موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا مقيل يا محيل ... يا دليل المتحيرين"
نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، منها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير) حيث حدّثناك عن مقاطع متسلسلة منه، إنتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه ما يأتي: (يا مقيل يا محيل) حيث ختم بهما مقطع الدعاء الثالث عشر.
بالنسبة الى عبارة: (يا مقيل)، نعتقد بأنك على إحاطة بدلالته التي تعني في أصلها: فسخ العقد، وتستخدم في الدّلالة العامة وكذلك في السياقات الخاصة بمعنى هو: إنقاذ الشخصية من السقوط كما لو قيل لها: أقال الله تعالى عثرتك مثلاً، نسأل الله تعالى أن يرفع عنك الأذى، وبالنسبة الى ما نحن بصدده تعني هذه العبارة أنّ الله تعالى يساعد عبده ويسعفه وينصره وينقذه ممّا يعانيه العبد من شدّة: كوقوعه مثلاً في خطأ او ذنب كبير.
وأما عبارة (يا محيل) فتعني: يا معطي القوة الى عبده مثلاً، أيّ: أنّ كلمة (محيل) تعني: إعطاء (الحول) وهو (القوة) او القدرة على التصرّف، طبيعياً ثمّة فارق بين (الحول) و(القوّة)، لذلك يقال (لا حول ولا قوّة إلا بالله) حيث فسّرها الامام علي عليه السلام (لا حائل عن المعاصي، ولا قوّة على الطاعات إلا بالله)، والمهم أنّ صفة (يا محيل) تعني: أنّ الله تعالى يمنح العبد القدرة على التصرّف في سلوكه بعامة، بحيث نستخلص من ذلك بأنّ الله تعالى يمنح الشخصية استعداداً للحركة، فما يتسبّب من عمل الخير فمنه تعالى، وما هو مضاد لذلك فمن الشخص او الشيطان.
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً يبدأ على النحو الاتي: (يا دليل المتحيّرين يا غياث المستغيثين، يا صريخ المستصرخين).
ونبدأ بالحديث عن السّمة القائلة: (يا دليل المتحيّرين)، وهذه الصّفة لا تحتاج الى توضيح بقدر ما تحتاج الى إلقاء الإنارة عليها من خلال مقارنتها بما بعدها من عبارات تتجانس فيما بينها مثل (يا دليل المتحيّرين)، (يا غياث المستغيثين).
حيث نجد أشكالاً من الموسومين بشدائد متجانسة مثل: (المستصرخين)، (المستجيرين)، (المضطرّين).
فهؤلاء جميعاً يعانون نمطاً من الشدائد يختلف أحده عن الاخر، ولكنّه يتجانس مع الاخر في الان ذاته.
وبالنسبة الى المتحيّرين فإنّ المعنى هو: الشخصية التي تعاني الحيرة في موقفها، أي: لا تمتلك موقفاً حاسماً تنتهي اليه: فهي بين الإقدام على الشيء والإحجام عنه تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى، تعاني القلق والتوتّر والترّدد ولا تمتلك حسماً في امورها...
من هنا فإنّ الله تعالى يدلّها على ما يزيل حيرتها: كالنور الذي يدل الضّالّ في طريقه ويجعله مهتدياً.
بعدها نواجه عبارة: (يا غياث المستغيثين) ثم: (يا صريخ المستصرخين) ثم: (يا جار المستجيرين)، وهذه العبارات الثلاث متجانسة تماماً في دلالاتها، كيف ذلك؟
إنّ (المستصرخ)، (المستجير) و (المستغيث) يتماثلون في نداءاتهم او توجّهاتهم او لجوئهم الى الله تعالى، فالجميع يعاني الشّدّة والجميع يتجه الى الله تعالى، عارضاً عليه ذلك، طالباً منه: إزاحتها.
ولكنّ الفارق بين كل منهما هو على النحو الآتي: الصارخ هو من ينبعث في لجوئه الى الله تعالى بصوت مرتفع وأما المستغيث فهو الطالب مساعدة ونصرة وأما المستجير فهو: اللاجئ الى الله تعالى أي: المتجه إليه.
هنا قد تسأل فتقول: ما هو الفارق بين هؤلاء وهم جميعاً يدعون الله تعالى في شدائدهم؟
الجواب: هناك اللاجئ مطلقاً الى الله تعالى بغضّ النظر عن كيفية لجوئه وهذا ينسحب عليه (المستجير).
وهناك الطالب مساعدة، وهو (المستغيث) وهناك الصارخ بمصيبته الشديدة وهو (المستصرخ).
إذنّ الكل في الشدّة، والكل يفترق عن الآخر في نمط توجّهه الى الله تعالى بالنحو الذي أوضحناه.
ختاماً نسأله تعالى أن يوفّقنا الى طاعته، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.