل مستحب تتقرب به إلي الله سبحانه لأن ذلك مدخر لك، ينفعك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويكون سببا لنجاتك من النار. (وليكن أسفك علي ما فاتك منها) فقد يفوتك الحج وقد كان بإمكانك الذهاب فتأسف لذلك، وتفوتك العمرة وزيارة الرسول الأعظم (ص) والأئمة (ع) فتأسف لذلك، وتفوتك أعمال البر الأخري وكان يمكنك الإتيان بها فتأسف لذلك. وهنا _ مستمعي العزيز _ أمر يجب الإنتباه له: إن الأسف لأعمال الخير لا يجدي نفعا فالواجب علي الإنسان المبادرة لعمل الخير وقد قال الرسول الأكرم (ص): يا علي بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك. وينبغي للعبد أن يفرح بالعمل الصالح لا بالدنيا و زخارفها وأن لايحزن و يجزع علي ما يفوته من أمور الدنيا وعليه أن يتيقن أن الله تعالي فوت عليه بعض أمور الدنيا لمصلحة خاصة، لعلمه سبحانه بما يصلح به عباده. (وليكن همك فيما بعد الموت): أي فرغ فكرك وذهنك لما تصير إليه وما ينجيك في ذلك الموقف الذي يصفه جل جلاله: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"(الشعراء۸۸-۸۹).
قبل الوداع ننور قلوبنا بالإستماع إلي حديث أميرالمؤمنين (ع) مرة أخري الذي ورد في بداية البرنامج حيث قال: "أما بعد، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت مالم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك علي ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا، وليكن همك فيما بعد الموت".
وختاما _ مستمعينا الأفاضل _ نتمني لكم كل الخير ونشكركم علي حسن المتابعة والسلام عليكم.