حتام طيك لليباب المقفر
فارح بسامراء نبك العسكري
نبكي مليكا احزن الاملاك في
ملكوتها ودهى الصفا بتكدر
حطم الحطيم مصابه وله الهدى
بالنوح يشعر معلنا بالمشعر
نبكي فتى ابكى البتولة فاطمة
هما فياعين الفخار تفجري
ارداه معتمد الضلال بسمه
فقضى سما ممد الابحر
يا ارض موري بعده وتصدعي
يا شمس بع ابن النبي تكوري
بسم الله وله المجد والحمد في السراء والضراء والعافية والبلاء والصلاة والسلام على خاتم الانبياء واله الاوصياء النجباء، السلام عليك يا امام الفائزين وركن المؤمنين وفرج الملهوفين ووالد الامام المنتظر الغائب المبين السلام عليك يا مولانا يا ابا محمد الحسن الزكي العسكري السلام عليك يوم ولدت ميمونا ويوم استشهدت طاهرا نقيا ويوم تبعث حياً.
عظم الله اجورنا واجوركم بيوم الثامن من شهر ربيع الاول ومصيبة استشهاد زكي المحمديين مولانا الحسن العسكري (سلام الله عليه) وبهذه المناسبة الاليمة نلتقيكم في برنامج ايام خالدة ونحن نعظم معا شعائر الله بتعظيم ذكرى استشهاد ولي الله العسكري ضمن فقرات نعرفكم اولاً بعناوينها وهي:
- شهيد حفظ النور الالهي
- نور في سجون بني العباس
- قبر امان لاهل الجانبين
وكدرت صفو عيش العسكري به
والامر لله في مخلوقه جاري
قضيت فجارت وما بالعسكري رعت
شاو الابي الغيور الاخذ الثار
*******
شهيد حفظ النور الالهي
في اليوم الثامن من شهر ربيع الاول سنة مئتين وستين للهجرة ضج اهل سامراء ضجة واحدة وهم ينادون جزعين: مات ابن الرضا، مات ابن الرضا (عليه السلام) ففي هذا اليوم قضى الامام الحادي عشر من ائمة العترة المحمدية نحبه شهيداً مظلوماً مسموماً بسم دسه اليه طاغية عصرة واشقى اهل زمانه المعتمد العباسي وكان جلاوزة الطاغية قد دسوا السم لمولانا الامام العسكري (عليه السلام) في اواخر شهر صفر من تلك السنة وظهرت عليه اثار هذا السم في اول شهر ربيع الاول وبقي يعاني الامها الشديدة على مدى ثمانية ايام حتى بلغ الضعف ببدنه منتهاه في اليوم الثامن من شهر ربيع الاول وكان يوم جمعة وفيه رحل مولانا الحسن الزكي الى ربه راضياً مرضياً وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
وقد قام بمهام الامامة الكبرى ست سنين بعد استشهاد والده الهادي (عليه السلام)، وقد بدات محاولات طواغيت بني العباس لاغتياله منذ معرفتهم بانه خليفة ابيه الهادي وبالتالي الامام الحادي عشر من ائمة العترة المحمدية الطاهرة عليهم السلام؛ وذلك للحيلولة دون ولادة ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه فقد علموا من الاحاديث النبوية ان الثاني عشر من ائمة العترة المحمدية هو الذي ينهي حكم الطواغيت ويقيم دولة الحق والعدالة الالهية الشامية ويملا الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
قال مولانا العسكري (سلام الله عليه) في بيان هذه الحقيقة في الحديث الذي رواه عنه الشيخ الثقة الفضل بن شاذان في كتاب اثبات الرجعة، قال:
قد وضع بنو امية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: احداهما انهم كانوا يعلمون انه ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادعائنا اياها وتستقر في مركزها، وثانيتهما انهم قد وقفوا من الاخبار المتواترة على ان زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون انهم من الجبابرة والظلمة، فسمعوا في قتل اهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وابادة نسله، طمعا منهم في الوصول الى منع تولد القائم او قتله فابى الله ان يكشف امره لواحد منهم. وابى الا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .
وكانت من محاولات طواغيت بني العباس لقتل مولانا العسكري هي مؤامرة الطاغية المستعين العباسي، فقد روى السيد ابن طاووس في كتاب مهج الدعواب عن كتاب الاوصياء لعلي بن محمد بن زياد الصيمري ان المستعين العباسي هم بقتل الامام غيلة فامر جلاده سعيد الحاجب ان يحمل الامام (عليه السلام) الى الكوفة ويقتله في الطريق ويشاع ان قطاع الطرق قد هاجموا القافلة وقتل الامام في الحادثة، فقلق المؤمنون منذلك وكتب اثنان من وجهاء الشيعة رسالة الى الامام العسكري (عليه السلام) قبل ان يحمله سعيد الحاجب هما محمد بن عبد الله والهيثم بن سبابه وقالا فيها: بلغنا (جعلنا الله فداك) خبر اقلقنا وغمنا. فكتب (عليه السلام) في جوابهم: بعد ثلاث يأتيكم الفرج وبالفعل فبعد ثلاث ايام خلع المستعين العباسي من الخلافة وبويع للمعتز مكانه ولم يستطع تنفيذ هذه المؤامرة.
كما تعرض الامام لمحاولة اغتيال مماثلة من قبل الطاغية المهتدي العباسي فلم يمهله الله جلت قدرته للقيام بها حيث اراد قتل الامام العسكري (عليه السلام) في السجن.
فقد روى المؤرخ المسعودي في كتاب اثبات الوصية والطوسي في كتاب الغيبة مسنداً عن ابي هاشم الجعفري قال: كنت محبوسا مع ابي محمد (العسكري) (عليه السلام) في حبس المهتدي بن الواثق، فقال لي: يا ابا هاشم ان هذا الطاغي (يعني الخليفة العباسي) اراد ان يعبث بالله في هذه الليلة (يعني اراد قتله (عليه السلام)) وقد بتر الله عمره وجعله للقائم من بعده ولم يكن لي ولد وسارزق ولداً.
قال ابو هاشم: فلما اصبحنا شغب الاتراك على المهتدي فقتلوه وولي المعتمد مكانه وسلمنا الله تعالى.
ما زال في سجن الطغاة مكابرا
وهو الذي لولاه لما تصدر
حتى اذا واقى القضاء محتما
وله ارتضى المقام العبقري
*******
وبهذين البيتين ندعوكم احباءنا الى الفقرة التالية من البرنامج وعنوانها هو:
نور في سجون بني العباس
قضى مولانا الحسن العسكري (عليه السلام) الشطر الاكبر من مدة امامته في سجون طواغيت بني العباس في سامراء، فقد ضيق بنو العباس عليه بعيد وفاة ابيه الهادي (عليه السلام) واتضاح ان ولده ابا محمد هو خليفته.
ولكن الله جلت قدرته شاء ان تكون اقامة الامام في هذه السجون سببا لاهتداء عدة من العباد الى الله ودينه الحق ببركة تجلي الاخلاق الالهية فيه (سلام الله عليه) وها نحن ننقل بعض النماذج لذلك.
روى الكليني في الكافي والمفيد في الارشاد وعلي بن عيسى في كشف الغمة وغيرهم مسنداً عن محمد بن اسماعيل قال: حُبس ابو محمد (العسكري) (عليه السلام) عند علي بن نارمش ـ وهو أنصب الناس وأشدهم على آل ابي طالب وقيل له: افعل به وافعل به [أي من التضييق والتشديد على الامام]!
قال الراوي: فما اقام عنده الا يوماً حتى وضع خديه له [اي خضع للامام (عليه السلام)] وكان لا يرفع بصره اليه اجلالاً وإعظاماً فخرج (عليه السلام) من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولاً.
لقد كان طواغيت بني العباس يختارون أبعد الناس عن منهج العترة المحمدية وأشدهم ولاء للحكم لكي يتولوا مهمة التضييق على الامام (عليه السلام) وايذائه فاذا رأوه عرفوا الحق مجسداً فيه فإنقلبوا من الجهالة والضلالة الى أنوار الهداية روي في كتب الارشاد والكافي والمناقب وكشف الغمة واعلام الورى وغيرها مسنداً عن محمد بن اسماعيل قال: دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حُبس ابو محمد العسكري (عليه السلام) فقالوا له: ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الى امر عظيم، ثم أمر بأحضار الموكلين [ويبدو انهما سُجنا بسبب اهتدائهم للحق] فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل [يعني الامام (عليه السلام)]؟
فقالاً: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائضنا وداخلنا مالانملكه من انفسنا، قال الراوي: فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خائبين.
وينقل لنا ثقة الاسلام الكليني في الكافي صورة اخرى تبين من جهة مدى قسوة الطواغيت مع مولانا العسكري (عليه السلام) ومن جهة اخرى شدة تأثير أخلاقه الالهية في الآخرين ونصرة الله تبارك وتعالى.
قال راوي رواية الكافي: سُلم ابو محمد (العسكري) (عليه السلام) الى (سجن) نحرير وهو من أشد جلاوزة الخليفة العباسي ولاءً وقسوة وكان راعي بركة سباع الخليفة التي يلقى فيها معارضوه لتفترسهم السباع، كما كان مدرب كلاب الخليفة.
