الحمد لله هادي المجاهدين فيه الى سبيله الموصلة اليه ومحيط المتوسلين اليه برحمته والصلاة والسلام على مظاهر رحمته الكبرى للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته اهلاً بكم في ثالث حلقات هذا البرنامج نذكركم في مطلعها بخلاصة ما عرفناه في سابقتيها.
ففي الاولى علمنا ان التوسل الى الله يعني التمسك بما يوصل الى قربه عز وجل ورضاه شريطة ان يكون التمسك بالوسيلة عن رغبة فيها.
وفي الحلقة الثانية رأينا ان القرآن الكريم يأمر بابتغاء الوسيلة والابتغاء يعني الاجتهاد الشديد في طلبها ويقرر ان ابتغاء الوسيلة شرط تحقق التقوى وآلية موفقية الجهاد في سبيله.
وفي هذه الحلقة نسعى للتعرف على ماهية "الوسيلة" التي امرنا عز وجل بابتغائها فكونوا معنا اعزاءنا.
يوجد احباءنا قولان اساسيان في بيان معنى الوسيلة الاول ما ذكره الراغب في معجم الفاظ القرآن حيث قال: حقيقة الوسيلة الى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة.
والثاني هو قول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، معلقاً على قول الراغب حيث قال العلامة: واذا كانت الوسيلة نوعاً من التوصل وليس الا توصلاً واتصالاً معنوياً بما يوصل بين العبد وربه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربه الا ذلة العبودية.
وبعد هذه المقدمات يصل العلامة الطباطبائي الى النتيجة التالية فيقول: فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر الى جنابه تعالى، فهذه هي الوسيلة الرابطة واما العلم والعمل فانما هما من لوازمهما وادواتهما.
ما ذكروه مستمعينا الاكارم هو مظهر ما يؤدي اليه ابتغاء الوسيلة والتمسك بها أي ثمرة هذا التمسك فتكون الوسيلة في الواقع الرابطة التي تربط العبد بمولاه على قاعدة العبودية له جل جلاله، فتكون له الحظوة والمنزلة الكريمة عند مولاه.
*******
اما كيف تربط الوسيلة بين العبد ومولاه على قاعدة العبودية لله جل جلاله؟ هذا السؤال يجيبنا عنه سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا استكمالاً لحوار الحلقة الماضية نستمع معاً:
المحاور: سماحة الشيخ في الحلقة السابقة بينتم ان ابتغاء الوسيلة امر ضروري وركن اساسي بازالة البعد بين العبد وربه باعتبار ان البعد هو من العبد وليس من الله، الله سبحانه وتعالى قريب، فيما يرتبط بهذا المعنى والترابط بين تقوى الله وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيل الله وكيف تربط الوسيلة بين العبد ومولاه حبذا تكملون بياناتكم مشكورين؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، مر بنا في البحث السابق ان هذه الآية تفيد حقيقة وهو وجود المسافة من طرف العبد اتجاه الرب لابد للعبد ان يطويها عبر منازل وعبر التوسل واتخاذ الوسيلة ليصل الى الغايات القريبة المنشودة الملزم هو بطيها وبالوصول اليها لكي ينجو من نار الفراق ومن نار العذاب، فان الامر في الآية الكريمة كما مر بنا امر الزامي وليس امر ندبي نعم هو في غير الواجبات يكون امر ندبي ولكنه في الفرائض في الواقع المطوي فيها الوسيلة والتوسل هما امر الزامي، اما ربط التقوى والجهاد في سبيل التوسل فلان الامر يرتبط بان العبد عندما يقر في قرارة نفسه بالعبودية والخضوع له تعالى ولزوم السعي ازاء التقرب اليه والزلفى اليه فيوطن نفسه على التسليم له تعالى وبالتالي التسليم بكمالات الله وبالتالي التسليم بوجود تلك المسافات وتلك المساحات بين العبد وبين باريه ولزوم التوجه اليه تعالى بالوجه الذي امر به وبالتوجه اليه بالابواب التي نصبها ابواباً لحجبه ولعوالمه ولسراديقه ولحضرته ولساحته المقدسة فالتالي تستلزم هذه نوع من الطاعة له ولرسله ولخلفائه في الارض لذلك القرآن الكريم يوضح لنا مثالاً بارزاً كرره في عدة سور وهو مثال ابليس وآدم امر الباري تعالى بسجود جميع الملائكة اي بمنتهى الطاعة لآدم فيحدثنا القرآن الكريم ان ابليس ابى واستكبر، في الحقيقة التقوى التي كان يفتقدها ابليس هي بالواقع ترجع الى عدم وجود مثل هذا التعايش التوحيدي في قرارة ذات نفسه حيث لا يقر بالعبودية ومدى النقص والفقر الموجود في ذاته والمسافة التي بينه وبين بارئه ومن ثم تحتم عليه اتخاذ الوسيلة كما مر بنا هي آيات خلقية خلقها الله عز وجل كوسائل وكأبواب ووجوه يتوجه اليه لله الاسماء الحسنى فأدعوه بها فالاسماء متكثرة والمسمى وهو الباري تعالى واحد والاسماء يدعى الباري بها ليس فادعوه به، المذاهب الاخرى والمتطرفة تحسب ان هذه الآية هي تنفي التوسل والحال ان هذه الآية هي من اكبر البراهين على التوسل.
*******
نتابع مستمعينا الافاضل تقديم الحلقة الثالثة من برنامج التوسل الى الله فننقل لكم اقسام الوسيلة طبق ما جاء في كتاب التحقيق في كلمات القرآن، السيد حسن المصطفوي رضوان الله عليه قسم الوسيلة الى نوعين الارادية والطبيعية، وعرفهما قائلاً: فالوسيلة الارادية كالانبياء والائمة والاولياء المقربين والطبيعية كدرجات الايمان ومقامات المعرفة والصفات الروحانية والاعمال الخالصة الالهية فان فيها قرباً وتمايلاً الى الحق والمتوسل بها يتمسك بالعروة الوثقى.
ثم تحدث رحمه الله عن اختلاف الافراد فيما يرتبط بما يصلح لكل منهم من وسائل النوع الثاني وهي كثيرة والذي يقدر على تشخيصها هم العارفون بخصوصيات الافراد من جهة وآثار كل وسيلة من وسائل النوع الثاني.
وهؤلاء هم اولياء الله المقربون أي مصداق الوسيلة من النوع الاول ولذلك نصت الاحاديث الشريفة على انهم هم الوسيلة الى الله عز وجل ففي تفسير علي بن ابراهيم في تفسير قوله عز وجل وابتغوا اليه الوسيلة قال: تقربوا اليه بالامام.
وفي عيون اخبار الرضا عليه السلام مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال في وصف الائمة من ولد الحسين عليه السلام هم العروة الوثقى وهم الوسيلة الى الله تعالى.
مستمعينا الاكارم المزيد من التوضيحات لمعنى الوسيلة ستأتيكم باذن الله في الحلقة المقبلة من البرنامج فكونوا معنا في بركة الله. وفي رعاية الله نستودعكم بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******