أمّ صادقاً وقدم شفيعاً
جعفرالصادق الامام الهاما
من سنا وجهه أمد الدراري
وندي كفه أمد العاما
مصدر العلم منتهي الحلم باب
الله والعروة التي لا لها إنفصاما
شمس قدسٍ بدت فجلت دجي الكفر
ودلت علي الرشاد الا ناما
سيدٌ جده دني فتدلي
قاب قوسين منزلاً لن يراما
بسم الله وله المجد والحمد حبيب قلوب الصادقين وأزكي الصلوات وأسني التحيات علي صفوته المنتجبين الصادق الامين محمد وآله الطاهرين. السلام علي بحر المعارف المحمدية وناشرالسنة النبوية ومعدن الحكمة العلوية القرآن الناطق مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق سلامٌ من الله عليكم أعزاءنا ورحمة منه وبركات أسعد اله أيامكم بذكري المولد النبوي الشريف الذي ضاعف بهجته إقترانه بمولد سليل النبوة الامام الصادق (عليه السلام).
هذه الحلقة لمولانا الصادق (عليه السلام) ضمن فقرات عدة نستعرضها لكم أولاً:
- فالأولي عن قصة الولادة الصادقية وعنوانها: إمامٌ بشربه الرسول
- تليها فقرة روائية عنوانها: حديث محمدي وسيرة نبوية
- بعدها ننقلكم الي أجواء السيرة الصادقية في فقرة عنوانها: هذا من فعال مثله
*******
نبدأ الجولة أحباءنا بأطلالة علي قصة الولادة الصادقية ضمن فقرة عنوانها:
امامٌ بشر به الرسول
في الصباح الباكرمن يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين للهجرة، كان أهل بيت الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد نووا صوم الشكر إحتفاءً بمولد سيدهم المصطفي (صلي الله عليه وآله) وقد أبهجتهم ذكري المولد النبوي الشريف وكان من لطيف جميل الصنع الإلهي أن ضاعف الله سرورهم وبهجتهم عندما جاءت المقابلة من دار الإمام الباقر (عليه السلام) لتحمل للأسرة المحمدية بشري إشراق نور سادس أئمة العترة المحمدية وناشرالسنة النبوية النقية سارعت القابلة الي الإمام السجاد وهنأته وهي تقول: ما أجمل عيني حفيدك يا مولاي، لقد وضعت أم فروة وليدها فبادر الي الإمام السجاد (عليه السلام) الي حجرة أم فروة وهي فاطمة بنت بنت صاحبه الموالي القاسم بن محمد بن أبي بكر.
تناول السجاد حفيده وأجري عليه سنن الولادة المحمدية، وهنئاً الوالدة بوليدها المبارك.
لقد نص المؤرخون والرواة الثقاة أن تسمية هذا الوليد المبارك كانت قد سبقت ولادته بأمدٍ طويل. فقد جاء في حديث اللوح الذي رواه جابرعن رسول الله عن الله تبارك وتعالي تسمية خليفة الباقر بجعفر وتلقيبه بالصادق.
واسم جعفر يعني النهر في اللغه، وهو اسم لنهر في الجنة، روي في كتاب علل الشرائع عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) انه قال: اذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب فسموه الصادق فانه سيكون في ولده سمي له يدعي الامامة بغير حقها ويسمي كذاباً.
وكانت والدة الامام الصادق (عليه السلام) سيده نساء زمانها قال عنها ع: كانت امي ممن امنت واتقت واحسنت والله يحب المحسنين.
وهي (سلام الله عليها) من رواة الحديث الشريف وقد روي عنها ولها الصادق انها روت عن ابيه الباقر (عليه السلام) قوله لها: يا ام فروة اني لادعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة الف مره لانآ فيما ينوبنا من الرزايا نصبر علي ما نعلم من الثواب وهم يصبرون علي ما لا يعلمون.
ويذكر المؤرخون انه في سنة تسعين للهجرة ظهر وباء الجدري في يثرب فخشيت سيدتنا ام فروة علي ولدها من العدوي فخرجت به الي خارج المدينة الي بعض نواحيها، وهناك وجدت في بدنها اعراض المرض، فخشيت عليه، فآبعدته عنها وامرت بنقله (عليه السلام) الي مكان آخر، وظلت تعاني الام المرض وفراق ولدها الحبيب.
وعندها توجه الإمام الباقر سلام الله عليه الي قبر جده المصطفي (صلي الله عليه وآله) ودعا الله أن يشفي زوجته من هذا المرض الذي يصيب صغار السن عادة فإذا أصاب كبارهم كان يقضي عليهم عادة.
ولكن الله تبارك وتعالي شاء أن يشكر لأمته أم فروة شدة شفقتها علي وليه الصادق (عليه السلام) فأستجاب دعاء وليه الباقر (عليه السلام) فعا فاها من المرض عندما وصل إليها زوجها الإمام الباقر (عليه السلام) قادماً من زيارة قبر رسول الله (صلي الله عليه وآله).
