الحمد لله الذي هيأ لعباده خير الوسيلة لقربه والصلاة والسلام على خير من عرف الله لخلقه المصطفى الاحمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم في ثانية حلقات هذا البرنامج نتناول فيها الامر القرآني بالتوسل الى الله عز وجل.
وبعد ان عرفنا في الحلقة السابقة ان المعنى اللغوي للتوسل الى الله هو الاستعانة بالوسيلة الموصلة الى قربه ورضاه.
والامر القرآني بذلك جاء مستمعينا الاكارم في ابلغ واكمل صورة بيانية يمكن تصورها لاحظوا اعزاءنا اعجاز البلاغة القرآنية في قوله عز من قائل: «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون».
لاحظوا احباءنا البلاغة القرآنية اولاً في استخدام فعل الامر "ابتغوا" فما سر هذا الاستخدام ولماذا لم تقل الآية "اتخذوا" مثلاً بدل"ابتغوا"؟ الاجابة عن هذا التساؤل نجدها من خلال التدبر فيما قاله علماء اللغة بشأن معنى "الابتغاء".
فهم قالوا كما في معجم الراغب والتحقيق في كلمات القرآن وغيرهما ان الابتغاء هو من البغي وهو يعني "الطلب الشديد الاكيد"والابتغاء هو اختيار هذا الطلب وقالوا ايضاً واما الابتغاء فقد خص بالاجتهاد في الطلب وعليه فان الله يأمر بالاجتهاد الشديد في طلب الوسيلة الموصلة اليه، والمتتبع للاوامر القرآنية لا يجد فيها امراً اشد تأكيداً من هذا الامر بابتغاء الوسيلة، وهذه الملاحظة تبين اهمية التوسل الى الله من بين اوامره عز وجل فكيف نعمل بهذا الامر الالهي المهم؟
هذا ما نسعى للاجابة في حلقات هذا البرنامج القادمة باذن الله عز وجل اما الان فنرجع الى الآية الكريمة حيث نلاحظ فيها ان الامر بابتغاء الوسيلة جاء توسطاً بين الامر بالتقوى والجهاد في سبيله، فما السر في ذلك؟
*******
الاجابة عن هذا التساؤل نستمع اليها من ضيف البرنامج سماحة الشيخ محمد السند في اللقاء التالي الذي اجراه معه زميلنا عبر الهاتف نستمع معاً:
المحاور: السلام عليكم احباءنا شكراً لكم على متابعتكم لهذا البرنامج معنا مشكوراً سماحة الشيخ محمد السند وهو يجيب عن أسألتنا فيما يرتبط بموضوع هذا البرنامج، سلام عليكم سماحة الشيخ.
الشيخ محمد السند: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ الاية التي امرت بأبتغاء الوسيلة الى الله تبارك وتعالى ربطت او قدمت الامر بتقوى الله ثم بأبتغاء الوسيلة ثم بأمر ثالث بالجهاد في سبيل الله، ما هو وجه الترابط بين هذه الاوامر الالهية الثلاث؟ تفضلوا:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة ان هذه الاية فيها من الفوائد والمعاني العظيمة فأن الامر بأبتغاء الوسيلة الى الله عزوجل، هذا ربما يحمل على الندبة والاستحباب ولكن سنبين القرائن في الاية ان تفيد ضرورة ووجوب ولزوم ولابديت ابتغاء الوسيلة كما يتصور انه للندبة والوجه في ذلك ان الاية تشير الى وجود بعد المسافة بين العبد وبين الرب لان الوسيلة هي نوع من طي المسافة والبعد الموجود بين الطاوي المتوسل والوسيلة الى ان يصل الى المقصد، هذه الاية في الحقيقة تبين حقيقة تكوينية ان بين العبد الى الرب من طرف العيد هناك مسافات وهناك بعد ومنازل لابد ان تطوى، نعم هناك آيات تدل على ان المسافة بين الباري تعالى وعبيده من طرف الرب قريب مجيب ولكن قرب الرب الى العبيد لا يعني قرب العبيد من الرب.
المحاور: بعد فلا يرى، وقرب فشهد النجوى، شهد هو النجوى ولكنه بعد فلا يرى.
الشيخ محمد السند: وسبب قرب الرب من العبيد من طرف الرب ان الرب تعالى مهيمن قريب بقدرته وهيمنته وبعلمه وبصيريته من عبيده وخلقه فبالتالي هو قريب في الهيمنة والقدرة والسيطرة والاحاطة ولكن على العكس من العبيد اتجاه الرب، العبيد لا يكتنهون خالقهم ولا يهمنون عليه ولا يعلمون بكنهه ولا يحيطون به من طرف العبيد اتجاه ربهم هناك بعداً ومن ثم العبيد والعباد يتقربون بالطاعات تلو الطاعات والايمان والفرائض والخيرات كي يتقربوا ويزدلفوا زلفة الى ربهم.
