والصلاة والسلام على محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في برنامجكم هذا راجين ان تقضوا معه وقتاً طيباً ومفيداً.
والشجاعة قيمة اخلاقية عظيمة واذا تجردت عن الاخلاق الحسنة والهدف الالهي لا تكون شجاعة بل هي الوحشية والقسوة المذمومة، وفي الرواية التالية نجد الفرق بين الاثنين: عن عبد الله بن قيس بن ورقة قال كنت ممن غزى مع امير المؤمنين(ع) في صفين، وقد اخذ ابو ايوب الاعور السلمي ـ وكان من قادة جيش معاوية اخذ الماء وحرزه عن اناس ـ أي منعهم عنه ـ فانصرفوا وعادوا خائبين فضاق صدره ـ أي الامام علي(ع) فقال له ولده الحسين(ع) ـ ذلك الشجاع الضرغام ـ امضي اليه يا ابتاه؟ فقال(ع): امضي يا ولدي. فمضى الحسين(ع) مع فوارس فهزم ابا ايوب عن الماء وبنى خيمته وحط فوارسه واتى الى ابيه واخبره فبكى عليٌّ(ع)فقيل له ما يبكيك يا امير المؤمنين؟ وهذا اول فتح بوجه بركة الحسين(ع) قال: صحيح يا قوم ولكن سيقتل عطشاناً بطف كربلاء حتى تنفر فرسه وتحمحم وتقول: (الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها).
لاحظ الفرق بين الحسين واعدائه انه فرق الاخلاق وعدمها، فرق العدل وعدمه فرق الشرف واللا شرف فرق الشجاعة والدناءة، وهنا تأمل في بقية الموقف لترى جماليته العلوية ومناقبيته الحسينية وفقد اقترح بعض رجال جيش الامام علي(ع) ان يمنع الماء عن جيش معاوية عملاً بمبدأ التعامل بالمثل، ولكن امام المتقين(ع) ابى هذه الاخلاقية الاموية ان يلتزمها، وقد عمل بها يزيد وازلامه المجرمون في كربلاء ـ نعم ايها الاعزاء ـ هذا هو الفرق بين علي(ع) ومعاوية وبين الحسين(ع) ويزيد انه الفرق بين رجال الله الرحماء ورجال الشيطان الاجلاف القساة.
ليس مدح النفس بقصد توضيح الحق ورد الباطل امراً مذموماً، بل المذموم اذا كان المدح بقصد الحب للذات ولجلب المصلحة الشخصية غير المحللة، هكذا هي النظرية الحسينية في تعريف الانسان بنفسه امام الآخرين، روى الشيخ الاجل ابو جعفر الكليني(رض) عن الحكم بن عتيبة قال: لقي رجل الحسين بن علي(ع) بالثعلبية وهو يريد كربلاء فدخل عليه وسلم فقال له الحسين(ع) من أي البلاد انت؟ قال من اهل الكوفة. قال(ع): (اما والله يا اخا أهل الكوفة لو لقيتك بالمدينة لاريتك اثر جبرئيل من دارنا ونزوله بالوحي على جدي يا اخا أهل الكوفة افمستفتي الناس من العلم من عندنا فعلموا وجهلنا)؟ هذا ما لا يكون. فالحسين(ع) هكذا يعرف نفسه ومكانته في الارتباط بالوحي الذي يغنيه العلم بالحق كله، وما كان احد في عصره مساوي له في ذلك ابداً، فالمدح هنا لاجل هداية المستمع الى الحق يعتبر امراً حسناً وليس مذموماً.
من روائع قصار الجمل التي قالها الامام الحسين(ع) في المعاني الاخلاقية قوله: (الصدق عز والكذب عجز، والسر امانة، والجوار قرابة، والمعونة صداقة، والعمل تجربة، والخلق الحسن عبادة، والصمت زين، والشح فقر، والسخاء غنى، والرفق لب).
وقال الحسين(ع): (يعظنا في بناء الاساس الاعتقادي للعمل الاخلاقي: يا بن آدم تفكر وقل اين ملوك الدنيا واربابها الذين عمروا واحتفروا انهارها وغرسوا اشجارها ومدنوا مدائنها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم اخرون ونحن بهم عما قليل لاحقون، يا بن آدم اذكر مصرعك وفي قبرك مضجعك، وموقفكم بين يدي الله تشهد جوارحك عليك يوم تزل فيه الاقدام وتبلغ القلوب الحناجر، وتبيض وجوه وتسود وجوه وتبدو السرائر ويوضع الميزان القسط، يا بن آدم اذكر مصارع آبائك وابناءك كيف كانوا وكيف حلوا، وكأنك عن قليل قد حللت محلهم وصرت عبرة للمعتبر).
وفي الختام ـ ايها السائرون على طريق الحسين(ع) شكراً لكم على حسن المتابعة وحتى اللقاء القادم نستودعكم الباري تعالى الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******