السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات...
أهلاً بكم ومرحباً في حلقة اليوم من هذا البرنامج، نخصصها لمتابعة حكاية الأخت الألمانية (آيني غريد)، التي إختارت لنفسها إسم (سعيدة) بعد إعتناقها الإسلام؛ وقد كتبت هذه الأخت قصتها بقلمها ونشرتها على شبكة الإنترنت مشتملة على كثير من الدروس المهمة تلمسنا بعضها في الحلقة السابقة من البرنامج ونتابع هنا إستلهام دروس تربوية أخرى من هذه القصة المؤثرة.. تابعونا على بركة الله.
أيها الأطائب، إخترنا لحكاية هذه الأخت الألمانية عنوان (أنا سعيدة حقاً) إستلهاماً من قصتها، وقد عرفنا أنها إستجابت منذ طفولتها لمشاعرها الفطرية في البحث عن السكينة والطمأنينة في الإرتباط بالله عزوجل، فتوجهت للكنيسة وهي التي تنتمي للمذهب البروتستاني، ولكنها وجدت تعاليم الكنيسة عاجزة عن تحقيق ما تطمح له بفطرتها السليمة، فكان عجز الكنيسة في الإجابة عن أسئلتها الفطرية سبباً لإبتعادها عن الدين وعيش فترة من الضياع والحيرة أنهاها إلتقائها بشاب لبناني مسلم في أحد المؤتمرات الجامعية، ففتح أمامها آفاق التعرف على الإسلام فاهتمت بدراسته حتى وجدت في أصوله المعنوية ما تريد تقول الأخت (آيني غريد) في تتمة حكايتها ما ترجمته:
(لمّا وجد الإسلام طريقه إلى قلبي اهتزّ كياني، واقشعرّ جلدي، واعترتني حالة من الوجد والشغف، تركت أثراً بالغاً في تهذيب وتزكية نفسي، وتطهير الأدران المتراكمة على قلبي ، ولكن أوّل عقبة بعد إسلامي كانت صعوبة ارتداء الحجاب، ومواصلة الصلاة اليوميّة .
فقرّرت في البدء أن لا أرهق نفسي بأمور قد يكون مردودها السلبي أكثر من ايجابيّاتها على نفسي ، فاجتهدت لتنمية المناعة النفسيّة، وإنشاء رصيد متين أتحصّن به ، فتوجّهت إلى مطالعة الكتب الدينيّة الإسلاميّة، واجتهدت لأوفّر لنفسي أجواءً تترعرع فيها الخصال الحسنة وتنمو وتزدهر فيها الفضائل في نفسي).
وتلاحظون هنا مستمعينا الأفاضل أهمية البناء العقائدي في تعزيز الآثار الروحية والمعنوية التي طلبتها هذه الأخت الألمانية، وهذا البعد هو الذي جعلها لا تقنع بمرحلة معينة من الكمال، وتواصل بحثها لمعرفة المذهب الأكمل من بين المذاهب الإسلامية، نتابع قصتها حيث نقرأ ما كتبته قائلة:
(وبعد مضيّ عدّة أشهر من إسلامي تعرّفت على شاب مسلم ينتمي إلى المذهب الحنفي ، وكان نصيبي أن تمّ زواجي به فالتحقت به وانتميت إلى مذهبه الإسلاميّ.
ثمّ واصلت مطالعاتي الإسلامية فتبيّن لي وجود فرق ومذاهب كثيرة في الإسلام ، وكنت أجهل سبب ذلك ، وكنت استفسر من المسلمين عن سبب ذلك ، ولكن لم يقدّم لي أحد جواباً يقنعني.
وبقيت هذه المسألة غامضة لي حتّى حضرت عام ۱۹۸۸ مؤتمراً إسلامياً أقيم في المركز الإسلاميّ في هامبورغ ، فتعرّفت فيه على أخت تنتمي إلى مذهب التشيّع ، ورافقتها طيلة الأيّام الثلاثة التي أقيم فيه المؤتمر.
وكانت هذه الأخت تتمتّع بثقافة إسلاميّة عالية ، فلهذا انتهزت الفرصة ، وكنت أوجّه لها الأسئلة والشبهات التي كانت في ذهني ، وكانت الأخت تصغي إلى أسئلتي ثمّ تجيب عليها بإجابات قويّة ومقنعة.
وكان من جملة الأسئلة التي وجّهتها للأخت الشيعيّة هو سؤالي القديم حول سبب نشوء الفرق في الإسلام ، فاجابت أنّ الرسول أوصى أمّته بالتمسّك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته وجعل الرسول الاعتصام بهذين الركنين عصمةً من الضلال ، ولكن البعض من أجل تحقيق مصالحهم ومآربهم رفضوا عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان هذا سبباً لابتعادهم عن الرؤى الإسلاميّة الصحيحة، واتّباعهم للأهواء ، وهذا ما أدى إلى نشوء التفرّق في أوساط الأمّة الإسلامية).
وهكذا بدأت الأخت الألمانية (آيني غريد) جولة جديدة من البحث العلمي للوصول إلى الحق واختيار أصدق المذاهب تعبيراً عن الإسلام المحمدي النقي الخالي من تحريفات الأهواء بشتى أشكالها؛ تقول هذه الأخت ما ترجمته:
(أخذت كلام هذه الأخت الشيعيّة بعين الاعتبار ، وتوجّهت نحو البحث في الكتب حول هذا الموضوع ، ففعلت ذلك حتّى تبيّن لي صحّة ما قالت ، ولمّا حان موعد اقتطاف ثمرة أبحاثي اعلنت تشيّعي فاستاء زوجي لذلك ، وحاول أن يصرفني عن السبيل الذي اخترته لنفسي ، ولكنّه لم يتمكّن من ذلك ، لأنّني شعرت بعد تشيّعي بثقة نفسيّة كبيرة ، وكان لمفاهيم أهل البيت(عليهم السلام) دور كبير في تنمية الثبات في نفسي).
وهنا نلمح أيها الأكارم أثر صفاء القيم الإسلامية التي حملها أهل بيت الرحمة المحمدية – عليهم السلام – في إيجاد السكينة والطمأنينة الروحية والإستقامة النفسية على الدين الحق رغم كل الصعاب، وهذا ما تحدثنا أختنا الألمانية (آيني غريد) عن أبرز مصاديقه حيث كتبت في خاتمة حكايتها تقول ما ترجمته:
(أنا الآن لست كما كنت فيما سبق من الهمج الرعاع، أتّبع كلّ ناعق، وأستجيب لكلّ دعوة ، بل دليلي اليوم هو عقلي الذي امتلأ نوراً من مصابيح الهدى واستضاء بنور علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)
كما أنّني ارتديت بعد ذلك الحجاب الإسلاميّ ، وواظبت على الصلوات الخمس، والتزمت بشرايع ديني، ولم تأخذني في الله لومة لائم ، ثمّ غيّرت اسمي ، وسمّيت نفسي "سعيدة" ذلك لأنّني شعرت بعد إكمال ديني أنّني في الواقع قادرة برصيدي المعنويّ الذي تلقيّته من مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) على مواجهة كافة الأزمات والكروب، وتحمّل الصعوبات والمصائب، ومقاومة مشاعر السخط والضجر والسأم والملل واليأس.
وأنا من خلال تعديل طريقة تفكيري وتحسين سلوكياتي الإراديّة قادرة على أن أكون في معظم مراحل حياتي نشطة ومرتاحة، وذلك بفضل ثقتي بالله واتّصالي به عبر المناهج التي قدّمها لنا أهل البيت(عليهم السلام) عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم).
فلذلك أنا بالفعل سعيدة; لأنّ قلبي الممتلىء بمحبّة أهل البيت(عليهم السلام) يفيض دوماً بمشاعر الرضا والثقة والأمل).
وبهذه العبارات المؤثرة من قصة الأخت الألمانية (آيني غريد) نختم أيها الإخوة والأخوات حلقة اليوم من برنامج (أسلمت لله) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية في ايران.. تقبل الله أعمالكم ودمتم بألف خير.