موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا أمان الخائفين، يا عون المؤمنين، يا راحم المساكين"
لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة، وما تتضمنه من المعرفة العبادية في ميدان العقائد والاخلاق والاحكام، ومن ذلك: دعاء (الجوشن الكبير) حيث يتضمن عشرات المقاطع، ومنها: المقطع البادئ بهذا النحو: (يا امان الخائفين، يا عون المؤمنين، يا راحم المساكين).
هنا نلفت نظرك الى جملة نكات في هذا المقطع من الدعاء، وفي مقدمتها: ملاحظة الاسم او الصفة او المظهر لله تعالى، ثم: علاقة ذلك بانماط متنوعة من المعانين بعض شدائد الحياة، وهذا مثل (الخائفين) و (المساكين) و (المؤمنين)، حيث جاءت العبارات المرتبطة بالمساكين مقترنة بالرحمة من الله تعالى، وجاءت العبارة المتصلة بالخائفين مقترنة بامان الله تعالى، وجاءت الفقرة المرتبطة بالمؤمنين مقترنة بعون الله تعالى ومساعدته اياهم.
والسؤال الآن: ما هي الاستلهامات التي نحصل عليها من خلال ملاحظة ما تقدم؟
بالنسبة الى عبارة (يا أمان الخائفين)، يمكننا الذهاب الى ان هذه الفقرة تعني ما سنوضحه الان.
ان (الخوف) هو ضد (الامن)، اي: ان الشخصية اما ان تكون (آمنة) لا تعاني قلقاً او خوفاً من شيء او تكون على الضد من ذلك، وفي هذا السياق ينبغي لفت الانتباه على مسألة (الامن) مقابل (الخوف)، حيث ان علماء النفس طالما يشيرون الى احد الدوافع المهمة في تركيبة الانسان الا وهي (الدافع الى الامن)، حيث ان الفاقد للامن يظل قلقاً وتوتراً وخائفاً لا يقرّ له قرار، وقد ورد في الحديث الشريف انه: (نعمتان مجهولتان الصحة والامان)، وبالفعل فان الامان او الامن لا يمكن لاي شخصية ان تحيا بدونه لانه يعني عدم استقرارها، فالخائف من مثلاً من القتل، او السلب، او العدوان، او اي خطر آخر لا يمكنه ان يهنأ في حياته.
من هنا جاءت العبارة القائلة: (يا امان الخائفين) موضحة بأن الله تعالى هو (الامان) للخائف: أياً كان خوفه، سواء اكان خوفاً دنيوياً او اخروياً.
وبالفعل ان الله تعالى ـ وهو المهيمن على الوجود ـ يحقق لعبده اماناً من المخاوف مهما كبر حجمها، وهذا هو احد عطاءاته تعالى.
العبارة الثانية تقول: (يا عون المؤمنين).
ترى ماذا نستلهم منها؟ ان (المؤمن) يظل في عون الله تعالى، بمعنى: ان من يمارس الطاعة، ويتوكل على الله تعالى، ويعرف عظمته تعالى ورحمته، حينئذ فأن الله تعالى يقدّر لعبده هذه الطاعة، ويثيبه عليها بما لاحدّ لاحصائه، اي: يصبح له (عوناً) في كل ما يواجهه من شدائد الحياة او الآخرة وهذا من الوضوح بمكان.
اما الفقرة الثالثة فتقول: (يا راحم المساكين)، وهي عبارة واضحة، لكنها تحتاج الى ملاحظة نكاتها، وفي مقدمة ذلك: التعرف على(المسكين)، وملاحظة (الرحمة) من الله تعالى.
اي: لماذا اقترنت (الرحمة)، مع حالة (المسكين)؟
لماذا لم يقل النص (يا عون المساكين) مثلاً او يا (امان المساكين)؟
هنا ينبغي ان نتبين اسرار ذلك فنقول:
(المسكين) هو الفقير الاشد فقراً من مصطلح (الفقير)، وقد ينسحب على مطلق (الضعيف) الذي لا يمتلك من القوى ما يتوكأ عليها في حياته. من هنا، فان المسكين يحتاج الى الرحمة اكثر مما يحتاج الى المساعدات الاخرى، لان الرحمة هي المجبرة لمسكنته، والمجيرة له من حالته، والمقويّة لضعفه.
بعد ذلك: تواجهنا فقرات اخرى من مقطع الدعاء، وهي (يا ملجأ العاصين، يا غافر المذنبين، يا مجيب دعوة المضطرين) وبهذه العبارات يختتم مقطع الدعاء (وهذا ما نحدثك عنه في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى).
ختاماً نسأله تعالى ان يمدنا برعايته دوماً، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.