المحاور: يعني هذا الاقتراب في الواقع هو نوع من رفع الحواجز او الحجب التي تحجبهم.
الشيخ محمد السند: نعم ورفع هذا البعد والمسافات الموجودة وقد اشرت فيما مضى بمقتضى ما افيد بروايات اهل البيت وكذلك القرآن الكريم من ان قرب الله تعالى ايضاً لخلقه ليس قرباً جغرافياً وانما هو قرب قدرة وقرب هيمنة واشراف واحاطة وبالتالي كمال مسيطر مهيمن على الخلق الفقراء اليه تعالى.
المحاور: افهم من كلامكم سماحة الشيخ ان ابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيل الله بأعتبار ان ابتغاء الوسيلة هي المقدمة الضرورية لرفع هذه المسافة البعيدة التي تحتاج الى جهاد في سبيل الله؟
الشيخ محمد السند: نعم وبالتالي ايضاً اقتراب العبيد بالوسيلة الى الله تعالى هو في الواقع عبارة عن، بعد توسلهم يضفي عليهم بالوسيلة كمالات ومن ثم كلما ازداد العبد كمالاً كلما ازداد قرباً من الباري تعالى، اذن كلما ازداد نقصاً وشراً وشقاءاً كلما كان بعيداً عن الباري لانه لا يتمثل فيه آية من آيات عظمة الباري، اذن الآية الكريمة تدل على الطرف المقابل من الآية الكريمة الاخرى، «فاني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان» تلك الآية تشير الى الاتجاه من طرف الرب واما هذه الآية تشير الى اتجاه العبيد اتجاه الرب وان هناك مسافة فاذا بينت هذه الحقيقة هذه الاية الكريمة حينئذ تقتضي هذه الاية ان الوسيلة امر ضروري لان طي المسافة واصل التقرب الى الله فرض في الايمان وفرض في الطاعات، انما شرعت والزم بها وامر بها الطاعات الواجبة لاجل الحصول على القرب والتقرب، اذن تدل الآية ان الوسيلة امر ضروري ولازم.
*******
نتابع اعزاءنا تقديم الحلقة الثانية من برنامج التوسل الى الله بتثبيت الحقيقة التالية وهي ان المستفاد من الآية الخامسة والثلاثين من سورة المائدة هو ان تحقق تقوى الله انما يكون بابتغاء الوسيلة الموصلة اليه والى قربه ورضاه جل جلاله.
اذن فمن لم يبتغ الوسيلة الى الله عز وجل لم يحقق في قلبه تقوى الله فهو بالتالي ليس تقياً هذا اولاً، وثانياً فان نجاح الانسان في الجهاد في سبيل الله بمعناه الشامل للجهادين الاصغر والاكبر مرهون بابتغاء الوسيلة الى الله والا لم يكن جهاده حقيقياً.
وهنا نستذكر مستمعينا الاكارم قوله عز وجل في آخر سورة العنكبوت: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين»، وسبل الله هي الوسائل الموصلة اليه كما سنرى في الحلقة المقبلة ان شاء الله ونكتفي هنا بالاشارة الى ان الآية الكريمة تتضمن وعداً الهياً بهداية من ابتغى الوسيلة الى السبل الموصلة اليه وانقاذه من السبل المتفرقة عن الصراط المستقيم.
ويبقى اعزاءنا المستمعين ان نشير الى ذيل الآية الكريمة أي قوله عز من قائل جاء بعد ان امر بالتقوى وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيله.
فمعنى الفلاح احباءنا هو النجاة من الشرور وادراك الخير والصلاح كما يقول علماء اللغة والتفسير.
وتذييل الآية بذكره تنبيه الى ان العمل بهذه الاوامر القرآنية الثلاثة، أي تقوى الله وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيل الله عز وجل، يحقق للمتوسل الى الله امرين الاول النجاة من الشرور بمختلف اصنافها وكلها تصد عن سبيل الله، والثاني هو ادراك الخير والصلاح واسمى مصاديقه هو قرب الله عز وجل والحظوة عنده والفوز برضاه، رزقنا الله واياكم احباءنا مقامات الفائزين بالفلاح.
ولكن ما هي الوسيلة التي امرنا الله عز وجل بالاجتهاد الشديد في ابتغائها؟ هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة المقبلة ان شاء الله تعالى فكونوا معنا والى حينها نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******