روي محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي جعفر الباقر إذ دخل عليه جعفر إبنه وعلي رأسه ذؤابة فضمه إليه وقال: بأبي أنت وأمي لا تلهو ولا تلعب.
ثم قال لي: يا محمد هذا إمامك بعدي فإقتد به وإقتبس من علمه، والله إنه لهو الصادق الذي وصفه لنا رسول الله (صلي الله عليه وآله)، إن شيعته منصورون في الدنيا والآخرة وأعداؤه ملعونون علي لسان كل نبي.
روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من زارني غفرت له ذنوبه، ولم يمت فقيراً».
وروي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) أنه قال: «من زار جعفراً وأباه (عليه السلام) لم يشتك عينيه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلي».
*******
هذا اللقاء الخاص بذكري مولد الإمام الصادق (عليه السلام) وفقرة عنوانها:
حديث محمدي وسيرة نبوية
عرف مولانا الإمالم الصادق (عليه السلام) إضافة الي لقبه المشهور بألقاب عدة تكشف عن سمو مقاماته وجميل سيرته المحمدية في الناس وقد ذكروا من ألقابه: الفاضل والقاهر والكامل والمنجي من الضلالة والصابر والطاهر والكافل وقد لقب به لأنه كان يكفل الفقراء والأيتام والمحرومين ويوصل لهم المعونات من دون أن يعرفهم بنفسه.
روي عن أبي جعفر الخثحمي قال: أعطاني الصادق (عليه السلام) صرة وقال لي: إدفعها الي رجل من بني هاشم ولا تعلمه أني أعطيتك له شيئاً فذهب الخثعمي وسلم الأمانة للرجل الذي لم يعرف أن مرسلها هو الإمام إلا أن شكر المرسل وقال: جزاه الله خيراً ما يزال كل حين يبعث بها فنعيش بها الي قابل ولكني لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله!!
وكان نقش خاتمه (عليه السلام) هو الله عوني وعصمتي من الناس وفي نقشه: أنت ثقتي فأعصمني من خلقك: وفي ذلك إشارة الي كثرة الأخطار التي كانت تحيط به وهو يقوم بمهام الإمامة الكبري التي إستمرت أربعاً وثلاثين سنة.
أما عن سيرته (سلام الله عليه) فنكتفي بما قاله رئيس المذهب المالكي الذي كان يلقب لفقيه المدينة حيث روي عنه المؤرخون قوله: كنت أدخل علي الصادق جعفر بن محمد وكان رجلاً لا يخلو من إحدي ثلاث خصال إما صائماً وإما قائماً وإما ذاكراً وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد والذين يخشون ربهم عزوجل وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد فاذا قال: قال رسول الله إخضر مرة وإصفر أخري [يعني إجلالاً لكلام رسول الله )صلي الله عليه وآله)].
لقد كان (الصادق الأمين) من أشهر القاب النبي الاكرم (صلي الله عليه وآله) وقد عرف بهذا اللقب حتي قبل بعثته وقد إختار وهو الذي لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي إختار (صلي الله عليه وآله) هذا اللقب من ألقابه لسليله الإمام جعفر بن محمد فلقبه بالصادق لكي يشهد بذلك لأمته بصدقه المطلق وهو يبلغ للمسلمين السنة المحمدية النقية.
لقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) في جميع حركاته وسكناته وأقواله مبلغاً لسنة جده المصطفي (صلي الله عليه وآله) وكثيراً ما كان ما يذكر المسلمين بذلك قال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد: ان عليه وآبائه السلام يقول: حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحديث رسول الله قول الله عزوجل.
وتتدخل إرادة الله عزوجل في تعريف المؤمنين بهذه الحقيقة بمختلف الأساليب كما جري مع حنان بن سدير الذي أصبح بعد الحادثة التالية من خلصي أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) فقد روي في كتاب روضة الواعظين عن حنان بن سدير قال: رأيت في المنام كأني دخلت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبين يديه طبق عليه منديل قد غطي به فكشف المنديل عن الطبق فاذا فيه رطب فقلت له: أطعمني يا رسول الله فناولني رطبة فأكلتها ثم قلت: أطعمني يا رسول الله فناولني رطبة (ثانية) فأكلتها وهكذا حتي ناولني ثمان رطبات فقلت: زدني يا رسول الله فقال (صلي الله عليه وآله): حسبك.
قال حنان بن سدير: فإنتبهت (من منامي) فلما كان من الغد دخلت علي مولاي جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وبين يديه طبق قد غطي بمنديل كأنه الذي رأيته في المنام فكشف المنديل عنه فإذا عليه رطب فقلت: أطعمني يابن رسول الله، فناولني رطبة فأكلتها وهكذا حتي ناولني ثمانية فقلت له: زدني يابن رسول الله فقال (عليه السلام): لو زادك جدي (صلي الله عليه وآله) لزدناك ولكن حسبك.