قال الرواي: فكان نحرير يضيق على الامام (عليه السلام) ويؤذيه، فقالت له امرأته: ويلك اتق الله، أما تدري من في منزلك؟
وعرفته صلاحه (عليه السلام) وقالت: إني اخاف عليك منه، فقال: لأرمينه بين السباع، ثم فعل ذلك، فرئي (عليه السلام) قائماً يصلي وهي (اي السباع) حوله لا تتعرض اليه.
*******
قبر وأمان لأهل الجانبين
كان آخر ما نطق به مولانا الامام الحسن العسكري (سلام الله عليه) قبل ان يلتحق بالرفيق الاعلى هو البشارة المحمدية بولده خاتم الاوصياء المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه).
وكان آخر ما قام به من أعمال هو الصلاة ودع بها دار الفناء الى دار البقاء والكرامة الابدية.
روي في كتاب الغيبة عن اسماعيل بن علي قال: دخلت على أبي محمد الحسن (عليه السلام) في المرضة التي مات فيها وأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد: يا عقيد اغل لي ماء. فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف عجل الله فرجه. فلما صار القدح في يديه وهم بشربه جعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثناياه (عليه السلام) وقال لعقيد: ادخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به.
قال الرواي: قال عقيد: فدخلت اتحرى فاذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه فأوجز في صلاته فقلت: ان سيدي يأمرك بالخروج اليه.
قال الراوي: فلما مثل الصبي بين يديه واذا هو دريّ اللون وفي شعر رأسه قطط، مفلج الاسنان، فلما رآه الحسن (عليه السلام) بكى وقال: يا سيد اسقني الماء فإني ذاهب الى ربي. وأخذ الصبيّ القدح المغلى بيده ثم حرك شفتيه [اي دعا الله عزوجل] ثم سقاه، فلما شربه قال (عليه السلام): هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسيه وقدميه.
فقال له ابو محمد (عليه السلام): أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي وانت حجة الله على ارضه، وأنت ولدي ووصييّ. وانت خاتم الاوصياء والائمة الطاهرين وبشر بك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسماك وكناك، بذلك عهد الى ابي عن آبائك الطاهرين صل الله على اهل البيت انه ربنا حميد مجيد.
قال الراوي: ومات الحسن بن علي العسكري من وقته (عليه السلام).
وعن تجهيز مولانا العسكري (سلام الله عليه) والصلاة على جثمانه الطاهر فقد روى الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين أنه اقيمت عليه صلاتان؛ الاولى في داره من قبل ولده الحجة المهدي (عجل الله فرجه) والثانية بعد ان أخرج من داره من قبل ازلام المعتمد العباسي للتغطية على جريمة قتل الامام الزكي (سلام الله عليه).
ففي جانب من رواية الصلاة الاولى قال الراوي بعد ذكر تجهيز الامام: فتقدم جعفر بن علي ليصلي على اخيه، فلما همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على ابي، فتأخر جعفر، فتقدم الصبي وصلى عليه.
أما عن الصلاة الثانية فقد جاء في الرواية الثانية قول الراوي: فصار سر من رأى ضجة واحدة (وعلا النداء): مات ابن الرضا.
ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الاسواق وركب، بنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس الى جنازته (عليه السلام) فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان الى ابي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه.
ولم يتأخر الطاغية العباسي عن انتهاك حرمة بيت الامام (عليه السلام) وارعاب عائلته المفجوعين بأستشهاده. حيث سعى الى القبض على خليفته المهدي (أرواحنا فداه) قال الراوي: وبعث السلطان الى دارة (عليه السلام) من يفتشها ويفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن الحمل فدخلن على جواريه فنظرن اليهن.
ثم دُفن جسده الطاهر في داره الى جوار قبر والده الهادي عليهما السلام ليكون هذا المشهد المقدس من مهابط الرحمة والبركات الالهية ومن البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه. روى الشيخ الطوسي في كتاب تهذيب الاحكام عن ابن هاشم الجعفري قال: قال لي ابو محمد الحسن بن علي عليهما السلام: قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين.
يا صاحب الامر الذي قد كان عن
مولاه خير مترجم ومعبر
بأبيك آجرك الاله فبعده
قد حل كسر بالهدى لم يُجبر
فمتى نرى جبريل يهتف بالسما
ظهر الهدى يا غيرة الله ابشري
وبهذه الابيات نختم ايها الاخوة والاخوات لقاؤنا بكم ضمن برنامج ايام خالدة الذي خصصناه لتعظيم شعائر الله بتعظيم ذكرى استشهاد زكي المحمديين الامام الحادي عشر والد امام زماننا المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) مولانا الامام الحسن العسكري (سلام الله عليه) عظم الله اجورنا واجوركم بهذا المصاب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******