يا ايها الرائح والغادي
عرّج على سيدنا الهادي
واخلع إذا شارفت ذاك الثرى
فعل كليم الله في الوادي
وقل سلام الله وقف على
مستخرج من صلب أجواد
مبارك الطلعة ميمونها
وماجد من نسل أمجاد
بسم الله وله المجد والحمد أن من علينا بمحمد الامين وعترته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل ما تحبون وحقق لكم كل ما تأملون ببركة هذا اليوم المبارك الميمون، يوم الخامس عشر من ذي الحجة ذكى مولد عاشر ائمة العترة المحمدية الزكية مولانا الامام علي الهادي النقي (سلام الله عليه).
اسمى التهاني والتبريكات نرفعها الى أمل الامة وملاذها وموعودها المنتظر المهدي (أرواحنا فداه) بمناسبة هذا اليوم الاغر من أيام الله الخالدة.
ونقدم خالص تبريكاتنا بهذه المناسبة السعيدة لكم أعزاءنا وللامة الاسلامية جمعاء.
نعرفكم اولاً بعناوين فقرات هذا اللقاء آملين من الله عزوجل أن تقضوا معها أطيب الاوقات:
- عنوان اولى فقرات البرنامج هو: مولد متوكل آل محمد
- نقدم لكم اعزاءنا بعد ذلك قصة من سيرة الامام النقي (عليه السلام) عنوانها: وصار المعلم الناصبي متعلما
- كما نلتقيكم مع روايات ونفحات من هدي مولانا الهادي (عليه السلام) هي مسك ختام اللقاء
- وذلك ابيات من شعر الولاء في مدح عاشر ائمة العترة المحمدية (عليهم السلام)
*******
نبدأ الجولة بالفقرة التالية وعنوانها هو:
مولد متوكل آل محمد
في الخامس عشر من شهر ذي الحجة من سنة (212 للهجرة) تهلل وجه مولانا الامام الجواد )عليه السلام) سروراً بولادة نجله الاكبر وخليفته وعاشر ائمة العترة المحمدية المباركة حامل لقب جده المختار وسمي جده الوصي الكرار مولانا الامام علي الهادي (سلام الله عليه).
وقد ولدته السيدة الطاهرة سمانة المغربية التي حظيت بمرتبة سامية عند الامام الجواد وقال عنها ولدها الهادي (عليهما السلام):«إن امي عارفة بحقي وهي من اهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد ولا ينالها جبار عنيد، وهي مكلوءة (اي محفوظة) بعين الله التي لا تنام ولا تتخلف عن امهات الصديقين والصالحين».
نعم، فالسيدة سمانة المغربية هي كسائر الطاهرات المطهرات التي أختارهن الله عزوجل لحضانة اوليائه المقربين وأوصياء سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله).
ومن المعلوم الافاضل أن لكل من ائمة الهدى (عليهم السلام) مجموعة من الالقاب عرف بها بين المسلمين وهي تعبر عن بعض مقاماته وفضائله، وقد عرف مولانا الامام الهادي (عليه السلام) بعدة القاب اشهرها الهادي وهو من القاب جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، كما عُرف بالقاب اخرى منها لقب المرتضى من القاب جده أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومنها: العالم والدليل والموضح والرشيد والشهيد والوفي والنجيب، والناصح والفتاح والفقيه والامين والطيب. وكان من اشهر القابه بين خواص أصحابه هو لقب (المتوكل) لكنه عليه السلام كان يأمر أصحابه بأخفاء هذا اللقب الذي لقبه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ان سرقه الطاغية العباسي جعفر بن المعتصم ولقب نفسه به عندما استحوذ على العرش.
أما عن نقش خاتمه (عليه السلام) فيبدو من الروايات أنه كان له خاتمان يوقع بهما رسائله:
نقش الاول: ما شاء الله لا قوة بالله استفغر الله.
ونقش الثاني: هو الله ربي وهو عصمتي من خلقه.
وكنيته الامام الهادي (عليه السلام) هي كنية جده أمير المؤمنين (عليه السلام) اي ابا الحسن.
اما عن صفاته البدنية، فقد كانت ملامح وجهه الشريف شبيهة بملامح وجه جده الرضا عليه السلام وجمع اليها سمرة والده الامام الجواد (عليه السلام)، كما كان جسيم البدن يشبه في ذلك جسامة جده الامام الباقر (عليه السلام)، وقد وصفه المؤرخون ايضاً بأنه كان واسع العينين عريض الصدر أقنى الانف أي رفيعه، أفلج الاسنان، طيب الريح، اسمر اللون حسن الوجه معتدل القامة، تشرق على محياه أنوار الولاية الالهية والملاحة المحمدية والهيبة العلوية.
أسرع السير ايها الحادي
إن قلبي الى الحمى صادي
وإذا ما رايت من كثب
مشهد العسكري والهادي
فألثم الارض خاضعاً فلقد
نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم
يا سقاه الاله من نادي
فأغضض الطرف خاضعاً ولهاً
وإخلع النعل إنه الوادي
بعد استشهاد ابيه الامام الجواد (سلام الله عليه) تولى مولانا الامام الهادي (عليه السلام) مهام الامامة الالهية الجسيمة وهو ابن ثمان سنين، فتلقى المسلمون الامر بيسر بعد ان شاهدوا مناظرات والده الامام الجواد عليه السلام واظهاره العلوم الالهية وهو ابن سبع سنين وهو عمره يوم تسلمه لمهام الامامة بعد إستشهاد والده الرضا (عليه السلام).
لقد ايقن المؤمنون يومذاك ان الامامة في العترة المحمدية هي جعل إلهي لا يؤثر فيها السن مثلما لم يؤثر صغر السن في نبوة يحيى وعيسى (عليهما السلام).
ولذلك تقبلوا إمامة مولانا الهادي (عليه السلام) وهو ابن ثمان سنين فكانوا يأخذون منه أحكام دينهم ـ بمختلف الوسائل المتاحة يومذاك ـ.
ولكن طواغيت بني العباس كانوا يسعون لإضعاف هذاالتوجه للامام وبث التشكيكات بشأنه، وكان من محاولاتهم في هذا المجال تعيين معلم له (سلام الله عليه).
*******
ننقل لكم قصتها وعنوانها هو:
وصار المعلم الناصبي متعلما
روى المؤرخ المسعودي في كتاب اثبات الوصية بسنده أن المعتصم العباسي وبعد أن اغتال بالسم الامام الجواد (عليه السلام) كلف احد جلاوزته اسمه عمر بن الفرج الرخجي بأختيار أحد النواصب ليكون المعلم الرسمي للامام الهادي (عليه السلام) يمنع المؤمنين من الاتصال به ويصوّر للناس أن الامام كسائر الناس يحتاج الى معلم ٍ يعلمه.
فجاء عمر بن الفرج الى المدينة المنورة بعد وفاة الجواد (عليه السلام) وأحضر جماعة من المعادين لاهل البيت المحمدي وقال لهم: إبغوا لي رجلاً من أهل الادب والقرآن والعلم لا يوالي أهل هذا البيت لأضمه الى هذا الغلام وأوكله بتعليمه وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه.
فعرّف الحاضرون رجلاً يُعرف بالجنيدي كان ظاهر النصب والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام)، فأحضره وأعطاه مالاً وضعه المعتصم العباسي له وأخبره بمهمته وفرضوه على الامام الهادي (عليه السلام) الذي فرضت عليه رقابة مشددة من قبل الحكم العباسي.
وقام الجنيدي بمهمة اشبه بمهمة السجان فكان يلازم الامام في نهاره فاذا جنّ الليل أقفل ابواب الدار وأخذ المفاتيح معه.
واستمر الحال مدة على هذا المنوال، قال راوي هذه القصة وهو محمد بن سعيد: ثم إني لقيت الجنيدي في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟
فأجاب منكراً قولي: تقول الغلام ولا تقول الشيخ الهاشمي؟! أنشدك الله، هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟
قلت: لا.
قال: فإني والله أذكر له الحزب من الادب، (اي مقداراً من العلم)، أظن أني بالغت فيه، فيملي علي بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه!
قال الراوي: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه، ثم لقيته بعد ذلك، وسألته عن خبره وحاله ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي، فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير اهل الارض وأفضل من خلق الله وإنه لربما همّ بالدخول فأقول له: تنظر حتى تقرأ عشرك [يعني انه يطلب من الامام عليه السلام أن يقرأ ما حفظه من القرآن]، فيقول لي: أي السور تحب أن اقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ اليه، فيهذها بقراءة لم أسمع أصح منها أحد قط بأطيب من مزامير داوود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل.
ثم قال الجنيدي: هذا مات أبوه [يعني الجواد عليه السلام] بالعراق وهو صغير بالمدينة، فمن اين علم هذا؟
قال الراوي: ثم ما مرت به الايام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بأمامته وعرف الحق وقال به.
هكذا كانت سيرة إمامنا الهادي عليه السلام تجذب الى الحق كل من وجد الله فيه خيراً حتى لو كان قد سقط ـ عن جهل بالطبع ـ في اشد صور العداء للحق.
ولذلك سعى الطواغيت على مر العصور الى بذل كل جهودهم لمنع الناس من التعرف على ائمة العترة المحمدية عليهم السلام بعزلهم عنهم بجميع السبل الممكنة وهذا ما فعله طغاة بني العباس مع مولانا الامام علي الهادي النقي سلام الله عليه فأجبروه على الاقامة في عاصمتهم يومذاك وهي سامراء مدة عشرين عاماً.