وقد سجل الحقائق المتقدمة السيد الحميري حيث مدح الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً:
يا حجة الله الجليل
وعينه وزعيم آله
وابن الوصي المجتبي
وشبيه أحمد في كماله
انت ابن بنت محمد
طراً خلقت علي مثاله
فضياء نورك نوره
وظلال روحك في ضلاله
فيك الخلاص من الردي
وبك الهداية من ضلاله
أثني ولست ببالغ
عشر الفريدة من خصاله
صلي الاله عليك ما
بزغت شموس من جلاله
*******
في هذا اللقاء الخاص بذكري الولادة الصادقية من برنامح أيام خالدة وندعوكم الي الفقرة التربوية التالية عنوانها هو:
لا جرم هذا من فعال مثله
نلتقيكم أحباءنا في هذه الفقرة بباقة من وصايا مولانا الإمام الصادق سلام الله عليه نستلهمها من سيرته العملية.
ففي باب الكرم والإنفاق في سبيل الله روي أن حاجاً نام عند مسجد النبي (صلي الله عليه وآله) ثم إستيقظ فتوهم أن كيس نقوده قد سرق فرأي الإمام الصادق (عليه السلام) مصليا ولم يكن يعرفه فتعلق به وقال: أنت أخذت همياني فأجابه (عليه السلام): ما كان فيه؟
فقال: ألف دينار.
فأصطحبه الإمام الي داره وأعطاه المبلغ فلما عاد الرجل الي محله وجد كيس نقوده فأستغفر وعاد للإمام معتذراً وأرجع له المال فوهبه الإمام له وقال (عليه السلام): شيء خرج من يدي لا يعود إلي.
ثم سأل الرجل عنه فقيل له: إن جعفر الصادق فقال: لا جرم هذا من فعال مثله.
وفي باب مجازاة الإساءة بالاحسان روي عن ابن رئاب قال: سمعت ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول وهو ساجد: اللهم إغفر لي ولأصحاب أبي فإني أعلم أن فيهم من ينقصني.
ومن تواضعه (عليه السلام) ما رواه ابو بصير قال: دخل ابو عبد الله (عليه السلام) الحمام فقال له صاحب الحمام: أخليه لك فقال: لا حاجة لي في ذلك المؤمن أخف من ذلك.
وروي عن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد الله (عليه السلام) ضيفاً فقام يوماً في بعض الحوائج فنهاه عن ذلك وقام بنفسه الي تلك الحاجة وقال: نهي رسول الله )صلي الله عليه وآله) عن أن يستخدم الضيف.
وفي باب الرأفة بالخلق وحسن تنبيه المخطئين ما روي عن حفص بن أبي عائشة قال: بعث أبو عبد الله (عليه السلام) غلاماً له في حاجة فأبطا فخرج علي أثره فوجده نائماً [وقد عرق] فجلس عند رأسه يروح له حتي انتبه وعندها قال (عليه السلام) له: يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنهار؟! لك الليل ولنا منك النهار!
وفي باب جميل الرضا بقضاء الله عزوجل ما روي عن العلاء بن كامل قال: كنت جالساً عند ابي عبد الله (عليه السلام) فصرخت الصارخة من داره [أي توفي أحد أطفاله] فقام ابوعبد الله ثم جلس فأسترجع وعاد في حديثه حتي فرغ منه ثم قال: إنا لنحب أن نعافي في أنفسنا وأولادنا وأموالنا فاذا وقع القضاء فليس لنا نحب مالم يحب الله لنا. إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا فاذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا.
ولنختم هذه الفقرة أعزاءنا بهذه الرواية التي تحمل لنا أكثر من درس فقد روي أن سفيان الثوري دخل علي الإمام الصادق (عليه السلام) فرأي عليه ثياباً بيضاء فقال معترضا عليه: إن هذا اللباس ليس من لباسك يعني أن هذا ليس من لباس الزهاد والعباد فقال له (عليه السلام): يا سفيان إسمع مني وع ما أقول فإنه خير لك عاجلا وآجلا إن أنت مت علي السنة ولم تمت علي بدعة أخبرك أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان في زمان مقفر مجدب فأما اذا أقبلت الدنيا فأحق الناس بها أبرارها لا فجارها ومؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفارها فما أنكرت يا ثوري؟ فوالله إني ما تري ما أتي علي مذ عقلت صباحاً ولا مساء ولله في مالي حق أمرني الله أن أضعه موضعا إلا وضعته.
قال الراوي: ثم حسر (عليه السلام) عن ردن جبته وإذا تحتها جبة صوف وقال: يا ثوري لبسنا هذا لله – وأشار الي جبة الصوف – وهذا لكم – وأشار الي جبة الخز – وقال: فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا
تجعفرت بأسم الله والله أكبر
تجعفرت بأسم الله توبة تائب
وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين غير ما كنت دينا
به ونهاني سيد الناس جعفر
*******