البث المباشر

رحلة خالدة إلى "أسترآباد".. المدينة القديمة في "جرجان"

الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 - 09:07 بتوقيت طهران
رحلة خالدة إلى "أسترآباد".. المدينة القديمة في "جرجان"

يكمن في قلب مدينة "جرجان" الحديثة، الواقعة في محافظة "كُلِستان" شمال شرق إيران، وتحت وطأة التطور العمراني، أحد أهم المعالم التاريخية وأكثرها صمودا في إيران: مركز المدينة القديمة المعروف منذ قرون باسم "أسترآباد".

لا تمثل مدينة "أسترآباد" القديمة، المعروفة اليوم باسم "جرجان"، أثرًا جامدا، بل كيانا متطورا باستمرار، حيث تقدم أنماطها المعمارية - من الأسوار الدفاعية والأزقة المتدرجة وصولا إلى المنازل ذات التصميم الداخلي المميز بمصدات الرياح - فهما عميقا لتكيف الحياة الحضرية في منطقة جنوب شرق بحر قزوين خلال العصر الإسلامي، ولا سيما خلال فترات التحول في الحكم الصفوي والقاجاري.

كما أن الهوية المعمارية لمدينة أستراباد القديمة مرتبطة ارتباطاً وثيقا بسياقها الجغرافي والتاريخي الفريد.

                                                               منظر جوي لمدينة "جرجان" القديمة

تقع مدينة أسترآباد على الشاطئ الجنوبي الشرقي لبحر قزوين، وتحتل منطقة انتقالية بين المناخ شبه الاستوائي الرطب لغرب محافظة مازندران والسهوب الجافة لتركمانستان في الشمال الشرقي.

هذا الموقع، الذي تحدّه جبال البرز الشامخة من الجنوب ونهر جرجان من الشمال، منحها مناخا معتدلا، وجعلها في الوقت نفسه حدودا دائمة، عرضة للغزو، وموردًا استراتيجيًا للقوى المتنافسة.

تاريخياً، نشأت أسترآباد في ظل مدينة جرجان القديمة، التي تقع على بعد 70 كيلومتراً شمال شرق مدينة "كُنبد كاووس" الحديثة، والتي دمرها المغول وزلزال كارثي في ​​القرن الثاني عشر.

أدت الهجرة وتغير مركز الحياة الحضرية إلى ازدهار أسترآباد. زازدادت أهمية المدينة عندما أصبحت حصنا عائليا ودارا للملك (مقر السلطة) لسلالة القاجار، وكانت في نهاية المطاف مسقط رأس آغا محمد خان قاجار، مؤسس سلالة القاجار التي حكمت إيران من عام ١٧٨٩ إلى ١٩٢٥م.

وخلال الفتوحات العربية، أثرت صراعات البويهيين والزيار، الاضطرابات المغولية، مؤامرات التيموريين، وحروب الصفويين والأوزبك - بشكل مادي على الشكل الحضري لمدينة أسترآباد، حيث أضافت كل مرحلة من مراحل التدمير وإعادة البناء طبقة إلى سردها المعماري.

تميّزت البنية الأساسية لمدينة أسترآباد القديمة بنسيج عمراني محصّن ومتمركز في الداخل، محاط بتحصينات دفاعية قوية. وكانت المدينة محاطة بسور من الطوب اللبن، يبلغ طوله حوالي ٥-٦ كيلومترات، مُدعّمة بأبراج ومحميّة بخندق عميق.

                                                         الأزقة القديمة في مدينة "جرجان"

يُعدّ الطراز المعماري السكني في أسترآباد مثالًا فريدًا على تكيف السكان المحليين مع مناخ منطقة بحر قزوين الرطب والمعتدل.

كانت المنازل في الغالب ذات واجهات داخلية، مُصممة حول أفنية مركزية توفر الإضاءة والتهوية ومساحة مفتوحة خاصة.

عادة ما كانت الأجزاء الأولية من المباني تقع على المحور الشرقي-الغربي، وكانت مساحات المعيشة الرئيسية (غرف بثلاثة وخمسة أبواب) تواجه الشمال والجنوب لامتصاص أشعة الشمس والرياح المفيدة على أفضل وجه.

                                                                   جامع "جرجان" الكبير

كانت إحدى السمات البارزة لأفق أسترآباد، وخاصة بين المنازل الأكثر ثراءً، هي مصائد الرياح، وهي عبارة عن هيكل يشبه البرج يلتقط النسائم الباردة والعالية ويوجهها إلى المساحات الداخلية للمنزل.

كانت الأسقف مائلة بلطف، مغطاة بالطين، ومدعومة بعوارض خشبية متينة، غالبا ما كانت تمتد خارج الجدران لتشكل أفاريز واقية من المطر.

كانت مواد البناء محلية بالكامل:

"الطوب المحروق والطوب اللبن، أخشاب من غابات البرز، والجص الطيني".

على الرغم من أن المظهر الخارجي كان بسيطًا في الغالب، إلا أنه كان من الممكن أن يتميز بأعمال الطوب المزخرفة أو شرائط الجص المنقوشة (النقوش) بآيات قرآنية أو أبيات شعرية، بينما كان التركيز الداخلي على الغرف الواسعة والطويلة ذات الشرفات الخشبية المعقدة (الشرفات) والمنافذ وفي النماذج الأكثر تكلفة، أعمال الجص المتقنة (التجصيص).

يمثل النسيج العمراني القديم لمدينة أسترآباد، التي تُعد الآن مركز "جرجان"، مثالاً نادراً على السكن المستمر والتطور العضوي.

وعلى عكس العديد من المراكز التاريخية في إيران التي تم التخلي عنها أو تحجرت، فإنها لا تزال تعتبر مركزا حضريا نابضا بالحياة وديناميكيا.

                                                                   أسطح المنازل القديمة في "جرجان"

نظراً للقيمة الهائلة لهذا النسيج القديم، تم تسجيله كمعلم وطني (رقم 41) في أوائل عام 1931.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة