البث المباشر

موقع إيران الاستراتيجي يهدد هيمنة أمريكا على التجارة العالمية

الأربعاء 2 يوليو 2025 - 14:24 بتوقيت طهران
موقع إيران الاستراتيجي يهدد هيمنة أمريكا على التجارة العالمية

في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، برز الموقع الجغرافي الإيراني كأحد أهم الأصول الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية في مواجهة الضغوط الأمريكية-الصهيونية، حيث تمثل إيران جسراً حيوياً يربط بين القوى الاقتصادية الكبرى بفضل موقعها الفريد في قلب أوراسيا.

تشكل الممرات التجارية ورقة ضغط إيرانية في المواجهة مع الغرب، حيث يمكن للجمهورية الإسلامية تحويل موقعها الجغرافي إلى قوة اقتصادية وسياسية في حال تجاوز التحديات الداخلية والخارجية.

في العالم اليوم، أصبح الموقع الجغرافي أكثر من أي وقت مضى أحد أهم الأصول الاستراتيجية. وإيران، بموقعها في قلب أوراسيا، ليست مجرد دولة عادية، بل هي جسر حيوي يربط بين القوى الاقتصادية العالمية.

تتمتع إيران بموقع جيوسياسي فريد في منطقة تربط من جهة ببحر عمان والخليج الفارسي، ومن جهة أخرى بآسيا الوسطى والقوقاز وتركيا وأوروبا، يشبه موقع إيران الشريان الرئيسي في الجسم، حيث يصبح نقل التجارة دون المرور عبره أكثر تكلفة واستهلاكًا للوقت.

في عالم التجارة الحديثة، يلعب الوقت وتكلفة النقل دوراً حاسماً في تنافسية السلع. لذلك، تتمتع الدول الواقعة على طرق أقصر وأكثر أماناً بميزة كبيرة، حيث يمكنها تحقيق أعلى الأرباح بأقل استثمار.

حاليًا، تسعى دول مثل الصين والهند وروسيا وحتى الدول الأوروبية إلى تنويع طرقها التجارية.

ويُعد الطريق الإيراني، من الناحية الجغرافية، البديل الأفضل لتجنب الاختناقات الجيوسياسية مثل قناة السويس والبحر الأسود والطرق عالية الخطورة التي تمر عبر مناطق النزاعات مثل أوكرانيا.

ثلاثة ممرات حيوية تمر عبر إيران:

الممر الشمالي-الجنوبي INSTC:
يمتد هذا الممر الدولي من الهند إلى روسيا ثم إلى أوروبا، وهو مصمم ليكون بديلًا للطريق البحري الطويل والمكلف عبر قناة السويس. وتلعب إيران دور الحلقة المركزية التي لا يمكن الاستغناء عنها في هذا الممر.

وفقًا لدراسات الأمم المتحدة، فإن نقل البضائع من الهند إلى روسيا عبر هذا الممر يوفر حوالي 20 يومًا مقارنة بالطريق التقليدي. هذه الميزة تجعله جذابًا للشركات العالمية والمنتجين الآسيويين.

مع عدم الاستقرار في طرق شمال أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح هذا الممر خيارًا مثاليًا لصادرات روسيا وواردات الهند ودول الخليج. ولهذا، أبدت روسيا اهتمامًا كبيرًا بتطوير البنية التحتية في إيران، بما في ذلك الاستثمار في مشروع السكك الحديدية "رشت-آستارا".

الممر الشرقي-الغربي (طريق الحرير الجديد):
يعد هذا الممر جزءًا من المبادرة الطموحة للصين المعروفة باسم "الحزام والطريق"، والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الطرق البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، مثل مضيق ملقا وقناة السويس، وتنويع الطرق البرية إلى أوروبا.

بفضل حدودها المشتركة مع تركمانستان وأرمينيا وتركيا، يمكن لإيران أن تكون جسرًا يربط آسيا الوسطى بأوروبا. كما تتمتع إيران بأمن ووصول أفضل إلى مصادر الطاقة والموانئ مقارنة بطرق القوقاز أو باكستان.

أبدت الصين اهتمامًا مباشرًا بمشاريع السكك الحديدية والموانئ الإيرانية، مثل ميناء تشابهار وسكة حديد "گرمسار-إينچه برون"، لكن العقبات السياسية الداخلية والعقوبات حالت دون تحقيق هذه الإمكانات.

الممر الجنوبي الغربي (الهند-إيران-القوقاز-أوروبا):
يُعد هذا الممر حيويًا للهند، حيث إن عداءها التاريخي مع باكستان يحول دون وصولها المباشر إلى آسيا الوسطى وروسيا. لذلك، ظهر ميناء تشابهار كبديل لميناء جوادر الباكستاني، مما يعزز الدور الجيواستراتيجي لإيران.

مع تطوير هذا الممر، يمكن لإيران الاستفادة من تصدير واستيراد البضائع، بالإضافة إلى نقل البضائع العابرة من الهند وأرمينيا وأذربيجان وأوروبا. كما أن تنويع الطرق التجارية عبر هذا الممر سيقلل من ضغط العقوبات ويعزز العلاقات الإقليمية لإيران.

إيرادات النقل العابر: فرصة لم تُستغل بعد
في العام الإيراني 1402 (2023-2024)، مر عبر إيران حوالي 12 مليون طن من البضائع العابرة، وهو ما يمثل 25% فقط من طاقتها المحتملة البالغة 50 مليون طن.