*******
نقرأ لكم بعض ما قاله شعراء الولاء الصادق فيمدحه حيث يقول:
قبة فوقها تجلى سنا القدس
ونور الهادي هليها أنارا
لاح فيها من الامامة نور
تحسب الليل من سناه نهارا
قد حوت عاشر الاولى عن مزاياهم
ترد العشر العقول حيارى
ثم يتوجه الاديب في قصيدته الى عاشر ائمة العترة المحمدية مولانا الامام علي النقي الهادي (عليه السلام) قائلاً:
ملكت بالندى رقاب البرايا
واسترقت بمنك الاحرارا
كلما ضنت الليالي وجارت
جدت بالنبل مسعفاً ومجارا
يا ابا العسكري حقق رجائي
وأقلني يابن الجواد العثارا
كن شفيعي عند الاله إذا ما
جئت في الحشر أحمل الاوزارا
لذت فيكم إذ ليس لي يخشى
من الاهوال من لاذ فيكم وإستجارا
جعلنا الله وإياكم أعزاءنا من المتقربين الى الله عزوجل بمودة محمد وآله عليهم السلام وبالفرح لفرحهم ومن أيام سرورهم ذكرى يوم ولادة الامام النقي علي الهادي (عليه السلام) الذي أعددنا هذا اللقاء الخاص من برنامج أيام خالدة ابتهاجاً بذكرى مولده السعيد.
*******
ومن جميل الاحتفاء بهذه المناسبات السعيدة التعرف على وصاياهم عليهم السلام كمقدمة، للعمل بها وهذا ما نسعى له في الفقرة التالية وعنوانها هو:
نفحات من هدي الهادي
روى الشيخ الصدوق بأسناده عن العبد الصالح ابي هاشم داوود بن القاسم الجعفري قال: أصابتني ضيقة شديدة، فصرت الى ابي الحسن علي بن محمد الهادي، فلما جلست قال (عليه السلام): يا ابو هاشم، أي نعم الله عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها؟
قال ابو هاشم: فوجمت، ولم ادر ما اقول له.
فقال عليه السلام: رزقك الله الايمان فحرم به بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانك على الطاعة، ورزقك القنوع، فصانك عن التبذل. يا ابا هاشم، إنما إبتدائك بهذا لأنني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا. وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها.
وكان مما املى مولانا الامام علي الهادي عليه السلام على العالم الجليل ابن السكيت )رضوان الله عليه) قوله: والشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، عهد الله اليهما أن لا ينظرا الى من فضل الله عليهما وعلى خلائقه بعين الحسد.
وكتب احد الاصحاب رسالة الى الامام الهادي يطلب فيها أن يعلمه دعاءً جامعاً للدنيا والآخرة، فكتب عليه السلام في جوابه قائلاً: اكثر الاستغفار والحمد فانك تدرك بذلك الخير كله.
وقال (عليه السلام) لطاغية بني العباس الملقب بالمتوكل: لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه عيشه، ولا الوفاء ممن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك، فإنما قلب غيرك لك كقلبك له.
ومن جوامع مواعظه ووصاياه عليه السلام قوله: إذا كنتم في زمان العدل فيه أغلب من الجور، فحرام أن يظن أحد بأحدٍ سوء حتى يعلم ذلك منه.
وإذا كنتم في زمان الجور فيه أغلب من العدل فليس لاحد أن يظن بأحد خيراً مالم يعلم ذلك منه وقال: أورع الناس من وقف عند الشبهة، وأعبد الناس من أقام الفرائض وأزهد الناس من ترك الحرام.
وأخيراً قال (عليه السلام) من جمع لك وده فأجمع له طاعتك.
بك أرض سامراء أشرق نورها
فمحت دجاها بالسنا المتوقد
وعلت بهيكلك الشريعة مسنداً
والسمك يعلو بارتفاع الاعمد
ونزلت كالبيت العتيق مكانة
زينتها في نائل متجدد
وها نحن نختم اللقاء بهذه الصلوات الجليلة على صاحب هذه الذكرى المروية عن ولده الامام العسكري (عليه السلام) ضمن الصلوات الزاكيات على المعصومين الاربعة عشر عليهم السلام، فنقول داعين الله عزوجل: اللهم صلي على علي بن محمد وصي الاوصياء وإمام الاتقياء وخلف ائمة الدين والحجة على الخلائق أجمعين اللهم كما جعلته نورا ً يستضئ به المؤمنون فبشر بالجزيل من ثوابك وأنذر بالاليم من عقابك وحذر بأسك وذكر بآياتك وأحل حلالك ورحم حرامك وبين شرائعك وفرائضك وحض على عبادتك وأمر بطاعتك ونهى عن معصيتك فصل عليه أفضل ما صليت على احد من أوليائك وذرية أنبيائك يا اله العالمين.
*******