تُعرف كردستان بكثرة مساجدها ومآذنها وأضرحتها، ولكل منها قصة تروي حكاية رجال من نسل النبي جاؤوا لهداية الناس، وحافظوا على جذوة الإيمان في قلب الجبال بحياتهم ومماتهم.
ورغم أن كثيراً من الزوار ينجذبون إلى مدن مثل سنندج وسقز وبانه لجمال طبيعتها ومنازلها التاريخية، فيزورون عمارة آصف وحمام خان ويتجولون في السوق القديم، إلا أن القليل منهم يعرف عن المقامات الدينية المخفية منذ قرون، مثل ضريح پيرمحمد وپيرعمر، والحرم الشريف لهاجره خاتون، وضريح بابا شيخ أحمد في باينچوب، التي تحمل في طياتها جزءًا من روح المدينة.
سنندج .. مدينة الأذان والتاريخ
سنندج مدينة هادئة تتكئ على جبال زاغروس الشاهقة، حيث ينسجم صوت الأذان مع صدى التاريخ وعطر التصوف. تشتهر بمآذنها التي تتألق بين البيوت القديمة كجواهر روحانية، وكل مئذنة منها شاهدة على إيمان الناس وحرفية البنّائين الذين جمعوا الحجر والطوب بالذكر والدعاء.
في سنندج، تمتزج القباب الزرقاء بزخارف الفسيفساء، وتتجاور الأبواب الخشبية المزخرفة مع المقرنصات الرقيقة، لتروي روحًا مستمدة من الإيمان. وفي أزقتها القديمة، تحكي الجدران قصص سكان عاشوا بحب لله وأهل البيت، وبنوا مساجد وأضرحة لا تقتصر على العبادة فقط، بل تمثل جزءًا من الثقافة والهوية المحلية.

إمام زاده پيرمحمد وإمام زاده پيرعمر
على تلة مطلة على مدينة سنندج، تتلألأ قبة فيروزية تحتضن مرقد الإمامزاده محمد بن عمر يحيى المعروف بپيرمحمد، أحد أقدم المعالم الدينية في المدينة. يتميز الضريح بقبابه المخروطية المزخرفة بالبلاط الفيروزي والنقوش القرآنية، ويستقطب الزوار طوال العام لأداء الصلوات والتبرك.

وفي قلب المدينة يقع مرقد الإمامزاده پيرعمر (ع)، أحد أهم المزارات الدينية في سنندج، ويُعتقد أنه من نسل الإمام علي (ع). يضم المزار مسجدًا وقاعات للعبادة، وتُقام فيه احتفالات أسبوعية تشمل ختم القرآن وقراءة المولد وتوزيع النذورات، مما يجعله رمزًا حيًا للإيمان والثقافة المحلية.
إمام زاده هاجره خاتون
تزخر سنندج أيضاً بمرقد إمام زاده هاجره خاتون، أخت الإمام الرضا (ع)، الذي يمثل نموذجًا على تقدير السكان، حتى من أهل السنة، لأهل البيت (ع). يجاور الضريح مسجد يحمل اسمها، ويتميز بزخارف نباتية وجصية بديعة، ويستقبل الزائرين على مدار العام في أجواء روحانية مميزة.

المساجد التاريخية
تضم المحافظة مساجد أثرية بطابع معماري إيراني إسلامي فريد، من أبرزها مسجد جامع سنندج بمئذنته وقبته الفيروزية، ومسجد دومناره في سقز، القابع على تلة نارين قلعة، حيث تنسجم العمارة الفارسية مع الروحانية المحلية. تتميز هذه المساجد بزخارفها الدقيقة وأعمدتها المنحوتة وقبابها المزخرفة، لتكون منارات تجمع بين التاريخ والفن والإيمان.

المصاحف التاريخية
من بين الكنوز الدينية في كردستان، يبرز "قرآن نگل"، المخطوط على جلد الغزال منذ نحو ألف عام، والذي اكتُشف في قرية نگل واكتسب مكانة مقدسة بين السكان. تُزينه النقوش الذهبية والزخارف النباتية، ويُحفظ اليوم في صندوق زجاجي مضاد للرصاص، ليظل مقصدًا للزائرين من إيران والعالم. كما تحتضن كردستان نسخًا نادرة أخرى من المصاحف، يزيد عمر بعضها على سبعمائة عام، وتشهد على عمق إيمان السكان واهتمامهم بتراثهم الديني.

المزارات في القرى والارياف
تضم محافظة كردستان قرى جميلة تزخر بالمزارات والينابيع، مثل قرية بابا گرگر في قروه، حيث يوجد المزار وعيون المياه الحارة التي تُعد مقصدًا للزيارة الروحية والاستشفاء. كما تُعرف قرية باينچوب بوجود ضريح بابا شيخ أحمد باينچوب، الذي يجسد مزيجًا فريدًا من الروحانية والتعليم والتاريخ.
السياحة الدينية في كردستان
تُعد كردستان من أهم محاور السياحة الدينية في إيران، بما تحتويه من طبيعة خلابة وزيارات دينية أصيلة ومصاحف نادرة ومزارات مشهورة، مثل الإمامزاده حمزه عرب في بيجار والإمامزاده هاجره خاتون في سنندج. وتسهم هذه المواقع في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين مستوى المعيشة من خلال جذب آلاف الزوار سنوياً.

كردستان ليست مجرد وجهة طبيعية أو تاريخية؛ إنها ملتقى الإيمان والفن والتاريخ والطبيعة، حيث تتجلى العمارة الإسلامية والطقوس الدينية والتراث القرآني في تناغم يخلّد ذكرى أجيال من المؤمنين والزوار، ويجعل من هذه المحافظة مقصدًا فريدًا لكل من يبحث عن الروحانية والجمال في أحضان التاريخ والطبيعة.