هذا التأخر يعود لأسباب متعددة، منها نقص البنية التحتية، وعدم وجود سياسات متكاملة، والعقوبات الدولية.

في المقابل، تحقق تركيا، التي تمتلك موقعًا مشابهًا، أكثر من 5 مليارات دولار سنويًا من إيرادات النقل البري والسكك الحديدية، بينما لم تصل إيران بعد إلى خُمس هذا المبلغ رغم إمكاناتها الأكبر.

وفقًا لتقديرات خبراء مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي، فإن تحقيق إيران لطاقتها الكاملة في النقل العابر (50 مليون طن) يمكن أن يحقق لها عائدًا سنويًا يتراوح بين 5 إلى 7 مليارات دولار، وهو دخل مستقر ومنخفض المخاطر يمكن أن يكون بديلًا جزئيًا لصادرات النفط الخام.

تأثير استغلال فرص النقل العابر:
قال الخبير الاقتصادي "رامين فرهادي" في حديثه لمراسل وكالة "فارس": "ما سيحدث هو تحول هيكلي في الاقتصاد الإيراني. فالنقل العابر، على عكس النفط، يدر دخلًا دون مخاطر بيع المواد الخام. إذا تمكنت إيران من زيادة حجم النقل العابر من 12 مليون طن حاليًا إلى 50 مليون طن، فستحقق عائدًا سنويًا يتراوح بين 5 إلى 7 مليارات دولار، وهو ما يتجاوز إجمالي الدخل غير النفطي لإيران في بعض السنوات."

وأضاف: "لكن الأمر لا يتعلق بالمال فقط. فالنقل العابر يؤثر بشكل متسلسل على البنية التحتية والتكنولوجيا والعمالة وتنمية المناطق الحدودية وحتى القوة التفاوضية السياسية لإيران في المنطقة. بمعنى آخر، النقل العابر هو محرك للتنمية، وليس مجرد قناة للدخل."

وتابع: "يمكن من خلال النقل العابر حل مشكلة التخلف في المناطق الحدودية. فمدن مثل زابل وخواف وزاهدان وخرمشهر وآستارا يمكن أن تتحول إلى محطات تجارية بفضل موقعها. إذا تم استثمارها بشكل استراتيجي، فسوف ينخفض معدل البطالة ويقل الضغط على الهجرة إلى المدن الكبرى."

وأكد فرهادي أن "تركيا، من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية للنقل، رفعت إيراداتها من النقل العابر إلى أكثر من 5 مليارات دولار سنويًا. وحتى أذربيجان، رغم إمكانياتها المحدودة مقارنة بإيران، استطاعت أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في الممر الجنوبي الغربي بفضل الدبلوماسية الذكية والاستثمار في الطرق."

الفرص الجيوسياسية لها تاريخ انتهاء صلاحية!
وحذر الخبير الاقتصادي من أنه "إذا لم تستغل إيران هذه الفرصة، فستلجأ دول مثل تركمانستان وأذربيجان وحتى السعودية إلى طرق بديلة. ولن تنتظرنا الصين أو الهند أو روسيا؛ فإذا لم تكن إيران شريكًا موثوقًا به، فسيتم تحويل سوق النقل العابر إلى مكان آخر. وهذا يعني ليس فقط فقدان فرصة التنمية، بل أيضًا تهميش إيران تدريجيًا في التجارة العالمية."

وأضاف: "لكن إذا تمكنت إيران، عبر دبلوماسية نشطة وجذب الاستثمارات وإصلاح السياسات الداخلية، من تفعيل هذه الفرصة، فسوف تتحول من دولة تعتمد على اقتصاد النفط إلى دولة ذات دخل مستقر ودور محوري في سلسلة التوريد العالمية. وهذا يعني تعزيز القوة السياسية، وتقليل الهشاشة الاقتصادية، والأهم من ذلك، خلق أفق للتنمية المستدامة."

مشاريع رئيسية للقفزة النوعية في النقل العابر:

سكة حديد رشت-آستارا:
يُعد هذا المشروع الحلقة المفقودة في الممر الشمالي-الجنوبي. فبدونه، ستضطر البضائع إلى النقل عبر سفن صغيرة بين ميناء أنزلي وباكو، وهو أمر مكلف ويستغرق وقتًا طويلًا.

تطوير ميناء تشابهار:
هذا الميناء هو المنفذ الوحيد لإيران على المحيط الهندي، مما يمنحه ميزة سياسية لوجستية. وأعلنت الهند عدة مرات استعدادها للاستثمار فيه، لكن عدم الاستقرار القانوني وخطر العقوبات حالا دون ذلك.

شبكات السكك الحديدية في شرق إيران:
يمكن لمحافظات خراسان وسيستان ويزد أن تكون حلقة وصل بين إيران وأفغانستان وتركمانستان ثم الصين.

النقل العابر: محرك للتنمية دون الاعتماد على النفط
في ظل العقوبات، يعد الدخل من النقل العابر أحد أهم أدوار الصمود الاقتصادي. فخلافًا للنفط، لا يعتمد النقل العابر بشكل مباشر على التصدير ويمكنه تحقيق عائدات حتى في ظل العقوبات.

كما أن النقل العابر يتطلب تطوير البنية التحتية الداخلية (طرق، سكك حديدية، موانئ)، مما يخلق فرص عمل ويربط المناطق المهمشة بالاقتصاد الوطني.

ومن مزاياه الأخرى جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث إن العديد من الدول مستعدة للاستثمار في البنية التحتية الإيرانية إذا توفرت الاستقرار والشفافية القانونية والإرادة السياسية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة